في ادب الحياة: الشيخوخة لا تمس الشخصية !

في ادب الحياة: الشيخوخة لا تمس الشخصية ! * د. رضا العطار

الشواهد كثيرة على ان الضعف الجسمي لا تمس صميم البنية الشخصية. وقد يكون الاصل في هذه الفكرة هو ميل الحضارة الآلية الحديثة الى المبالغة في تاكيد قيمة بعض المزايا التي يتمتع بها الشباب: كالسرعة والقابلية للتكيف والقوة الجسمية – الخ فنحن نعيش في مجتمعات متحضرة تعلق اهمية كبرى على التنافس والنجاح والكسب المادي، ولا تكاد تهتم بتطور الفرد وترقي الشخصية وتكامل الخلق، ولكننا لو دققنا النظر قليلا لتحققنا من ان الشخص الذي يحيا حياة مثمرة منتجة قبل بلوغه سن الشيخوخة، لن يصاب باي انحلال نفساني او اي اضطراب عام في بناء الشخصية، لان السمات العقلية والوجدانية التي عمل على تنميتها في نفسه خلال تطوره الحيوي عبر حياة مثمرة منتجة لا بد من ان تستمر في النمو والترقي على الرغم من كل ما يصيبه من ضعف جسمي.

اما الشخص الذي لم يكن في شبابه منتجا Productive فان الضعف الجسمي الذي يقترن عادة بالشيخوخة لن يكون من شأنه سوى ان يجلب له الانحلال التام في الشخصية. نظرا لان القوة الجسمية عنده انما كانت هي المنبع الرئيسي لشتى مظاهر نشاطه، فلا بد للضعف الذي يصيبها من ان ينسحب بالضرورة على شخصيته العامة باسرها.

والواقع ان الخوف من الشيخوخة انما هو في جوهره تعبير عن احساس المرء بانه لم يستطع ان يحيا حياة منتجة وبالتالي فانه رد فعل يقوم به ضمير الفرد ضد عملية التشويه الذاتي Self – mutilation التي مارسها في نفسه ! واذا كانت هناك علاقة وثيقة بين (الخوف من الموت) و (الخوف من الشيخوخة) فذلك لان جزع الانسان من الموت هو في صميمه جزع من الفشل. فشل الانسان في تحقيق ذاته وانجاز حياته واداء رسالته.

ومعنى هذا ان خوفنا من الموت انما هو في صميمه تعبير عن احساسنا بالتقصير لما ضيعناه من فرص الحياة، ولما بددنا من قوى وطاقات كان في امكاننا ان نستفيد منها ونفيد غيرنا، وبالتالي فهو بمثابة اعتراف ضمني باننا قد اضعنا حياتنا سدى ! واذا كان ثمة شئ اشد مرارة على النفس من الموت نفسه، فهو احساس المرء بانه سوف يموت دون ان يكون قد عاش حقا ! وكم من اناس يموتون دون ان يكونوا قد ولدوا اصلا.

* مقتبس من كتاب مشكلات الحياة لمؤلفه الدكتور زكريا ابراهيم استاذ علم الفلسفة في جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here