الدولار الامريكي يسحق اليورو

بقلم ( كامل سلمان )

اوربا القارة الأجمل عالميا ، القارة التي تتوجه إليها أنظار عشاق الجمال وعشاق الفلسفة وعشاق الفن الكلاسيكي وعشاق الرياضة والرسم والنحت بعواصمها ومدنها التي يعرفها حتى أطفال الجزر النائية ، اوربا التي كنا نقرأ عنها في الكتب انها جعلت من الامبراطورية العثمانية الرجل المريض ثم هي أصبحت فيما بعد القارة العجوز بعد ان كانت دولها عبارة عن إمبراطوريات عملاقة رغم صغر حجمها ، دولة مثل هولندا كانت تحتل اكثر من عشرين مستعمرة و جزيرة في أعالي البحار ناهيك عن مستعمرات بريطانيا واسبانيا وفرنسا والبرتغال وبلجيكا وايطاليا ، هذه الدول وغيرها من دول اوربا خلال اربعة قرون مضت احتلت معظم اجزاء الكرة الارضية وحولت دول العالم الى مستعمرات ، هذه الامبراطوريات العملاقة في قارة واحدة دمرتها حربين عالميتين خلال اقل من ثلاثة عقود من القرن الماضي ، الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية ، ثم جاءت حرب هامشية ثالثة تبشر بحرب اوسع وهي الحرب الروسية الاوكرانية لتطلق طلقة الرحمة على اوربا ولتضع اوربا واقتصاد اوربا امام مستقبل غامض قد تصل الى كوارث اقتصادية وازمات جدية ، اوربا اليوم اثبتت للعالم انها لم تعد قادرة على تحمل الصدمات فهي بحاجة الى يد العون ، وهذا يفسر تهافت دولها للانضمام الى حلف الناتو ، فهي لم تعد قادرة حتى بالدفاع عن نفسها ، فبعض الدول الاوربية اصبحت تقترض ديون من بعض مستعمراتها سابقا في سابقة لا يصدقها عاقل ، اوربا هذه التي بدأت منها الثورة الصناعية الكبرى تلك الثورة التي غيرت وجه التأريخ اصبحت الأن تفتقر الى الصناعة وأسواقها مليئة بالبضائع الصينية وربما ستتبعها الزراعة ، معظم الاوكرانيين النازحين من مناطق الحرب يفضلون اللجوء الى أمريكا وكندا وأستراليا بدلا من اللجوء الى الدول الاوربية .
واول العلامات التي اشارت دلائلها الى بداية إنهيار دول اوربا هي انهيار العملة الاوربية الموحدة ( اليورو ) هذه العملة التي تم صكها ودخولها للسوق كمنافس عالمي مستقبلي للدولار و للعملات الاخرى ، لكن هذا الحلم الاوربي لم يعد له وجود والمواطن الاوربي لا يثق بعد اليوم باليورو . . . اليورو اليوم يترنح تحت رحمة الدولار .
بعض المحللين يوعزون سبب الانهيار هو أزمة الوقود العالمية وأزمة الغذاء وسبقتها أزمة وباء كورونا وأزمة المهاجرين او كنتيجة مباشرة للحرب الروسية الاوكرانية ولكن الحقيقة هناك تأثير لهذه الازمات على جميع دول العالم ولكن ليس للحد الذي اصاب اوربا ، ففي الجانب الأخر فأن امريكا والصين ، هاتين القوتين الاقتصاديتين العملاقتين بالرغم من تأثرهما الا ان اقتصادهما لم يتضرر كثيرا ، وهاهو الدولار الامريكي يتسيد من جديد على العالم ، يبدو ان اوربا لها مشاكل أكبر مما نتخيل والبريطانيون قد ادركوا هذه الحقيقة عندما قرروا الانسحاب من اليورو والاتحاد الاوربي والسوق الاوربية ، فموجة الازمات السياسية التي شملت معظم دول اوربا الغربية وبعض دول اوربا الشرقية كانت نذير شؤوم للدول الاوربية ، أنا أعتقد ان مواقف دول اوربا من الازمات التي حلت بالعالم و تلكؤها في اتخاذ موقف موحد صريح من هذه الازمات مع صعود حكومات يمينية متطرفة في قيادة معظم الدول الاوربية ، هو السبب الرئيس لضعف اوربا وعدم قدرة هذه الدول من تنسيق مواقفها مع الدولة الاقوى عالميا ( الولايات المتحدة الامريكية ) اي ان محاولة بعض حكومات الدول الاوربية الوقوف بالضد من الموقف الامريكي وتقاربها الاقتصادي مع روسيا والصين كان ثمنه هذا الضعف وهذا الانهيار ، لذلك بات لزاما على الدول الاوربية وخاصة فرنسا والمانيا وايطاليا واسبانيا ان تحذو حذو المملكة المتحدة في بناءً تحالف اقتصادي وعسكري وسياسي مع الولايات المتحدة انقاذا لنفسها واعادة الحياة لأوربا المحتضرة خاصة وان روسيا والصين ودول اخرى تعمل جاهدة لفصل اوربا عن امريكا وهذا كان واضحا عندما اعلنت روسيا تعاملها بالروبل او الذهب بدل الدولار مع الدول الاوربية مقابل تصدير الوقود ، وكذلك ابدت الصين لتقديم قروض ميسرة للدول الاوربية ولكن باليوان الصيني ، يعني ان الهدف واضح تماما هو عزل اوربا عن امريكا ، أنا أجزم ان اوربا ستتحالف اقتصاديا وسياسيا وعسكريا مع امريكا لأن الروابط التأريخية والايدلوجية مكملة بعضها لبعض بين الاوربيين والامريكان وما انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو الا البداية لتأسيس عالم جديد بقيادة الولايات المتحدة لهزيمة روسيا والصين وانقاذ العالم من شبح الحروب المتأججة هنا وهناك بسبب هذه الدول الشمولية التي تجد ديمومتها واستمراريتها في الحروب والنزاعات الدولية ، دول اوربا لا زالت لها بصمة في السياسة الدولية ولكنها أضعف مما كانت عليه ، فهي اليوم امام اختبار صعب والعقل الاوروبي علمنا على الابداع والتطور ، فلا أظن ان العقل الاوربي سينهار ويستسلم بسهولة خاصة وان الولايات المتحدة الامريكية مازالت داعم قوي لمعظم الدول الاوربية، ، ، لملمة الاحداث وتوحيد المواقف سيعيد لاوربا من جديد الحيوية والشبابية او أنها ستكون ضحية للابتزاز الروسي او الصيني ، …. ان المواطن الاوربي اصبح يفضل التعامل بالعملة المحلية او الدولار بدلا عن اليورو في داخل البلدان الاوربية ، وهذا يعطينا تفسير أخر لم نكن ندركه من قبل الا وهو ان الدولتين العظميين روسيا والصين اللتان قامتا بتخزين مئات المليارات من اليورو وحولوا معظم تعاملاتهم الدولية باليورو على أمل ازاحة الدولار وتدميره ولكن ما حدث يدل على علو كعب السياسة والاقتصاد الامريكي مما جعل هاتين القوتين العظميين تخسر خزينها بسبب هبوط اليورو وربما سيتبع هذا الهبوط في سعر اليورو مجموعة هزات اقتصادية تشمل عملات واقتصاديات روسيا والصين ودول حليفة لهما في المستقبل القريب جزاءا لحرشتها واعتداءها على الدولار ، هكذا يلعب الكبار .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here