وقفات ومحطات مع فارس ورحالة الصحافة والإعلام “ليث مشتاق “

حاوره / احمد الحاج 
((جبت العواصم والدول والقارات وغرف الاخبار لأغطي الوقائع وأنقل التقارير والتقط الصور وأوثق الأحداث وأسجل الحقائق للعالم وللتاريخ حاملا لا قطتي و خارطتي وبوصلتي وكاميرتي وقلمي ومفكرتي من بغداد إلى أفريقيا وآسيا وأوربا والعالم)) .
*هذه هي خلاصة مسيرة مبدع عراقي يطلق عليه بعض المهتمين بفنون الصحافة لقب”فارس ورحالة الصحافة والاعلام” فماذا تقرأ بطاقتك الشخصية وسيرتك المهنية ؟
– اسمي ليث مشتاق ،ولدت في بغداد وعشت فيها حتى عام 2004 , كانت بدايتي في الصحافة الاحترافية خلال الحرب على العراق 2003 ،حيث التحقت بقناة الجزيرة في العراق يومها ،وعملت ضمن فريق كبير ومميز من خيرة الخبرات الصحفية العربية،وشاركت معهم في تغطية أحداث مهمة كان من أبرزها مقتل نجلي الرئيس العراقي السابق (عدي وقصي ) في مدينة الموصل ،ومعركة الفلوجة الأولى ،والاشتباكات بين القوات الأمريكية ،وعناصر ماكان يعرف بجيش المهدي في مدينة كربلاء ، اضافة إلى الكثير من الاشتباكات والمعارك وسط وشمال العراق،غادرت العراق في آب 2004 لألتحق بمكتب كابل كمراسل لموقع الجزيرة نت ،إضافة إلى عملي كمصور صحفي قمت خلالها بتغطية الانتخابات الأفغانية أواخر 2004 فضلا على عدد من التقارير الميدانية والمقابلات في ولايات أفغانية عدة من هلمند جنوبا ، وحتى قُندز شمالا ، كما أنتجت فلمي الوثائقي الأول يومها عن زراعة المخدرات في أفغانستان، وغطيت مطلع 2005 الانتخابات في طاجكستان،عدت بعدها وتحديدا في أبريل لأستقر في الدوحة ولتبدأ بعدها رحلات عدة ومتكررة إلى قارة أفريقيا ، وتلك حكاية يطول سردها،في أواخر 2012 انتقلت للعمل بغرفة الأخبار في قسم التخطيط لأنتقل من التصوير الحربي والانتاج الميداني ، إلى العمل في قلب المؤسسات الصحفية المتمثلة بغرفة الأخبار،ارتحلت كذلك إلى تركيا عام 2015 ثم إلى المملكة المتحدة ، وتنقلت بين مؤسسات إعلامية عدة، واليوم أعمل كاستشاري في المجال الاعلامي .
*حين يتحول الوطن الى طارد للمبدعين ، ومقابر للمغتربين ، فما هو الدور الذي يتوجب على الصحافة العراقية المقروءة والمرئية والمسموعة لعبه في هذه الحالة”إلتزام الحياد والوقوف على التل،أم الموضوعية، أم الصمت، أم الاصطفاف، أم الانسحاب الى الداخل والتقوقع على الذات ؟“.
-كل مايجري في العراق ومنذ عقود استثنائي اذا جاز لي القول، فهجرة الكفاءات الأولى كانت عقب إنقلاب 1958 وبداية مرحلة دموية شهدها العراق، ثم جاءت محاولة لإعادة اجتذاب بعض الكفاءات خلال مرحلة التنمية التي شهدها العراق مطلع السبعينات برغم تعثره في الشق السياسي إلا أن الاهتمام العلمي والثقافي ووفرة المال وارتفاع سعر البترول قد أسهم في انجاح تلك العملية ولكن بعيدا عن الصحافة، إذ لم تنل حرية الصحافة حظا في تلك المحاولة ،كما أن الصحافة العراقية خلال مسيرتها الطويلة منذ أواخر القرن التاسع عشر كانت معقدة وصعبة عاشت رهينة قطبي السياسة والمال ،والمتتبع لتلك المرحلة يلاحظ كم الصحف والمجلات التي انطلقت وأقفلت ، منها من عاش لأسابيع ، وأخرى لشهور وهكذا ،هنا أعود للجواب عن المرحلة الحالية كونها استثنائية من حيث الظرف السياسي والأمني اضافة إلى التحدي الأكبر المتمثل بالثورة التقنية التي فتحت الفضاء الأوسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي الذي خلط الأوراق أمام أي مشروع إعلامي في العراق مالم يكن مستقرا ماليا ومبنيا على أسس صحفية رصينة،بين كل تلك التحديات ومع غياب مشروع أعلامي طويل الأمد عابر للحزبية والفئوية ، يتمتع بهامش حرية عال يعزز بخبرات متنوعة ،لايمكن توجيه اللوم للصحفي العراقي الذي يبحث عن فرصته وسط غابة الشوك تلك ،يحتاج الصحفي إلى كثير من الخبرة والتجرد والصبر للحفاظ على بوصلة الموضوعية في التناول والطرح لكل ما يجري من حوله ،وتلك مهمة شاقة ، أكرر في ظل ماتعيشه الصحافة في العراق ،ولن نكون متطلبين إذا ما فكرنا بالشرط الأول ،الأمان على حياة الصحفي ابتداءا.
س3: بصفتك صحفي واعلامي عراقي مغترب عمل في أهم المؤسسات الاعلامية العربية، وتعامل مع أبرز المؤسسات الاعلامية الاجنبية طيلة عقدين من الزمن،فبماذا تنصح معدي التقارير الإخبارية المقروءة منها والمسموعة و المتلفزة ؟
– لا أسميه نصحا بقدر مشاركة تجربة اكتسبتها من أساتذة عظام في المهنة ،وهي الدقة والمصداقية وعدم التكلف في الطرح ،، علاوة على اليقين الدائم بأن الجمهور المتلقي ذكي وحساس يميز بين المفتعل والحقيقي ،ولايحتاج إلى مطولات بقدر حاجته إلى وضع الوقائع أمامه من دون تهويل ،ولا تهوين مشفوعة بالبعد عن المبالغات الحماسية في السرد الرابط بين عناصر الحدث أو القصة ،كما أن للشكل الفني المتقن صورة وصوتا دور بارز له حساسيته أيضا تخدمه التلقائية ويعيبه الاستعراض والمبالغات.
* وماهي نصيحتك للمراسلين ، سواء منهم من يعمل داخل العراق أو خارجه ؟
-كذلك سأسميه مشاركة تجربة وليست نصيحة،إذ لكل تجربة من التجارب ظروفها ،ميزاتها وعيوبها وما من عمل كامل، وليس بعيدا عن الرد السابق ،الدقة الدقة وعدم التعجل على حساب المصداقية،، قد نخطأ جميعا أحيانا حين ننساق وراء الحماسة والبحث عن السبق الصحفي،بينما نسقط في فخاخ الاخبار الكاذبة أو مبالغات شهود العيان ورسائل بعض (المصادر المقربة ) المبطنة ،، هنا علينا التوقف عند سؤال مهم ألا وهو ” أيهما أولى ،السرعة أم الدقة ؟!!”.
وقد نتماهى أحيانا مع النزعة الأدبية أو التعبيرية لدينا عند كتابة النصوص ،فنذهب إلى الإقتباسات البلاغية من الحكم والأمثال والنصوص الدينية والشعر ، نعم معلوم جدا أن اللغة العربية من أكثر اللغات غزارة وإغراء بمفرداتها وسحرها، إلا أن الصحافة الاخبارية ليست المكان المثالي لذلك التباري اللغوي ، فكل كلمة لاتعبر مباشرة عن الخبر ومتعلقاته ،فهي زائدة قد يعدها المتلقي استعراض براعة أو تسويق مضمون.
*انت مصور محترف ولك سيرة ناصعة ، ومسيرة حافلة ، متشحة بالابداع والتألق بشهادة المختصين،في مجال التصوير الاحترافي،فهل لكم أن تقدموا جملة من التوجيهات الى مصوري القنوات الفضائية من الشباب الواعدين،وحبذا لو بنقاط ؟
-ربما أنقل عن أستاذي الراحل أمجد حميد ،الأنسان والفنان الذي كان بالنسبة لي المعلم الأبرز في تعلم أخلاقيات التصوير قبل التصوير ،علمني الاستاذ أمجد أن حمل الكاميرا مسؤولية بعيدة عن الخيلاء ،وأن احترامك للكاميرا وللقطة لاينفصلان عن احترامك لمهنتك، وأن التصرف في الميدان هو إنعكاس لتربيتك ومهنيتك وفنك هذا على القيم التي كان يكثر الحديث عنها ،، فنيا علمنا الأستاذ أمجد أن ضغط زر التصوير في الكاميرا مسؤولية ستسأل عنها وتحاسب عليها ،، أو قد تنتقدها أنت بنفسك بعد سنوات ،لذا تحر الدقة والتعبير والجمالية والمصداقية في كل لقطة قبل تسجيلها ،، كذلك البعد عن التكلف والمبالغة ،، ففعل الكاميرا في الاخبار وبعض الوثائقيات هي محاولة للتقريب للواقع بتلقائيته ،، كما هي حتما بعيدة كل البعد عن الدراما والسينما ،، ففي الأخبار لا إعادات ولا تكرارات للحدث الماثل أمام المصور ،، لذلك فازت لقطة أخذها مصور أحد الوكالات بدقة وبساطة وكانت تلك اللقطة لإغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ،، حيث لم يختبئ المصور خلال هجوم المسلحين على منصة ،بل ركض تجاه المسلحين ليلتفت ويلتقط تلك اللقطات الشهيرة ، وهنا تكمن رسالة المصور في تسجيل الحدث ،، لا نصوص ولا أصوات ، وربما لو كان تصويرا فوتوغرافيا ،، الصورة هي التي تروي القصة ،كذلك على المصور أن يدرك بأنه يتعامل مع زمنين في آن واحد ،، فهو يغطي الحدث الآني اخباريا ،اضافة إلى تسجيل وثيقة للتاريخ ،، ستحسب عليه أو له من قبل جمهور آخر لربما بعد عقود.
*سماؤنا تمطر إعلاما ،يُزعَمُ أنه إعلام حر ومحايد وموضوعي ،الا أن أرضنا جدبة لاتنبت صحافة حقيقية،حرة ونزيهة ، لماذا برأيكم ؟
– يمكن اقتباس جزء من جواب سؤال سابق حول تاريخ الصحافة العراقية والظرف الحالي.
* ماهو رأيكم ببرامج التوك شو العراقية التي تستضيف عددا من الخصوم السياسيين والحزبيين والطائفيين يوميا، وتدخلهم في (حلبة ملاكمة) على الهواء مباشرة ما يزيد من إحتقان الشارع المحتقن أصلا، من دون أن يقدم أي من هذه البرامج فضلا على مقدميها وضيوفها أية تحليلات حقيقية ، ولا حلولا واقعية للأزمات المتلاحقة ،ولا للمشاكل العالقة ؟
-لجعل الاجابة أسهل ربما علينا التفريق بين الاعلام المحترف الذي يتمتع بقدر من المهنية وبين سواه الذي يشبه إلى حد بعيد إما التوجيه السياسي كما في الجيوش ،، أو صالات المصارعة الحرة وكما هو معروف فهي مصارعة استعراضية وليست حقيقية ، الغاية منها المرهانات وإمتاع هواتها ..في التلفزيونات الاحترافية تعد البرامج الحوارية أحد أهم الركائز المهمة لعملها الصحفي،إذ ليس كل خبر أو موضوع يمكن تناوله بتقرير متلفز أو خبر قصير في نشرة ،، من الاخبار والاحداث ما هو جدلي يقبل أكثر من تفسير ويحتمل أكثر من رؤية ،هنا يأتي دور البرامج الحوارية التي تتيح للمشاهد الاستماع لوجهتي النظر أو أكثر ،، بتفصيلاتها وسياقاتها السابقة ليكون الجمهور على بينة بالرأي والرأي الاخر الذي يخالفه ، ولكي لا يتبنى طرحا دون سواه قبل سماع وجهة النظر الأخرى ،، والوقوف على مدى المشتركات حتى بين الاطراف المتناقضة ،، وربما ينتج عن الرأيين رأي ثالث ورابع وذلك حق للجمهور على المؤسسات الاعلامية الحرة.
* تابعت تقريرا متلفزا في عدد من الفضائيات العربية وكلها تتمحور حول موضوع واحد ألا وهو سرقة وتهريب الآثار العراقية والسورية والمصرية ، وقد اذهلني حجم التناقض ، فكل قناة كانت ترمي الكرة بملعب خصومها وتتهمها بسرقة هذه الآثار وتهريبها بالادلة والارقام والوثائق ..ما يؤشر الى أن الجميع متورط بسرقة هذه الاثار وتهريبها ، برأيكم كيف يمكن للمشاهد العربي أن يفرز الغث من السمين ، وينجو بنفسه من هذه الدوامة، ويتجنب الوقوع في شراك وحبائل التقارير التلفزيونية المزيفة للحقائق أحيانا… والمتناقضة أحايين؟
– بعيدا عن التقرير عينه ،فإن علاقة المشاهد بالقناة أو الإذاعة أو الصحيفة علاقة تبنى بتراكم الثقة ،عندما نشدد على الصحفيين والمحررين بموضوع الدقة والموضوعية والالتزام بأخلاقيات المهنة ،فإن من دوافع ذلكم هو الحرص على سمعة المؤسسة الاعلامية ومصداقيتها أمام الجمهور ،وقد تلاحظ أن كبريات المؤسسات الاعلامية الدولية تواظب على الاعتذار كلما أوردت خبرا فيه خطأ أو حين يجانبها الصواب في قصة خبرية ما ،ولاتجد حرجا من ذلك احتراما للجمهور وحفاظا على قيمها المهنية وبتلك الاعتذارات ترقتي المؤسسات بعيون الجمهور كما في عيون العاملين فيها ،، من تلك الدقة والموضوعية والتوازن ومنح الفرص المتساوية للاطراف بطرح وجهة نظرها في تقرير ما أو خبر ما ،تكون المصداقية هي البوصلة ، ما عداها أذكر بما أسلفت ، ولو فصلنا بين الاحترافي وسواه من المؤسسات لسهل علينا التأصيل ،كذلك قد ينساق بعض الجمهور خلف معلومة غير دقيقة ،، لكن سرعان ما يتوقف ،، أكرر بأن الجمهور حساس تجاه الحقيقة ،وبالتالي إذا كان حبل الكذب قصير بالمجمل ،، فحبل الكذب على الجمهور أقصر .
* في العراق هناك ظاهرة يمكن تسميتها بـ”المؤسسات الاعلامية الوقتية “تتمحور حول تأسيس وكالات أنباء، وإصدار صحف ومجلات،ورقية والكترونية ، قبيل الانتخابات بعدة أشهر ومن ثم إغلاقها عقب فوز او خسارة ممولها الرئيس بالانتخابات، وقلما يبقى منها من يمارس عمله بعد هذه التاريخ ، وذلك في فوضى عارمة وهرج وتهريج اعلامي غير مسبوق عراقيا ودوليا ، ولاسيما أن الضحايا هم العاملون في أروقة هذه المؤسسات ممن يخرجون منها من غير حقوق ولا مكافآت نهاية خدمة وكأنهم ما عملوا فيها يوما قط …ماذا تقولون في ذلك ؟
– أعتقد أنها ظاهرة عالمية ، ومن الظلم للمؤسسات الاعلامية الرصينة أن تضع تلك الحملات الاعلامية في خانة ( المؤسسات )،الحملات الاعلامية معروفة عالميا وهي مرتبطة بالانتخابات أو الصراعات السياسية ، لها أجل محدود وهي أشبه بنشاط شركات العلاقات العامة منه بالعمل الصحفي الاحترافي ،، في الغرب عند التمهيد لكل انتخابات تظهر تلك اللجان أو الحملات بالتعاون مع شركات متخصصة تستقطب بدورها عددا من الصحفيين للعمل معها،أحيانا من دون أطلاعهم على الغاية الرئيسة لتلك الحملات بشكل مباشر وواضح ،، بل مزوقة بشعارات تحاكي قضايا انتخابية ،، منها ما يحقق منجزات سياسية وبعضها يخفق ،، لذلك على الصحفي التحقق من الجهة التي يعمل معها ويؤمن برسالتها ومصداقيتها قبل الانضمام إليها.
* كلمة أخيرة للصحفيين وللقائمين على الصحافة في العراق ؟
– أتابع عددا كبيرا من الصحفيين العراقيين الشباب ،كثير منهم يتمتع بحذاقة وحرفية تبعث على التفاؤل ،ربما تنقصهم الفرص المناسبة ،ولحين توافر تلك الفرص عليهم بالمزيد من المثابرة في اكتساب الخبرات لأنه أمر مهم ،وربما الأهم ونحن نشهد مايعرف بالثورة الصناعية الرابعة ،هو تعدد الخبرات إذ لامكان في سوق العمل في المستقبل لمن يجيد فنا واحدا من فنون الاعلام، وأن التجارب والسعي في اكتشاف قدرات الذات لا تنتهي بمرحلة وظيفية ولا عمرية محددة ، فكيف بالصحفي الذي دافعه الأول في المهنة هو حب الاكتشاف ،، كذلك ومع تطور الامكانات التكنولوجية الحالية وفي المستقبل المنظور ،لاينبغي على الشباب الصحفي التعويل فقط على المؤسسات الاعلامية الخاصة أو الرسمية ،بل التفكير بجدية بمبادرات خاصة بهم ،فرادا وجماعات ، وربما بالتعاون مع الصحفيين المغتربين لإقامة مشاريع صحفية وبإمكانات بسيطة،بعد الالتئام على أهداف كل مشروع،وبتمويل ذاتي ، أما للمؤسسات الاعلامية فأقول ،أن خير المؤسسات هي التي تستثمر في أبنائها لتصقل عندهم المواهب ،وتنمي لديهم القدرات ، وتبني فيهم الخبرات،انها صناعة الخبرات ، وليس استيرادها ،عندها ستنال المؤسسة إضافة الى الكفاءات ، ميزة الانتماء وهي إحدى لبنات التميز والابداع .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here