بلغة الأرقام : اقتصادنا يعيش تناقض ملحوظ

باسل عباس خضير

يعيش اقتصادنا المحلي بحالات من التناقض والتراجع والارتباك وذلك ليس بخفي بل يلمسه المواطنون بشكل جلي والأدلة على ذلك تنشر علنا للجميع ، وقد أشار تقرير نشرته ( مؤسسة عراق المستقبل ) إلى ارتفاع مستوى التضخم للسلع والخدمات بمقدار 12.3% لشهر تموز من السنة الحالية مقارنة مع نفس الشهر من عام 2019 وتعد النسبة الأكثر من حيث التضخم منذ 10 سنوات ، وتحتل أسعار الخدمات الصحية والطبية في القطاع الأهلي الأعلى تضخما إذ ارتفعت بمقدار 27.8% مما يشير لمعاناة يتحملها الناس جراء نقص وغلاء هذا النوع المهم من الخدمات ، وبحسب بيانات وزارة التخطيط فان عدد العراقيين ممن يعيشون ( تحت ) مستوى خط الفقر بلغ 9 مليون وهو رقم معرض للزيادة كنتيجة لارتفاع الأسعار ونسب تضخمها التي تزيد الحال فقرا وتحول البعض من الخط الفقر وفوقه إلى تحته ليشكلوا نسبة مهمة من السكان لبلد يقال عنه انه من بلدان الأغنياء ، فالزيادة بأسعار السلع والخدمات لكل فقرات الحياة وبضمنها الغذاء والصحة والإيجار وغيرها تزيد الأمور تعقيدا في ظل نمو البطالة لتعثر كثير من المشاريع وحجب التعيينات إلا لبعض الفئات ، ومن المتناقضات بهذا الموضوع حصول ازدياد بالفقر رغم التصاعد في إيرادات البلد من النفط التي بلغت 9 مليارات و784 مليون دولار لشهر آب وأكثر من 10 مليارات لشهر تموز الماضيين ، ومن الأمور التي تثير التساؤل ما يتعلق بمبررات تصاعد مبيعات الدولار بالتزامن مع ازدياد الفقر ، فالمفروض أن ينخفض الاستيراد لضعف القدرات الشرائية التي تؤدي لانخفاض الطلب لدى غالبية الناس ، ولكن مبيعات البنك المركزي العراقي من الدولار تسجل طفرات فقد بلغت ٣٤ مليار دولار خلال١٥٤ يوم عمل بمزاد العملة وبالتحديد منذ بداية ٢٠٢٢ لغاية ا أيلول ٢٠٢٢ ، أي بمعدل مبيعات لا يقل عن ٢٢٠ مليون دولار كل يوم ، وهي معدلات لم يبلغها المزاد منذ تأسيسه للمرة الأولى بعد 2003 وحجة البنك المركزي انه يغطي احتياجات وزارة المالية من الدينار لتغطية النفقات ، وما يضيف للأمر غرابة لتلك الأرقام ما تشهده مكاتب ودكاكين الصيرفة من ارتفاع بأسعار الدولار رغم إن جزءا من مبيعات الدولار تخصص للمصارف والشركات لسد طلب الأفراد ، فالسعر السائد حاليا يبلغ 1490 دينار للدولار بدلا من 1470 ( سعره الرسمي ) رغم الجمود والشلل في حركة الأسواق بيعا وشراء وإنتاج ، وما يثير الانتباه أيضا ما يتعلق بمصير الكتلة النقدية العراقية فالبيانات الرسمية تقول إن حجم العملة النقدية المصدرة بحدود ٨٢ تريليون دينار لكن حجم النقد الموجود لدى البنوك العراقية لا يزيد عن ٧ تريليون دينار أي إن ٧٥ تريليون هي خارج المنظومة المصرفية والتي يصعب متابعتها ومعرفة مصيرها ، الأمر الذي يؤشر ضعف القطاع المصرفي وانخفاض مساهمته بالناتج المحلي ، وحسب رسالة وزير المالية المستقيل فان 7 مليارات دولار فقط من الاستيرادات خضعت للرسوم الكمركية من أصل 37 مليار دولار قام ببيعها البنك المركزي خصصت للاستيراد لذا يتم السؤال عن مصير ال30 مليار هل هربت أم دخلت من منافذ لا تخضع للإشراف الرسمي ، وفي ذات السياق تتساءل النائبة حنان الفتلاوي هل تخضع مبيعات الدولار لرقابة ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة في ظل تزايد مبيعات الدولار التي بلغت 5,549 مليار دولار في شهر آب الماضي ، وأمام العديد من الأسئلة والاستفهام تعجز التفسيرات فالحكومة واجباتها تصريف الأعمال والرواتب باقية على حالها منذ 2008 ورواتب المتقاعدين ثابتة منذ 2014 والنفقات الأخرى لم تزداد كون الحكومة مقيدة الصرف وحدها الأقصى يجب أن لا يتجاوز المصروفات الفعلية لعام 2021 وبمعدل لا يزيد عن 1\12 كل شهر لتغييب وغياب موازنة 2022 ، آخذين بالاعتبار إن الأمور تعقدت أكثر بعد تغيير سعر صرف الدولار وأغلب الأمور انحدرت او بقيت على حالها ولم تزداد كما او نوعا بما جعل اقتصادنا بحالة انكماش ، فالخدمات والاستثمار تخضع للتقشف والترقيع لان حكومتنا لتصريف الأعمال ومحدودية الصلاحيات ، وبموجب الورقة البيضاء كان من المفروض حصول انخفاض بمبيعات الدولار وليس العكس كونها واحدة من أهداف تلك الورقة التي نادت بالمحافظة على الدولار وتحويله للاستثمار ، والمنافذ الحدودية يفترض أن تكون أكثر إحكاما بعد تغيير جهة ارتباطها وما شهدته من رقابة واهتمام بهدف القضاء على الفساد والإصلاح كلمة تصدح في كل مكان لتحويلها من شعار لأفعال ، ودون الحاجة لذكر مزيدا من الأمثلة والتفاصيل فالخلاصة واضحة للعيان وهي إن اقتصادنا يعيش حالات من التناقض مقرونا بالتراجع في النمو لأغلب الفقرات عدا تصدير النفط ، وتلك ليست فرية او حديثا عبثيا يتناوله الشعب ليلا ونهار وإنما حقائق مثبتة بوثائق وأرقام .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here