أحباب و عشاق الرموز

بقلم ( كامل سلمان )

انا أحب لاعب كرة القدم فلان الفلاني لإن أداءه في الملعب يمتعني وانا احب الفنان الفلاني لإن أداءه الفني يدخل السرور في قلبي وانا احب المهندس الفلاني لإن اسلوبه الهندسي يبهرني ، إذا حبي لكل هؤلاء الأشخاص بالحقيقة مرتبط بأداءهم وليس بهم شخصيا ، وإذا ساء أداءهم ضعف حبي لهم ، وهذا لا يعني في كل الاحوال هناك حب لشخص لذات الشخص ( إذا لم تكن تربطني به علاقة عن قرب ) . فهنا انا لا أتحدث عن الحبيب او القرين او الصديق او حتى القريب ، لإن الحب في هذه الحالة يكون ارتباطي من نوع أخر أما إرتباط عاطفي أو صلة رحم ودم …إنما انا اتحدث عن أناس لهم وقع في حياتي بسبب ما قدموه من عطاء يذكر ، فالحب والارتباط بهم هو في الحقيقة حب لما خدموا به المجال الذي عملوا فيه وابدعوا في عملهم وتركوا بصمة لهم في هذا المجال ، وغير ذلك يعتبر انحراف عاطفي غير مبرر . سواء أكان هذا المجال علمي او رياضي او روحي ديني او سياسي او اي مجال له مساس بحياتي ..
العواطف التي تتولد تجاه الرموز الدينية او الرموز السياسية او الفنية او الرياضية هي بالاساس مرتبطة بنوعية الاداء الذي يقدمونه ، وليس من الصحيح ان تكون هناك عواطف لذات الاشخاص دون ان تربطني بهم رابطة ودون ان يكون لهم عطاء خارق فوق الطبيعة وهذا مالا يمكن حدوثه في تركيبة البشر ، وإذا حدث فهذا شذوذ عقلي وانحراف عاطفي ، واما من يقول رابطة العقيدة كفيلة بهذه العواطف فسأقول له في نفس العقيدة هناك من لا نودهم بل ونلعنهم .
ظاهرة عشق الرموز ظاهرة غير صحية ، لها دوافع مرضية في شكل المعتقد وتركيبة المعتقد والبناء النفسي والعقلي للإنسان ، ويصل هذا العشق في بعض الاحيان الى التضحية في سبيل ذلك الرمز او القائد الحي او الميت ، هذا ما نعاني منه في مجتمعاتنا بحيث انك لو مجرد اسأت أساءت بسيطة او ذكرت ذلك الرمز بدون مديح فقد وضعت نفسك في دائرة الشبهات واستحق عليك العقاب او الفناء ، ومن يجد نفسه ناقدا لهؤلاء عليه ان يبحث عن ملاذ آمن قبل ان يتفوه بكلمة تنتقص من مقام هؤلاء الرموز ، والمشكلة ان عاشق الرمز يكون بنفس الوقت كاره وحاقد لنقيض ذلك الرمز ودائما ما نجد النقيض للرمز المحبوب يعيش في زمانه ، فلكل رمز نقيضه ، يختلف عنه في مؤهلاته ولكنه مهما كان فهو منبوذ من قبل عشاق الرمز ، بينما عند الناس اصحاب الوعي الذين لا يعشقون الرموز ولا يبالون بهم فأنهم كذلك لا يكرهون النقيض بل لا يدخلون العواطف بهذه الامور وان الرمز بالنسبة لهم قد يكون في موضع الاعجاب ولا يصل الى مرحلة ومستوى الرمزية ولهم نظرة موضوعية خالية من اي تعصب .
معظم الرموز نحن لا نراها ولا نسمع منها ، قد تكون ميتة او لازالت على قيد الحياة ولكن رغم ذلك نقدسها بناءا على بعض المعطيات او بناءا على ما هو متداول بين الناس بضرورة اعطاء القدسية لهذا او ذاك الرمز دون ان تكون هناك اسباب عقلية مقنعة ، مجرد تقليد اجتماعي تقف وراءه جهات مؤثرة ، ألم تظهر ديانة في الارجنتين تقدس لاعب كرة القدم الراحل ماردونا ؟، الم يتم تقديس الحيوانات في الهند ؟ الم يقدس العشاق معشوقيهم ألم يقدس بعض الناس فنانين على الشاشة ، الم تخضع معظم هذه القدسيات للمزايدات العنصرية ومبادىء للتحزب والالوهية ، ثم يأتيك من هؤلاء من يتحدث عن دور العقل في الحياة ، بل ان هؤلاء الناس الاكثر كلاما عن دور وأهمية العقل في السلوك الإنساني . فماذا ابقيتم من العقل ياسادة يا كرام ؟ اي عقل هذا الذي تتحدثون عنه ، هذه القدسية للرمز اصبحت اليوم مشكلة كبيرة لإن من يعشق الرمز يريد فرض ذلك على باقي افراد المجتمع حتى وان اختلفوا معه في المعتقد وهو لا يتردد في اعلان العداء لمن يخالفه ، اما اذا كانت السلطة تحت يد ذلك العاشق للرمز فالقضية صارت قضية دستورية ، يعني المخالف لتوجهات العاشق والمحب يحاسب بمواد دستورية قد توصله للاعدام ، هذا هو حال مجتمعاتنا ، ديمقراطية مهجنة .
المجتمعات الشرقية بشكل عام هي مجتمعات الرموز ، في كل شيء عندنا فيه رموز وهذه الرموز مقدسة وكلمة مقدسة يعني خط أحمر لمن يتجاوزها ، يعني الويل لمن يعاديها بالسر او العلن ، يعني وجودك داخل المجتمع هو بالحقيقة داخل حقل الغام ينفجر عليك لغم بأية لحظة . فإن كنت من اصحاب التفكير العلمي والثقافة المنفتحة فلا عيشة لك عندنا وأرض الله واسعة او تعيش بيننا على مضض تقلدنا وتسايسنا وتعمل بما نعمل او على الاقل تعلن رضاك وتشاركنا طقوسنا القدسية او تكون منافقا تظهر لنا ما نريد وتخفي ما تريد . عندنا رموز قومية مقدسة ورموز دينية ومذهبية وفقهية مقدسة وعشائرية ورياضية وادبية وفنية وحتى رموز في الخمر و اللواطة والنكات وكلها مقدسة وخط احمر ، فنحن واحة ومعرض دائم للرموز ولن نستطيع التخلي عن الرموز ولو للحظة واحدة فهم سر بقاءنا وسيكونون سر زوالنا !!! .
هذه العواطف الجياشة كان المفروض ان تكون مصدر راحة و أمان ومودة وتعاون وألفة لنا كما هي للإنسان الطبيعي ، للأسف اصبحت تماما بالعكس من ذلك فقد اصبحت مصدر قلق وخوف واستعباد وذلة لنا ، فتحولت عندنا العواطف الى إدمان ، إدمان لكل شيء سيء منحرف عن الخط المستقيم للحياة ، إدمان أنهى دور العقل ووجوده ، واصبحت عيوننا التي من المفروض استخدامها للنظر والتشخيص وللقراءة والمعرفة ، أصبحت للدموع فقط بسبب هذه العواطف التي كسرت ظهور اجيالنا وابعدتهم عن النظر الى الحياة بتأمل .
فلا عتب ولا لوم على سكان الجاهلية الاولى عندما وضعوا قدسيتهم في تماثيل هم صنعوها بأيديهم ، فقد جاء دور الجيل الذي يفعل الاسوأ بلا ذرة احساس ولا ذرة عقل ….
الحاجة الى الرمز هي ثقافة جاهلية متخلفة ولكنها عادت بقوة الى عقول الناس واستحوذت عليها وأخذت تتحكم بهذه العقول وتؤدي ادوار قذرة في مجتمعات هي اقرب الى الموت ، هذه المجتمعات والافكار التي تقودها ليس عندها شيء جديد تقدمه للبشرية سوى التمجيد والتأليه للرمز وتكرار ذلك في مسامع الناس المغلوب على امرهم . فهل هذا قدرنا ان نكون جزء من القطيع المدمر لنفسه ! .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here