دولة سومر، اقدم حضارة على وجه الارض ! ؛ 7

دولة سومر، اقدم حضارة على وجه الارض ! ؛ 7 (*) د. رضا العطار

سياسة !

لم يكن الحجم والمكان وحدهما كافيا لدى العراقي القديم لفهم خواص ووظيفة كل قوة من قوى الكون. فقد كان البابلي يتصور الخواص والوظيفة بمجابهته المباشرة للظواهر عندما ( تكشف ) عن نفسها وتؤثر فيه تأثيرا عميقا. ففي بعض الأحيان عندما يكون الانسان في حالة ذهنية فائقة الحساسية، قد تكشف السماء عن نفسها في تجربة تكاد تكون رهيبة.

فقد يحس الانسان عندما يرى رفعة السماء، الهائلة الاتساع تحيط به من كل صوب بأنها تفعل في نفسه وتستثير خوفه وتجعله يخر على ركبتيه ساجدا بمجرد وجودها حوله. وهذا الانسان الذي توحي اليه السماء احساس محدد يمكن تسميته انه الاحساس الذي يوحي به الجلال. ان فيه تجربة العظمة والهول مما يجعل الانسان يدرك ادراكا حادا ضعف شأنه، وبعده الشديد عن هذا الذي لا جسر ثمة يوصله به. وقد اجاد سكان ارض الرافدين التعبير عن ذلك بقولهم : ( إله مهيب، كالسماوات النائية، واليمّ العريض )

ولئن يكن هذا شعورا بالبعد، الآ انه ليس شعورا بالأنفصال. ففيه عنصر قوي من التعاطف والقبول التام.

وتجربة الجلال، هي تجربة القوة والهول، ولكنها قوة مستقرة هادئة غير فارضة ارادتها عن وعي وقصد. فالقوة خلف الجلال هي من الشدة بحيث لا تحتاج الى فرض نفسها. فهي تحوز على ولاء الانسان بمجرد وجودها دونما جهد. ويطيعها المشاهد تلقائيا. عن طريق الامر القاطع الصاعد من اعماق روحه.

هذا الجلال وهذه السلطة المطلقة اللذين توحي بهما السماء كان العراقيون القدماء يطلقون عليهما اسم – آنو- . شخصية السماء الطاغية . بينما كان ( انت ) يقابل الانسان عند مجابهته السماء. وحيثما وجد الانسان جلالا وسلطانا، ادرك انهما من قوة السماء. اي من آنو. وكان الانسان يرى الجلال والسلطان في اماكن عديدة. فالسلطة وهي القوة التي تستحصل القبول والطاعة التلقائية، عنصر اساسي في كل مجتمع بشري منظم. فلولا الطاعة للعرف والقوانين ولذوي السلطة، لتفكك المجتمع واعترته الفوضى.

وهكذا كان البابلي يرى في الاشخاص الذين تتمثل فيهم السلطة كالأب في العائلة والحاكم في الدولة، شيئا من آنو وجوهره . ولما كان آنو أبا الالهة فهو النموذج الامثل لكل الأباء. ولما كان ايضا ( الملك والحاكم والأقدم ) فهو النموذج الأول لكل الحكام

. والشارات التي ترمز الى جوهر الملك كالصولجان والتاج ورباط الرأس الراعي، هي اشاراته ولا تُستمد الاّ منه

وما المجتمع البشري لدى العراقي القديم الاّ جزء من مجتمع الكون الاكبر. ولما لم يكن الكون العراقي يتألف من جماد لأن كل حجر وكل شجرة وكل شئ فيه هو كائن ذو ارادة وخواص ذاتية. كان الكون نفسه مبنيا على السلطة ايضا وكان اعضاؤه يصيخون طائعين الى الاوامر التي تجعلهم يفعلون. هذه الاوامر ندعوها نحن قوانين الطبيعة وهكذا كان الكون بأجمعه يبدي اثر الجوهر الخاص بآنو.

ففي قصة الخليقة البابلية عندما يمنح الاله مردوك سلطة مطلقة تلتزم به قوى الدنيا وما فيها مشيئته ويتحقق كل ما يأمر به في الحال، فقد تغدو اوامره من جوهر آنو، الذي تهتف بقية الالهة بأسمه.وما قلناه هنا عن آنو، قاله اهل مابين النهرين انفسهم. ففي اسطورة ( الصعود ) يخاطب كبار الآلهة آنو بقولهم :

ما تأمر به يتحقق ! — يا آنو كلمتك هي العليا — من يستطيع ان يقول لها كلا — فأمرك أساس الأرض والسماء — يا صاحب الصولجان والخاتم — يا رب التاج المجيد يا مدهشا — يا غالب الزوابع العاتية بجلالك وابهتك — الفاظ فمك المقدس، يصغي اليها اهل الأرض — والعصبة تسير امامك خائفة — كالقصب في مهب الريح، تنحني لأوامرك الآلهة.

الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

* مقتبس من كتاب الواح طينية، السومريون لصموئيل كريمر جامعة شيكاغو 1963

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here