الديمقراطية في يومها العالمي أين بلادنا منها؟

محمد عبد الرحمن

اعتمدت الأمم المتحدة قبل 15 سنة يوم 15 أيلول من كل عام يوما دوليا للديمقراطية، تشجيعا على تعزيزها وعلى تقويم حالها في بلاد العالم المختلفة.
واستندت المنظمة العالمية في تبنيها اليوم المذكور الى العديد من المواثيق والعهود، منها الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي اعتمدته جمعيتها العامة سنة 1948، واسهم كثيرا في تحويل كلمة “الديمقراطية” الى قيمة عالمية أساسية وثمينة، كما كان ملهما عند وضع دساتير مختلف الدول.
وحددت الأمم المتحدة العديد من المعايير والاسس للديمقراطية المرجو تشييدها في دول العالم، وكان المنطلق الأساس حسب ميثاق المنظمة العالمية هو عبارة “نحن الشعوب”. كذلك النص الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الانسان: “إرادةُ الشعوب أساسٌ لسلطة الحكومات”.
فالوثائق المعتمدة للمنظمة تربط وثيقا بين الديمقراطية وحقوق الانسان مثلما وردت في المدونة العالمية، كذلك بقضية التنمية المستدامة وبحرية التعبير وفي المقدمة حرية الصحافة، والحيز المتاح للمجتمع المدني ومدى قوة هذا المجتمع وحرية عمله، اضافة الى متانة وقوة المؤسسات الوطنية مثل البرلمانات ولجان الانتخابات والنظام القضائي وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات، التي يتوجب ان تكون “انتخابات نزيهة دورية تجري على أسس الاقتراع السري والمساواة بين الجميع”. فضلا عن غيرها من المعايير التي اختبرتها شعوب العالم في تجربتها الطويلة والمضنية، وصولا الى ديمقراطية حقة.
من جانبه أشر الدستور العراقي النافذ العديد من المباديء والحقوق السلمية، المنسجمة مع المعايير الدولية. لكن التباين واضح بين روح الدستور وبين تأويل مواده، وتكمن المفارقة الأكبر عند تطبيقها عمليا، حيث حوّلها المتنفذون الى أعراف واتفاقات بين كتل سياسية متصارعة على السلطة والمواقع والنفوذ.
فعلى سبيل المثال لا الحصر اختزلت قضية الديمقراطية الى عملية انتخابات تكرس واقعا مزريا ومأساويا، وتعمق الأخاديد بين أبناء الشعب تحت عناوين الطائفية والقومية والمذهبية، مع تجاهل مبدأ المواطنة. فيما استُبعد كثيرا وربما كليا، الجانب المهم الآخر من الديمقراطية، ونعني به بعدها الاقتصادي والاجتماعي. فعن اية ديمقراطية يمكن الحديث والناس تتضور جوعا وتعاني الفقر والمرض وبؤس الخدمات او انعدامها؟
في اليوم العالمي للديمقراطية تبرز قضية أخرى متعلقة بالتجربة العراقية الحالية، وذات صلة بمدى قدرة مؤسسات الدولة على القيام بواجباتها، وبالامكانية الفعلية لإنفاذها القانون وتطبيقه على الجميع، وقيام الأجهزة والمؤسسات بواجباتها من دون تقاطعات.
وهناك سؤال آخر ملح يتعلق بمدى توفر حرية التعبير، التي اشارت اليها مواد عدة في الدستور، والقدرة على التمتع بهذا الحق الدستوري؟ فالواقع يقول ان بلدنا يشهد قضما متزايدا لهذا الحق، واتساعا لقلق المواطن على أمنه وسلامته. والغريب ان تُبتكَر عناوين وتسميات لغمط هذا الحق، مثل “مخالفة الآداب العامة” و”الأفكار المنحرفة” وغير ذلك.
ولابد من الإشارة في يوم الديمقراطية العالمي، الى انه لا ديمقراطية حقيقية وممارسة فعلية لها، مع وجود الفساد المستشري والسلاح المنفلت، ومع حلول العنف محل الصراع والتنافس السياسيين السلميين على البرامج والمشاريع لخدمة المواطن والوطن ولخيرهما.
وخلاصة الامر ان ديمقراطية عرجاء مثقلة بالمحاصصة ونهجها الفاشل، لا يمكن ان تقود الى استقرار وامان، ولن تحقق تنمية وعيشا رغيدا وكريما للمواطنين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الاحد 18/ 9/ 2022

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here