قصص مأساوية من قارب الموت اللبناني.. عائلات بأطفالها هربت إلى حتفها

تم انتشال أكثر من 80 جثة بعد غرق قارب المهاجرين

“باع منزله وأرضه، من أجل حجز مقعد له ولعائلته على قارب ينقلهم إلى أرض الأحلام، لكن بدلا من ذلك استفاق على كابوس سيرافقه طوال العمر، بعدما خسر زوجته وأولاده الأربعة في البحر”.. هي قصة وسام التلاوي أحد ركاب القارب الذي غرق قبالة السواحل السورية يوم أمس.

قصة وسام مشابهة لقصص عدد كبير من الأشخاص كانوا على متن القارب، منهم مصطفى مستو، الذي حاول كثيرا الوصول إلى أوروبا، “واجه الغرق وعائلته سابقا، حينها منحه البحر فرصا للنجاة، لكن في الأمس قضى عليه وعلى أولاده الثلاثة، تاركا زوجته في العناية الفائقة وحيدة من دون عائلة”، بحسب ما أكده خاله مانع لموقع “الحرة”.

ارتفعت حصيلة ضحايا كارثة غرق القارب الذي يقل مهاجرين غير شرعيين قبالة السواحل السورية إلى 81 قتيلا، وفق ما أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

وكان وزير الصحة السوري حسن الغباش أعلن في وقت سابق، الجمعة، في بيان أنه “في حصيلة غير نهائية بلغ عدد ضحايا غرق المركب 73 شخصا، بينما الذين يتلقون العلاج في مشفى الباسل في طرطوس 20 شخصا”.

كما أكد المرصد السوري في وقت سابق أن “فرق الإنقاذ تواصل عمليات البحث عن مفقودين من مركب الموت في عرض البحر وقد عثرت على مزيد من الجثث”، لافتا إلى أن “طائرة مروحية تابعة للنظام السوري ومزودة بكشافات ضوئية بدأت البحث عن المفقودين بعد 6 ساعات من غرق المركب، الخميس”.

“الفرار إلى الموت”

دفعت الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، مصطفى مستو إلى عمل كل ما في وسعه من أجل تأمين مستقبل أفضل لعائلته ويقول خاله “كان يعمل سائق سيارة أجرة، باع مركبته من أجل دفع ثمن رحلة سابقة، إلا أنه لم يوفق حينها، ومن ثم باع ذهب والدته واستدان باقي المبلغ من أقاربه وأصدقائه ودفعه للمهرب، حاولنا كثيرا إقناعه بالعدول عن مخططه، عندها طلب استرداد ماله، إلا أن المهرب رفض ذلك”.

وفقا لمصادر المرصد “فقد انطلق الزورق صباح الثلاثاء 20 سبتمبر، من ميناء المنية في طرابلس شمال لبنان، وعلى متنه ما بين 120 – 150 شخصا من لبنانيين وسوريين ومن جنسيات أخرى كانوا في طريقهم باتجاه دول الاتحاد الأوروبي، لكنه غرق قرب جزيرة أرواد السورية”.

مصطفى مستو وأفراد عائلته

بعدما عجز مصطفى عن استرداد أمواله، وجد نفسه كما يقول خاله “مجبرا على المضي قدما في الرحلة التي سبق أن سعى لها كثيرا، انطلق مع أولاده وزوجته ووالدها، وإذ بالموت يتربص به وبأولاده الثلاثة في عرض البحر، لنفجع بخسارتهم، فبدلا من أن يصلوا إلى وجهتهم، ها نحن ننتظر وصول جثامينهم لنواريهم الثرى”.

كما فقدت عائلة التلاوي، المتحدرة من بلدة القرقف، خمسة أفراد دفعة واحدة، “تم دفن مي وشقيقتها مايا اليوم، بعدما نقل جدهما جثمانهما ليل أمس من مستشفى الأسد في سوريا، لتبقى الوالدة سلمى والشقيقان عمار ومحمود في عداد المفقودين، في حين يتلقى وسام العلاج في مستشفى الباسل في طرطوس”، بحسب ما يؤكد رئيس بلدية القرقف يحيى الرفاعي لموقع “الحرة”.

“هو الفرار من الموت إلى الموت” كما يصفه الرفاعي لافتا إلى أنه “منذ أربعة أشهر وأنا أضع لوسام المعوقات كي لا يخطو هذه الخطوة، طلبت منه في حال إصراره على الأمر، أن يسافر وحده من دون عائلته، رافضا إقدامه على أي مغامرة غير محسوبة برفقتهم، إلا أني لم أره منذ شهر، وأظن أنه فعل ذلك بالسر عني وعن أقاربه”.

لا أحد يمكنه أن ينكر أن الأزمة المعيشية خانقة في لبنان، إلا أن ذلك لا يبرر كما يقول الرفاعي “رمي الشخص بنفسه وعائلته إلى الموت، لا سيما في ظل الجو العاصف، من هنا أشدد على ضرورة الوعي بالمخاطر وتحكيم العقل، وجميعنا يعلم ما مر به لبنان من ظروف صعبة وربما أصعب مما نمر به الآن، وكانت مرحلة وانتهت”.

تجّار الأزمات

تتصدر قوارب الهجرة غير الشرعية الأخبار في لبنان في الآونة الأخيرة، سواء من خلال البيانات التي تصدرها السلطات اللبنانية أو من خلال تداول صور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لمهاجرين خلال رحلة إبحارهم، منهم من وصلوا إلى وجهتهم، ومنهم من غادروا المياه الإقليمية وواجهوا صعوبات حالت دون تمكنهم من الوصول إلى الشواطئ الأوروبية، ومنهم من لم يتمكن حتى من مغادرة المياه الإقليمية بعد توقيف الجيش اللبناني لمركبهم.

يعمل وسام في شركة تنظيفات في طرابلس، وضعه المادي كما يقول الرفاعي “مستور، ففي ظل هذه الأزمة الاقتصادية من كان وضعه جيدا ساء جدا، ومع ذلك من يعيش في القرى وضعه يختلف عمن يعيش في المدن، فلا زال هناك لحمة بين أبناء البلدة الواحدة، يقفون إلى جانب بعضهما البعض”.

أطفال وسام التلاوي

أوقفت مخابرات الجيش كما يشير الرفاعي “المهرب الذي اشترى منزل التلاوي، وهو من بلدة ببنين العكارية”، مشددا على أنه “نظم المهرب ما بين خمسة إلى ست رحلات في البحر”، من جانبه أشار رئيس بلدية ببنين زاهر الكسار أن “الموقوف يبلغ من العمر 35 سنة، كان يعمل صيادا في البحر”، مشددا أن “المهربين منتشرون وهم من مناطق لبنانية مختلفة”.

من يجب أن نلومه على ما وصل إليه اللبنانيون ليس فقط المهربين كما يقول المختار “بل كذلك الدولة التي أوصلت المواطنين إلى هذه الحال، فكل لبنان يريد الهجرة في ظل الأوضاع الصعبة التي يعاني منها البلد منذ ثلاث سنوات، من دون أن أي بارقة أمل للخروج من هذا النفق المظلم”.

وكان وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني، علي حمية، قال إنه بعد الاتصال مع الصليب الأحمر اللبناني، بدأت الجهات المعنية فيه بالتنسيق حاليا مع الهلال الأحمر السوري، ليتم الاتفاق على آلية لنقل جثامين الضحايا إلى الأراضي اللبنانية.

وأعلنت السلطات اللبنانية في الأسبوعين الماضيين إحباط عدة محاولات هجرة عبر البحر، بعدما أصبحت “قوارب الموت” الأمل الوحيد للنجاة في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية مأساوية، لتتواصل معاناة المهاجرين غير الشرعيين.

وأعلنت قيادة خفر السواحل التركية قبل عدة أيام العثور على ست جثث لمهاجرين غير نظاميين (رضيعان، امرأة، ثلاثة أطفال) قضوا جراء غرق قاربهم في بحر إيجه، فيما تمكنت من إنقاذ 73 مهاجرا كانوا ضمن المجموعة على متن أربع طوافات نجاة.

يعتقد المهاجرون كما يقول الرفاعي إن “أبواب الجنة ستفتح لهم في أوروبا، والأمر معاكس لذلك تماما، فمن وصل إلى هناك يجري اذلاله بكل ما للكلمة من معنى” مطالبا كل من يريد الوصول إلى إحدى الدول الأوروبية أن يقوم بذلك من خلال السفر بالطرق شرعية، “بدلا من أن يسمح لتجار الأزمات باستغلاله”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here