البالات هدر للدولارات

باسل عباس خضير

( اللنكة ) ، كلمة مكروهة وكنا نتمنى قدوم اليوم الذي نتخلص من محتوياتها لأنها لا تليق بشعب له حضارة وثروات ، وقد تم تداول هذه الكلمة منذ القرن الماضي وتشير إلى تجارة الملابس القديمة التي يتم استيرادها ب ( بالات ) ، وتخصص لها أسواق مثل الشورجة وباب الشرقي والعلاوي والميدان والعديد من مدن المحافظات لترويجها وبيعها رغم ما تحمله من ( إهانة ) وأخطار ، فهي من الملابس القديمة والمستعملة والتي يتم استيرادها من مختلف البلدان ، و أحيانا يقوم المستورد بتجزئتها وبيعها على بائعين متخصصين ليقوموا بعزلها وتصنيفها وأحيانا كيها وإجراء بعض التصليحات عليها لعرضها بهدف تسويقها لمحدودي الدخل الذين ليست لديهم القدرة على شراء الجديد او الذين لديهم الرغبة لمواكبة موديلات الغرب ، و تنشط تجارة اللنكة في كل الأيام ولكنها تبلغ ذروتها قبل الأعياد ودوام الطلبة في المدارس والكليات او عند حضور مناسبات الأفراح ، ومن مساوئها المعنوية إنها تعني إننا نستخدم فضلات العالم وكأننا بدرجة أدنى ، أما أخطارها الصحية فان استيرادها يتم من مناشيء قد تنقل إلينا الآفات والحشرات فاغلبها مستعمل شخصيا او من محلات التأجير مما قد يجعلها وسطا ناقلا للأمراض .
ورغم إن الأحوال المادية تحسنت لشرائح من المجتمع بعد 2003 بزيادة الرواتب والامتيازات بفضل الزيادة في إيرادات بيع النفط من الكميات والأسعار بسبب الرفع الجزئي للحصار وتقليص نفقات الحروب ، إلا إن ( حليمة رجعت لعادتها القديمة ) من خلال لجوء بعض الموردين بنقل فضلات العالم من السيارات القديمة والمستخدمة ، إذ فتحت أبواب الاستيراد دون قيد او شرط فامتلأت الشوارع بسيارات المنفيست دون تخطيط مسبق بذريعة تعويض الحرمان ، وبعد أن تم وضع ضوابط لاستيراد هذا النوع حسب سنوات الصنع ابتدعوا لنا إدخال الوارد الأمريكي وغيره الذي يعني نقل زبالة العالم للعراق ، فسيارات الوارد غير مسموح باستخدامها من اغلب البلدان لما تحتويه من عيوب في السلامة والتشغيل والأمان ، وامتد الموضوع ليشمل استيراد الدراجات والتك تك وغيرها ثم انتقلت العدوى لاستيراد كل الاغرض تحت عنوان البالات ومنها الأجهزة والمعدات والأثاث والألبسة والمفروشات وكل ما يخص أمور الحياة ، واغلب ما يستورد يسمونه ( فحم ) فبعضه غير صالح للاستعمال ولهذا يتم تحويل مزيدا من الدولارات لاستيراد أدواته الناقصة وقد يكون مصيرها السكراب ، والحجة في ذلك الاستيراد هو توفير احتياجات منخفضي الدخل وممن ليست لديهم قدرات لشراء الجديد رغم إن سلع البالات أعلى أحيانا من سعر الجديد بما يشكل مبالغة في كسب ( الأرباح ) فاستيرادها يتم بالأوزان او الإحجام وبأسعار منخفضة تقل كثيرا جدا عن أسعار البيع وفي ذلك استغلال للمحتاجين ، ويتم ذلك رغم ما يستورده البلد من السلع مختلفة الاستعمالات والأغراض التي تملأ الأسواق والتي غالبا ما يكون عرضها أكثر من الطلب بكثير ، واليوم تنتشر تجارة البالات بشكل واسع في عموم البلاد وأصبحت تروج بوسائل التواصل الاجتماعي وهي تمثل خسارة حقيقية لاقتصاد العراق ، فأثمانها تدفع بالدولارات وهي خالية من ضمان التشغيل وخدمات ما بعد البيع وبعضها مستعمل او من الموديلات القديمة او المسترجعة من الأسواق في دول الاستيراد ، وسر البعض في الإقبال على شرائها ادعاء مروجيها إن مناشئها أوروبية وأمريكية وليست من السلع الصينية التي تفتقر للجودة وان حملت مختلف العلامات ، ويدل انتشار هذه التجارة عن خلل وهدرا للعملات الصعبة وفي إحكام متطلبات الجودة والفوضى في الاستيراد وهذا يحدث أضرارا بميزان المدفوعات ويلحق الضرر بالمنتج المحلي من حيث الدافع والقدرة على المنافسة وتغطية التكاليف ، مما يتطلب ضبط ما يخصص للاستيراد والعودة لسلطة التقييس والسيطرة النوعية بما يضمن عدم إهدار ثروات البلاد من الدولار لشراء نفايات العالم تحت مسمى البالات .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here