Gorbachev و حوار التاريخ…

د. اكرم هواس

Gorbachev و حوار التاريخ…

التاريخ لم يكن يوما متواضعا في حكمه و لا موضوعيا في تقيمه… قديما قيل التاريخ يكتبه المنتصرون .. و انا كتبت مرة ان التاريخ يكتبهالاحياء .. اما الضحايا فلا نعرف شيئاً عما يمكن ان يكون رأيهم الا من خلال محبيهم او المتاجرين بحقهم في الوجود …

التاريخ اذن ليس شيئا واحد و لا كائناً مستقلاً.. مع احترامي لعلماء التاريخ و اساتذته و رواة الحكايا الذين ينقلون وهج التفاعل مع احداثالتاريخ اكثر مما عليه من الاحداث نفسها .. لان كل الذين يكتبون عن وقائع قد لا يعرفون عنها و يكتبون عن نظريات و طروحات و تاويلاتمستوحاة كلها من بقايا آثار هنا و هنا و من دراسة المسارات التي كانت نتاجاً لطبيعة التقاطعات و الاحداث و اصبحت تشكل مسارا يعتدبه في حساب التطورات اللاحقة … و تاريخ الرئيس Gorbachev قد يختزله البعض الى دايلمة Dilemma تفكك الاتحاد السوفيتي ..

ما زلت اذكر جيدا اللحظات الحاسمة لانهيار الاتحاد السوفيتي 26 ديسمبر 1991 .. كنت يومها في لندن اعمل في المركز الرئيسي فيمنظمة العفو الدولية Amnesty International … رغم الاجواء ” السلمية” التي كانت تصنعها الماكنة الاعلامية في الغرب الا ان لحظةاعلان الرئيس Gorbachev عن استقالته كانت حاسة و مرعبة للكثيرين باعتبارها كانت اعلاناً رسمياً عن تفكك الاتحاد السوفيتي ..

في تلك اللحظات حيث يفقد فيه السياسيون و رجال العسكر مناصبهم و صفاتهم و سلطتهم و طبعا ايضا حلمهم في الامبراطوريةالسوفيتية … كان التخوف من ان يرفض اي جنرال كبير في مختلف تصنيفات الجيش السوفياتي التقسيم و يقدم على تهديد العالم وخاصة الغرب بضرورة وقف عملية التفكك او مواجهة خيار “بسيط” اي ان يدوس على زر احد الاسلحة النووية..!!..

ساعات عصيبة مرت و الرئيس Gorbachev قدم استقالته و الاتحاد السوفيتي تفكك … كيثرون فرحوا و اخرون حزنوا لكن لا احد نجح اوحتى حاول ان يوقف عجلة التاريخ في تلك اللحضة … و التاريخ لم يذكر لنا كيف تم اقناع كل ضباط الجيش السوفيتي العقائدي على عدمالاحتجاج و هم يرون دولتهم تسقط امان اعينهم..!!..

هل كان موقف الضباط السوفييت في “اختيار اللا فعل” عقلانيا ؟؟ .. لكن عقلانيا نسبة الى ماذا ؟ هذا التساؤل ياخذنا الى الوراء قليلالانه يبدو ان Gorbachev نفسه و من معه من القيادات السياسية و الاقتصادية و العسكرية لابد ايضا انهم كانوا يستندوا الى ذات النمطمن العقلانية التي يسميها البعض “هوس بالامن و السلام”… لكن هل من السلام ان ينهار كل شيء ..؟؟.!!..

و بما ان هذه المقالة باللغة العربية فلا بئس ان نمر ببعض التجارب التاريخية العربية القريبة منها لعل اغلب الاجيال يتذكرها … دعنا نبدأبالرئيس بورقيبة الذي ترك تونس ليصنع الرئيس بن علي منها دكتاتورية ” اللؤلؤة البراقة” التي للاسف “احترقت ربما من شدة وهججمالها”… الجنرال سوار الذهب الذي سلم امر السودان الى مجموعات لا تعرف ماذا تريد فاختلطت الرغبات و انشق السودان الى اثنتين ومازال الانشقاق سارياً بين القوى السياسية و الجغرافية تهتز معها كل حين….اما اهم التجارب فربما هي نموذج الرئيس السادات .. رجلالسلام.. و الانفتاح الذي فتح صنبور موجة رهيبة من الاستقطاب الاقتصادي و الاجتماعي و العنف السياسي حيث اصبح الرئيسالسادات نفسه احد ضحياها للاسف.

دعنا ايضا نتذكر ان كل التجارب العربية قد سبقت تجربة Gorbachev و لا ندري مَن تعلم مِن مَن… لكن لاشك ان القاسم المشترك هوالمعلم الذي يجلس على قمة العالم… الليبرالية التي ادعى فوكوياما انها انتصرت الى الابد قبل ان يظهر خليفة Gorbachev الرئيس بوتينPutin و يحاول ان يعيد التاريخ الى “اللا تاريخ”… الى الفوضى المعرفية و قيم ما قبل تحول الشامپانزي الى ما نحن عليه..!!.. او فلنقلتاريخ الاشكالية الاولى في علاقة الانسان بالحكم على الارض لاننا لا نعرف بالضبط هل التاريخ الذي نستشهد به هو تاريخ هابيل ام تاريخقابيل ..!!..

دعنا نتذكر ايضا ان اخر مهمة “سلام” قام بها الرئيس Gorbachev هو ارساله قوات عسكرية لدعم الولايات المتحدة في تحرير الكويتمن ربق احتلال صديق الاتحاد السوفيتي العتيق الرئيس صدام حسين و الذي كان نتاج تحولين “سلميين” في البنية السياسية العراقية… الرئيس عبد الرحمن عارف الذي لم يقف في وجه “الانقلاب البعثي” في 1968 و الرئيس البكر الذي سلم راية “الحروب التي لا تنتهي” الىالرئيس صدام… و البقية يعرفها الجميع ..

ربما حاول الرئيس Gorbachev ان يتجاوز نموذج “إيڤان الرهيب Ivan Grozny” Ivan The Terrible (Formidable) و سجلستالين Stalin الدموي و جنون العظمة لدى خروتشوف Khrushchev.. لكنه و هو يرحل الان ترك عالماً يفتقد الى الاحساس الاول بوجوده..الأمان…

ليس الخوف وحده يصنع الحروب كما كان يعتقد توماس هوبس .. و لا تصنع الحكمة السلام دوما … اما التاريخ فانه يتبع هوى صانعه .. و ربما قارئه….حبي للجميع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here