أطروحة عن الزمن

محمد كريم إبراهيم – كاتب ومحلل عراقي

ظهرت هناك العديد من الشروحات للزمن على مر العصور وذلك لأنه موضوع جذاب جدا للبشر لدرجة اعتبره بعض الحضارات وكبار العلماء مثل نيوتن كجزيئة مطلقة لوحده مثل جزيئات الماء. لقد تقدمنا كثيرًا في مفهومنا للزمن في الوقت المعاصر لكن تلك المفاهيم تبدو خاطئة بالنسبة لي، أحاول بقدر الإمكان أن أشرح الزمن من منظور آخر مُغاير عما هو موجود في كتب الفيزياء مع مقارنته بها، بدءًا بالتعريف الذي يعرفه قاموس أكسفورد على أن الزمن عبارة عن تسلسل مستمر للأحداث التي تحدث في تتابع لا رجعة فيه.
في النظرة الأولى أقول إنه لا بأس بهذا التعريف حيث أنه يعطي خاصيتين للزمن: الأول هو تسلسل الزمن أي أن الزمن يتحرك من الماضي الى الحاضر الى المستقبل، كذلك بمعنى أن تغيير تسلسل الزمن غير ممكن لكل الانظمة مثل قرينه المكان (يمكننا تغيير قطعة من المكان بقطعة من مكان آخر لكن لا نستطيع تغيير قطع الزمان بقطعة أخرى من الزمن، مثلاً، لا يمكننا تغيير تسلسل احداث تكوين الانسان بحيث نجعله يولد بالغًا ثم يتحول الى جنين ثم الى عجوز)، والخاصية الثانية هي عدم رجوع الزمن الى الوراء.
بنظري أن هاتان الخاصيتان هما الشيئان الوحيدان الجيدان في التعريف، اما غير ذلك فهو غير مفيد. لماذا؟ لو حللنا التعريف بدقة أكثر، ننظر بأنه يأخذ الزمن كنسيج موحد عام مُطبق على كل الأنظمة بمستوً واحد في الكون اجمعه، هنا اختلف بالقول إن كل نظام له زمنه الخاص وينقسم الزمن الى أجزاء وأنواع حسب تنوع الأنظمة (فإذا أردنا أن نسرع أو نبطئ زمن أحد الأنظمة في الكون لا نحتاج أن نسرع او نبطئ زمن الكون بأكمله وانما فقط النظام). يبرز هذا المفهوم أيضًا عند البعض عندما يظنون بأن انتروبيا جميع الأنظمة في الكون هو في ازدياد متناسق ومتناغم دون الرجوع الى الوراء إلا أن في الحقيقة هناك بعض من الأنظمة تقل انتروبيتها على حساب ازدياد انتروبيا نظام اخر (بمعنى أن انتروبيا الكون منقسم الى أجزاء حسب انقسام الأنظمة وليس ثابت بمستو واحد لكل الأنظمة).
المعنى الباطني للزمن يكمن في كلمة “الاحداث” في التعريف، حيث يُعرف الحدث في الفلسفة على أنه تغيرات في خصائص الأشياء، نقدر إذاً أن نوضح الزمن أكثر على أنه تغيرات تحصل في داخل النظام. ونستنبط منه إن زمن النظام يتباطئ مع تباطئ التغيرات المفروضة عليه ويتسارع مع تسارع التغيرات فيه، وبذلك يعدُ الزمن متوقفًا بالنسبة لنظام خامل لا تحدث فيه الكثير من التغيرات. ومن الجدير بالذكر أن عقل الانسان عندما يفكر بتوقف الزمن يتخيل توقف الحركة.
وللملاحظة، أن تعريف الفيزياء للزمن لا علاقة لها بالفلسفة ولا تشرح ماهية الزمن، فهي مجرد وحدة قياس هناك. تقارن حركة الأشياء بالنسبة لحركة أشياء أخرى مختارة عشوائيًا (مقارنة حركة عقارب الساعة مع حركة السيارة مثلاً)، يمكننا استبدال قياس سرعة حركة السيارة بعقارب الساعة مع قياسها بحركة الشمس مثلًا او بسرعة حركة الحصان. فبذلك لا يخدمنا الفيزياء في معرفة حقيقة الزمن بشكل كلي، إلا أن معادلاتها قد ترشدنا إلى تعميق فهمنا للزمن، وللأسف، في هذه الاطروحة، لن نتعمق في الفيزياء الحديثة من نظريات اينشتاين وميكانيكية الكمومية، سنتمسك فقط بالفيزياء الكلاسيكية.
تُفسر لنا فيزياء الكلاسيكية وعن طريق الانتروبيا اتجاه الزمن: نحن نعلم بأن الزمن يتجه باتجاه واحد الى الأمام (المستقبل) دون الرجوع إلى الوراء (الماضي) لكننا نجهل السبب. بالاستعانة بالقانون الثاني للديناميكية الحرارية الذي يقول بأن انتروبيا الكون دائمًا في ازدياد، نستطيع أن نقول بثقة أن الأنظمة المعقدة التي تصبح أكثر فوضويًا مع الزمن لا يمكنها الرجوع إلى الوراء إلا باستعادة جميع اجزائها المفقودة إلى مكانها الصحيح. فالبيضة الواقعة في الأرض والمكسورة لا يمكنها أن ترجع بالزمن إلى الماضي إلا باستعادة جميع بروتيناتها ودهونها وقشورها الى مكانها الأولي ومن ثم صعودها الى فوق الطاولة أو اليد من الأرض.
لكن ماذا لو عادت في الواقع!؟ فهل يمكنها أن تعود من تلقاء نفسها؟ الإجابة المحبطة هي كلا، وذلك لأنه ليس قانون الانتروبيا وحده من يمنع الزمن من الرجوع الى الوراء، بل هناك شيء آخر، قانون آخر إن جاز التعبير، وهو إن الطاقة تنتقل فقط من النظام الأعلى طاقةً إلى نظام الأقل طاقًة، ومن المستحيل حدوث العكس. مما يعني إن البيضة يجب أن تكتسب قوةً كافية لتتحدى قوى المسلطة عليها من جاذبية الأرض وكذلك قوة كافية لاستعادة جميع جزيئاتها الى مكانها الصحيح بعد تكسرها في القاع لتعود بالزمن الى الوراء. الزمن لا يمر الا من طاقة اعلى الى طاقة أدنى وهذا يعني ان الانظمة ذات الطاقة العليا هي التي تحرك الزمن. فالشمس هي التي تحرك الزمن بالنسبة لنا لأنها تمتلك طاقة عليا عن طريق امدادنا بجزء من طاقتها. يرجى الملاحظة إن هذا التعبير يشير إلى إن النظام نفسه يفقد طاقته الى بيئته ليتحول من نظام ذات طاقة عالية الى نظام ذات طاقة واطئة وهذا الفقدان آتٍ بسبب امتصاص البيئة لطاقته، لكن تبادل الطاقات بين نظام ذات طاقة عالية ونظام ذات طاقة واطئة هو في الحقيقة خاضعة لقانون الثالث لنيوتن (لكل فعل رد فعل مناسب له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه)، أي إن النظام واطئ الطاقة يؤثر أيضًا على نظام عالي الطاقة ولكن بمقدار أقل.
هذا يعني إن تحرك الزمن واتجاهه تعتمد على متغيرين: الانتروبيا والطاقة. ومن خلاله نعلم أيضًا إن رجوع الزمن الى الوراء هو ممكن فعلًا إذا سُلط على النظام انتظامٌ وطاقة تعيده إلى حالتهِ البدائية. يحدث الرجوع في الزمن عندما يُعاد نفس الأسباب التي أدت إلى بدأ زمن النظام (مثلا، البناية يمكن أن يُعاد الزمن عليها عن طريق ترميمها بمواد قد استخدمت لبنائها من البداية) أو عن طريق ربط نهاية زمن النظام ببداية زمن النظام وجعل زمن النظام بأكمله دوريًا مثلما تتكاثر الكائنات الحية او مثلما تهضم اجسامنا الاكل عن طريق دورات كيميائية وتربطها مع بناء الجسم. فالكائنات الحية إذًا هي مُعيدة للزمن (مُكررة للأحداث التي تحصل في داخلها)، لكنها ليست مُعيدة مثالية اي انها تخسر شيئا عند اعادة تدوير الزمن ولو كان قليلاً ذلك شيء الا عند استمرار اعادة تدوير الزمن مع مروره فإنها سوف تترهل وتعطل وتشيخ ومن ثم تكون غير قادرة على اعادة تدوير الزمن (هذه هي مماتنا، عندما نموت نكون قد انتهينا من اعادة تدوير الزمن)، ولا ننسى إن غالبية الأنظمة تفقد جزيئاتها وطاقاتها عن طريق الحرارة.
الرجوع بالزمن إلى الوراء يعني أيضًا الرجوع بالمكان الى الوراء (بالعودة إلى عين المكان)، وذلك كما قلنا في مثال البيضة المكسورة يجب على جزيئاتها المبعثرة أن ترجع إلى مكانها الصحيح وكذلك أيضًا البيضة بأكملها أن ترجع بالمكان الى مكان الذي بدأت منه حتى نقول إنها راجعة بالزمن إلى الوراء، فإنك إذا غيرت مكانك معناها غيرت زمانك. أي إذًا تغيرات في المكان تساوي تغيرات في الزمان (إذا وفقط إذا كان ذلك المكان مختلفًا بالمعلومات عن المكان السابق). مثلًا لو حولنا مكان الحجر من قاع المحيط إلى قاع محيط آخر (يشبه تماما مكانه السابق وبيئته السابقة ولم يتأثر الحجر بعملية النقل) فإننا لا نستطيع أن نقول إن الحجر قد تغير الزمان عليها لأن نوعية المكان لم تتغير. علاقة الزمن بالمكان أعمق من مجرد الرجوع الى الوراء، لدرجة حيث يمكننا تعريف المكان بعبارة عن مجموعة من الأنظمة متشابهة ومختلفة ذات ازمان متشابهة ومختلفة تؤثر على النظام المدروس بشكل او بآخر. يمكن الحصول على جميع أزمنة النظام في آن واحد في أماكن متعددة، على سبيل المثال لو اخذنا غراما واحدا من الماء في قدح واحد نرى إننا نستطيع أن نحوله من السائل الى الغاز (بخار) الى شكله الصلب (الثلج) عبر زمن معين ولكن لا نقدر على جعل هذا الغرام من الماء يأخذ جميع الاشكال في آن واحد (زمن واحد) إلا إذا قسمنا هذا الغرام الى عدة أماكن (عدة اقداح مثلاً) وفرضنا بيئات مختلفة على كل واحد منه، في ذلك الحين نتمكن من جعل هذا الغرام الواحد في حالاته الثلاثة في آن واحد (زمن واحد في عدة اماكن). والعكس الصحيح، أي أن الزمن يحاول أن يضع جميع الأماكن في مكان واحد فقط، في المثال السابق نستطيع أن نجمع هذا الغرام الواحد من الماء في قدح واحد ونمر عليه الزمن عن طريق فرض عليه بيئات مختلفة ليتحول الى حالاته المختلفة مع الوقت لكن في مكان واحد.
توقف الزمن يحدث للنظام عندما لا يكون هناك تغيرات في داخله، أي أن الزمن يتوقف مع توقف التغيرات الحاصلة للنظام. فضاءنا التي هي معدل درجة حرارته يصل إلى 2 كلفن يُعد الزمن شبه متوقف فيها، الفيروسات التي توقف فعاليتها خارج خلايا الحية يعد الزمن شبه متوقف عليها (شبه متوقف لأن هناك عوامل بيئية محيطة بالفيروس يؤثر عليه ويقتله وبتالي يحرك بما فيه ويغير زمانه)، الأحجار الجبلية الجبارة التي لا يغيرها المياه وعوامل مناخية أخرى تعتبر زمانها كذلك متوقفة.
أما تسارع وتباطئ الزمن للنظام فيعتمد على سرعة التغيرات الحاصلة فيه. تسريع الزمن الحقيقي للنظام يعتمد على تسريع فعاليته الداخلية والتغيرات التي تتطرأ عليها، على سبيل المثال، السيجارة المشعولة التي كلما تنفستها أكثر كلما احترقت بشكل أسرع فكلما تسارعت زمانه أكثر ولو تركتها على حالها لمشى زمانها بسرعة طبيعية، أو الماء المراد غليهُ يمكن تسريع زمنه عن طريق زيادة عدد نوزلات الغازية تحته. يقترح هذان المثالان إن تسريع الزمن مرتبط بأعداد الطاقات المفروضة على النظام، بمعنى آخر كلما ازدادت الطاقة تسارع الزمن للنظام وكلما قل تباطئ الزمن فيه. إلا إن الأمر أعقد من ذلك: الزمن كما قلنا هو عبارة عن تغيرات وهذه التغيرات تكون متنوعة في بيئة النظام ومتنوعة في داخل النظام نفسه كذلك، كل عملية تغيير لديه أتجاه معين يدفع النظام الى زمن التالي، وأغلب الأنظمة في الكون تكون معقدة وتحدث فيها عدة عمليات داخلية وخارجية تغيرها معًا، ولأجل تبطيء النظام او تسريعه يتطلب من الدارس أن يقوم بإعطاء او سحب طاقات محددة الاتجاه لكل العمليات التي تحدث في داخل النظام وخارجه. لماذا اتجاهات الطاقة مهمة؟ وذلك لأنه لو حاولنا زيادة الطاقة بشكل عشوائي لرأينا تخارب العمليات في داخل النظام المراد تسريع زمنه، مثلًا لو حاولنا تسريع عملية كيميائية في جسم الانسان بوسيلة زيادة طاقة عشوائية الاتجاه عليه سوف نشاهد احتراق جسم الانسان وانتهاء العملية الكيميائية بالفشل، بل نحتاج الى طاقة محددة ذات اتجاه محدد لتسريع هذه العملية.
الأنظمة ذات الاحجام الكبيرة تتغير زمانها ببطء عن الأنظمة ذات الاحجام الصغيرة (شرط في نفس البيئة) وذلك لان سرعة التغيرات تمشي بطيئة بالنسبة لنظام كبير، حتى وإن كانت تلك التغيرات كبيرة بالحجم نسبيًا (افتراضًا إن النظامين الكبيرين والصغيرين يتأثران بالتغير نفسه وفي داخلهما معلومات نفسه أي إن النظامين ذات نفس التعقيد)، اما الاجسام الصغيرة يسهل تغييرها بسرعة لذلك تموت بسرعة. بديهي جدًا لو أنك وضعت قدرين من الماء، احداهما أكبر من الاخر، في نفس البيئة الباردة، فإن الماء في القدر الأصغر يتجمد أسرع من الماء في القدر الأكبر. لكننا قلنا لو افترضنا إن النظامين من نفس النوع وتؤثر عليهما نفس المؤثرات الموجودة في نفس البيئة (الماء في دم الانسان لا يتجمد بسرعة مثل الماء في القدر ولو كانا بنفس الحجم لان بيئتهما مختلفة)، إذا قارنا سرعة التغيرات داخل نظام العنصر الذهب سنرى فرقًا كبيرًا بينه وبين نظام عنصر الالمنيوم، كون الأخير يتأثر أسرع من الذهب بدرجة الحرارة حتى لو جعلنا حجم الالمنيوم أكبر من حجم الذهب. نستنتج من كل هذا إن الزمن يتناسب طرديًا مع حجم النظام في نفس البيئة.
الشيء الاخر الذي يؤثر على زمن النظام بغرابة هو شكل النظام نفسه: الأنظمة الدائرية يرحمها الزمن أكثر من الأنظمة الغير المتناسقة، تكرار الزمن على تلك الأنظمة الدائرية وثباتها أيضا من جميع الاتجاهات بشأن التغيرات التي تحصل فيها تجعلها متينة نسبيًا بشأن التغيرات البيئية، من الأمثلة على أنظمة دائرية الشكل هي الكرة الأرضية والشمس والعجلة وغيرها. إلا إن علاقة الشكل الدائري وكذلك الحركة الدائرية بالزمن تحتاج الى دراسات عديدة وكثيفة قبل الجزم بترابطهما. التصاق الجسيم مع جسيم آخر او تماسهما حتى يغير من زمن الجسيمين وحركتهما واتجاههما (إذا كان الالتصاق يؤدي الى شكل جديد)، فمثلًا عندما تصطدم كوكيبين بقوة كافية مع بعضهما وباتجاهين مختلفين، سوف تؤدي هذا الاصطدام الى تغيير من زمان الكوكيبين عن طريق تسريع او تبطيء حركتهما وتغيير اتجاه القوى التي يمتلكونها وكذلك ربما تتناثر بعض من جزيئات الكوكيبان (تتطاير الشظايا) الى الفضاء وحصولهما على شكل جديد مغاير لما قبل الاصطدام.
تختلف زمان الأنظمة العشوائية والبسيطة عن زمان الأنظمة المعقدة بأن زمانها قابلة للرجوع ببساطة وتسلسل احداثها يمكن التلاعب فيها بتغيير مكان الماضي بالمستقبل بالحاضر. لا تحتاج الجملة الى الكثير من الشرح لتوضيحها للقارئ، الأنظمة العشوائية هي ابسط من الأنظمة المرتبة حيث لا يهم ترتيب جزيئاتها في داخلها مما يعني إن إعادة الزمان قد تحصل عدة مرات لها من تلقاء نفسها على عكس أنظمة مرتبة المكونات التي تهم تسلسل أماكن جزيئاتها وبالتالي يصعب ترجيع الزمن عليها إلا باستعادة جميع الجزيئات الى مكانها الصحيح. والأنظمة المرتبة البسيطة يسهل ترجيع زمانها من الأنظمة المرتبة المعقدة وذلك لوجود عدد قليل من الجزيئات المختلفة المرتبة في داخلها مما يعني إن الزمن قد يرجع تلقائيًا لها باحتمالية أكثر من النظام المعقد الترتيب ذات اعداد جزيئات كثيرة الذي يكون من النادر رجوع الزمن عليه بتلقائية، وحتى لو لم يرجع الزمن بتلقائية فإن النظام بسيط الترتيب وقليل الجزيئات يحتاج الى طاقة اقل لترجيع زمانها من نظام معقد الترتيب وكثير الجزيئات. لو استطعنا ان نصنع جهازًا يقدر على ترجيع جميع جزيئات الكائن الى مكانه بعد موته ومن ثم اعادته للحياة، نرى إن إعادة نظام البكتريا تكون أسهل من إعادة نظام الانسان وذلك لقلة جزيئات الموجودة في البكتريا وبساطة جيناتها وبروتيناتها. من الأنظمة العشوائية الشائعة في الكون هي الطاقة الحرارية التي تختلف عن الطاقات الأخرى بكون الجزيئات التي تشكلها تتحرك بعشوائية وفوضوية شبه تامة (او تامة في الأحيان النادرة)، نرى إن ترجيع الزمن لهذا النظام أسهل من ترجيع الزمن للطاقات الأخرى.
العقل البشري لديه قدرة مدهشة في الإحساس بالزمن والعمل مع تحركاته. نلاحظ بأن الدوائر العصبية في الدماغ تسجل الاحداث حسب تسلسلها وتقارن التغيرات المحسوسة الحاصلة بين الماضي والحاضر لتوحي للكائن بأن الزمن يتحرك عليه وعلى من حوله. مع وجود خلل واحد فيه، وهو عدم الادراك برجوع الزمن الى الوراء، بالرغم من أن الاحاسيس تلتقط إشارات متكررة إلا إن الدماغ يحلله كمؤثر آخر ويوم جديد وتقدمٌ بالزمن (ولا يدرك إنه لو لم يرجع الزمن الى الوراء لما قدر على توظيف خبراته المكتسبة في العمل والحياة اليومية لأن تلك الخبرات تعني بأن الحدث نفسه سوف يعاد وإن أفضل طريقة لحل تلك الحدث هو هذه الخبرة). يرجع عدم الادراك برجوع الزمن إلى فهم الإنسان بأن الكائنات لديها وقت محدد وفاني واتجاه واحد غير قابلة للرجوع، أي إن الكائنات تشيخ وتكبر مع مرور الزمن ولا تحدث العكس حتى وإن كانت الاحداث من حوله يتكرر كطلوع الشمس وتغير الفصول وغيره، ولا يتبادر في اذهان الكثيرين إن فناء الفرد في المدى القصير لا يعني بأن الزمن لا يتكرر، بل يحدث ذلك كلما يولد طفل جديد وينضاف الى المجتمع وبذلك يبقى المجتمع خالدًا على مدى البعيد. أغلبنا نعيش في المدى القصير وذاكرة اغلبيتنا لا يمكنه أن يتذكر المدى البعيد ويربط بين جميع الذكريات ليستنتج رجوع الزمن مرارا وتكرار الى الوراء، إذا قلنا إن مدى البعيد هو عبارة عن دائرة، فالمدى القصير سوف يمثل قوسًا بسيطًا في تلك الدائرة، لذا لا يرى الانسان رجوع الزمن لإن حياته كاملةً يعيشها في ذلك القوس.
هذا لا يعني إن الإنسان لا يمكنه تجربة تباطئ الزمن وتسارعه أو حتى توقفه: فعندما لا تكون هناك أي تغيرات في بيئة الانسان (أو في واحد من الأنظمة الموجودة من حوله)، لا يستقبل الدماغ أي أحاسيس خارجية وبالتالي لا تطلق خلايا العصبية أي إشارات، مما يتبين للشخص بأن الزمن متوقف عنده أو عند ذلك النظام الذي هو حوله (كما قلنا سابقًا إننا عندما نفكر بالزمن نفكر بالحركة وتوقف الحركة تعني توقف الزمن بالنسبة لنا). على سبيل المثال، الجبال أو الأحجار التي لا تتغير كثيرًا قد تبدو الزمن متوقف فيها من وجهة نظر المشاهد، فالحجر لا يتغير (إذا فرضنا إنه في بيئة خاملة) مع مرور الزمن من الماضي الى الحاضر، فيستنتج الدماغ بأن الزمن لا يتحرك بالنسبة لهم. وتؤدي هذه الظاهرة غالبًا إلى الشعور بالملل.
أما تباطئ الزمن وتسارعه فيمكن أن يخوذه الانسان عن طريق مؤثرات عقلية مثل الكحول أو الكوكايين أو الكافيين الذي يسرع الزمن داخل عقل الانسان، وكذلك الحشيش والهالدول اللذان يجعلان الانسان يشعر ببطء في مرور الزمن، بالإضافة الى الامراض الدماغية والعقلية التي تلعب بإعدادات الساعة الداخلية، منها مرض الباركنسون الذي يبطأ الزمن بالنسبة للمصاب. ويوجد بعض الظواهر التي بالفعل تكون الزمن قد تباطئ او تسارع في بيئة الانسان بغض نظر عن فعالية الدماغ الداخلية، منها ما ذكرناه في الأمثلة السابقة من الاطروحة.
يرجى الملاحظة إن ذاكرة الانسان تعتمد على كمية المعلومات المخزونة، ومن هذه الذاكرة يستنتج الانسان سرعة مرور الزمن عليه، كلما كانت المعلومات أكثر كلما استذكر الانسان وشَعرَ بأن الزمن كان بطيء عليه في تلك الذكرى، وكلما كانت المعلومات قليلة (الذكريات قليلة) كلما استذكر بأن الزمن كان سريعًا بالنسبة إليه في ذلك الحين. ويجب الانتباه على أن تَكرُّرْ الاحداث الذي يخلق روتينًا للإنسان قد يجعل الذاكرة البشرية معرضة أكثر لفقدان المعلومات (أي إن الدماغ لا يسجل كثيرًا الاحداث المُعادة والمتكررة كونها تخلق نفس الاحاسيس والشعور) مما يجعل الانسان يشعر بأن الزمن قد مضى عليه بشكل أسرع في الماضي، وقد يستشعر بأنه كبر بسرعة أو إن أولاده كبروا بسرعة.
من المضحك إن تلك الاحداث المُعادة والمتكررة هي أغلبيتها أنظمة مُعيدة للزمن، بالرغم من أن الذاكرة لا تسجلها لكن يأخذها العقل البشري كمضمون من دون أي دليل موضوعي ومنطقي، خُذْ على سبيل المثال الشمس، حيث لا نملك أي أدلة على طلوعها في الغد. نحن نؤمن بأن اللحظة التالية من الزمن قادمة لا محالة (الايمان بأن المستقبل قادم) وهو قانون فكري لا بأس باتباعه لأننا نعلم بأن الكون يتحرك بسلاسة ويتبع قوانين الفيزياء للطاقة، بالقول إن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث يعني إن الشمس لن تذهب إلى أي مكان في الغد من دون المرور بعمليات متعددة وأسباب متشعبة وخسارتها لطاقات حرارية واشعاعية هائلة قبل غيابها، لن تموت بسهولة في ليلة وضحاها. لكن ماذا لو توقف الزمن فجأةً على الكرة الأرضية فقط وتم تحريك الشمس بطريقة ما إلى مكان بعيد عن الأرض ومن ثم إعادة الزمن بالنسبة لنا في الارض؟ ما الذي يمنع الزمن من التوقف؟ ماذا لو توقف الزمن في اللحظة التالية لمئات السنين ومن ثم بدأت مجددًا ومشت الأمور كعادتها؟ كل شيء سوف يتوقف بتوقف الزمن (حتى الفعاليات الحيوية داخل اجسادنا ودماغنا) ولن نقدر على الإحساس بأي شيء او فعل أي شيء لمنعه من الحدوث. وعندما يتحرك الزمن بعد وقوفه (مثل أفلام الاكشن التي تتوقف فيها الزمن لمدة وبعدها تتحرك) يرجع كل شيء الى طبيعة حركته وطاقته وكأن شيء لم يحدث.
من الظواهر الزمنية البارزة الأخرى هي ظهور للمشاهد إن الانتظام يتطلب زمنا اطول من الانهدام الذي يكون سريعًا جدا للنظام: حيث ان بناء تمثال ما يكون أصعب واطول من هدمه، بقاء الكائن على قيد الحياة ونموه أصعب واطول من موته. يمكن شرح هذه الظاهر ببساطة وبالقول إنه هناك العديد من المسارات التي من الممكن أن تترتب عليه اجزاء النظام من مسار واحد محدد. لو عدنا الى الامثلة اعلاه، يصعب علينا ان نرتب تلك الاحجار المبعثرة الى بناية قائمة ذات شكل معين لأننا نجبر الاحجار على اتخاذ مسار واحد رغم ما تفرضها عليها قوى الطبيعة (قوة الجاذبية مثلا ضد رفع الاحجار الى الاعلى)، ومن سهل جدا أن تنهدم هذه البناية خلال دقائق او ثواني حتى وتتبعثر احجارها لأنه هناك مسارات متعددة يمكن ان يتخذها الحجر غير مسار البناية، لذلك يستغرق البناء زمنًا اطول من الهدم. كذلك بالنسبة للكائن الحي، فبقائه على قيد الحياة يتطلب طاقة وزمن لان مساره واحد اما مسارات الموت كثيرة مما يجعل الكائن أكثر عرضةً له ومن السهل انحراف مساره اليه، ولهذا فإن سرعة الهدم أسرع من سرعة البناء.
لكن لماذا تذهب الأنظمة الى اتجاهات متعددة بعد اجبارها على اتخاذ مسار معين؟ أليست البنايات تبقى شامخة وثابتة إلى إن تتم تفجيرها أو عندما تنضرب بزلزال قوي؟ نعم، فالمسار المحدد خاضع لقانون نيوتن الأول الذي يقول إن جسم الثابت يبقى ثابتًا مالم تؤثر عليه قوى ما، لكن بيئة التي تتواجد فيها البناية أو الكائن الحي تكون متعددة الأنظمة تتحرك بقوى مختلفة الاتجاهات تتلامسها باستمرار وتعمل على تغييرها مالم تعمل النظام على رد فعل لهذه التغيرات (يتواجد في بيئة كائن الحي العديد من الكائنات الأخرى التي تؤثر عليها باستمرار ناهيك عن البيئة التي تؤثر على درجة حرارته). كذلك الحال بالنسبة للانتروبيا أيضًا حيث لا يتغير ترتيب جزيئات النظام ولا يصبح عشوائيًا من دون وجود طاقات في بيئته تعمل على تخريب ترتيب جزيئاته، تزداد الانتروبيا للنظام مع مرور الزمن بسبب وجود عدة أنظمة في بيئة النظام التي تسلط قوى خارجية باتجاهات مختلفة على النظام مما تؤدي إلى عشوائية اتجاه النظام وعشوائية ترتيبه و انتظام مكوناته (لو تخيلنا النظام ككرة ساكنة في مكانها وتتحرك حولها عدة كرات باتجاهات مختلفة وتصطدم بها فإننا نستنتج إن الكرة الساكنة سوف تبدأ بالتحرك باتجاهات عشوائية وبالتالي تزداد انتروبيتها). المسألة هي مسألة تأثير الطاقات على النظام: الطاقة التي تغلبت على باقي الطاقات الموجودة في بيئة النظام والتي جعلت النظام يتخذ مسارًا معينًا إن لم تستمر في قواها تصبحُ ضعيفة مع مرور الزمن وتغير الأحوال امام طاقات أخرى موجودة في البيئة مما يعني إن مسار النظام سوف ينهار تحت قوى عشوائية متعددة الاتجاهات في بيئة كثيفة بالأنظمة وتتسارع في الرجوع الى اتخاذ مسارات متعددة كما كانت شكلها في البداية. وإذا فسرنا كل هذه الفرضيات البحتة بالمثلين السابقين نقول إن قوةٌ ما جعلت وجود كائن حي أمرًا ممكنًا (وهو قوةٌ تغلبت بالصعوبة على قوى البيئة الأخرى لتُحيل مسار مجموعة من المركبات العشوائية إلى كائن حي، وهذا التغلب هو في العادة صعبة ويتطلب وقتًا مديدًا لإبعاد تأثير جميع القوى العشوائية الأخرى التي تريد تغيير اتجاه النظام باستمرار)، وإن لم تستمر تلك القوة في تغلبها على باقي قوى البيئية التي تحيط بالكائن الحي، فإن البيئة سوف تتغلب على قوة كائن الحي وتُرجعه إلى أصله من المكونات (أي تميتهُ وتُعيدهُ إلى مركبات بسيطة عشوائية). والبنايات كذلك القوى التي جعلتها تتخذ مسارًا معينًا (قوى البشرية التي تغلبت على قوى الأخرى الموجودة في بيئة احجار البناية) إن لم تستمر في قواها، فإن قوى العشوائية الموجودة في البيئة سوف تجر البناية إلى الهاوية. وعند سقوط البنايات وموت الكائنات تمر الزمن بشكل أسرع لها لإن جميع القوى سوف تشارك ضد هذا المسار المُغاير والمستثنى من البيئة.
هناك بعض من الرؤى والملاحظات التي يجب ذكرها قبل انهاء الاطروحة: على سبيل المثال، تخيل نظام حدث فيه تغير ضئيل جدًا غير محسوس اطلاقًا من قبل الانسان ولا من اجهزته القياسية، هل يمكننا القول بأن الزمن قد مر على ذلك النظام؟ الإجابة بسهولة هي نعم، لا يعتمد مرور الزمن على احاسيس الانسان ولا على قدرة جهاز القياس على اكتشاف التغيرات. هذه التغيرات قد تتراكم وتظهر فجأةً للأحاسيس مما يوحي للمشاهد إن الزمن أو النظام المار به يكسر قانون السلاسة الذي يقول بأن عملية تحول النظام من حالة الى أخرى يجب أن يمر بسلسلة من الفعاليات تدريجيًا. قد تتغير النظام بأكمله الى نظام آخر بعد مرور الزمن والمشاهد المحجوب عن رؤية تاريخ التغيرات السلسة التدريجية التي مر بها النظام يمكن أن يفرق بينهما.
في الحقيقة، أغلب الأنظمة في الكون عبارة عن إعادة ترتيب نفس المواد أو إضافة الزائد عليها أو التنقيص منها، مثلًا نحن مكونون من نفس العناصر الموجودة في الفحم لكن بترتيب واضافة مختلفة، كذلك الامر بالنسبة لعصير العنب والنبيذ. وهنا يظهر سؤال آخر وهو متى نستطيع القول بأن نظامٌ ما قد تحول إلى نظام آخر؟ الإجابة هي عندما تجتاز التغيرات نصف المعلومات المكونة لها أو عندما تتغير نصف ترتيب مكوناتها نقدر في ذلك الزمن أن نقول إن عصير العنب لم يعد عصيرًا بل نبيذًا. أؤمن بأن الأنظمة المختلفة في بيئتنا وكوننا هي مختلفة فقط في الزمن ويمكن لأي نظام أن يتغير مساره ويتحول الى نظام آخر مع مرور الزمن، وإذا اردت نظامين مختلفين في الزمن في آن واحد يجب أن تأتي بنظامين وتجعل أحدهما يتبع مسارًا معينًا والآخر مسار آخر حتى ينضجا ويمكن أن يتفاعلا معًا في ذلك الوقت على انهما نظامين مختلفين تمامًا بالرغم من بدأهما من بداية نفسه: النظامين امتلكا نفس المعلومات في داخلهما بالبداية وعند وضعهما في بيئة مختلفة أدى إلى تغيير كل واحد منهما حسب مسار معين محدد من بيئته إلى أن وصلا الى كونها نظامين مختلفين تمامًا عن بعض، لكن كان من الممكن لاي منهما التحول الى نظام الآخر ولو اخذنا نظامًا واحدًا واعطيناه زمنًا معينا لرأيناه يتحول الى النظامين معًا في داخله لكن بأزمنة مختلفة وليس في آن واحد (قد تم شرحه سابقًا). هذا يذكرني بالتؤام الذين يولدون ويتربون في بيئة مختلفة.
يتميز الكائنات الحية بكونها تمتلك رغبة البقاء في تردد زمني معين (تردد الزمني أو الإطار الزمني هو لحظات زمنية يكون فيها النظام في حالة معينة وفي شكل معين وذات وظيفة معينة)، فهي قادرة على ترجيع الزمن للوراء بنفسها حتى لا يمضي الزمان عليها الى تردد زمني آخر ويحولها الى نظام آخر. هذه الغريزة في البقاء على قيد الحياة هي في الواقع رغبة في البقاء بتردد زمني معين وكل هذه التغيرات التي نحن نفعلها لبيئتنا ونغيرها لتناسبنا هي رغبة في عدم تغيير البيئة لنظامنا الجسدي حتى لا نخرج من ترددنا الزمني، فالحياة هي ممكنة فقط في تردد زمني معين، مثلًا يجب أن يكون درجة الحرارة معينة والضغط معين وثابتان حتى يتمكن النظام من البقاء في تردده الزمني، اما غير ذلك من البيئات قاسية ومختلفة فيؤدي إلى تغير النظام وتحوله إلى شيء آخر. مما يعني على الكائن الحي أن يغير بيئته وما حول بيئته من كائنات وأنظمة أخرى إلى نوعية نظامه أو ما يكون لطيف معه، ربما لذلك يقتات الكائن الحي على الكائنات الأخرى ليهضمها ويحولها الى وحدة نظامه الخاص.
لو كانت الكائنات الحية قادرة على ترجيع الزمن إلى الوراء، فلماذا تموت إذًا؟ حيث تستطيع إعادة الزمن لنظامها الى الوراء كلما شاخ لكي تبقى خالدة في ذلك التردد الزمني. يعود السبب إلى عدم قدرة الكائن الحي الى ترجيع الزمن الى الوراء بكفاءة ومثالية عالية من دون أن يخسر جزءًا من نظامه أو يتغير شيء ما في داخله، أي يشيخ الكائن الحي مع كل تدويرة زمن يعملها ويأتي زمان عليه لا يكون فيه قادرًا على ترجيع الزمن إلى الوراء بعد ذلك (لا يقدر على الهضم أو لا يقدر أن يحافظ على نقاوة دمه فيلتهمه الكائنات الأخرى لتحوله الى نظام آخر، أو لا يقدر قلبه على ضخ الدم مجددًا وغيره من العطلات الجسدية).
هناك بعض من الأنظمة لا تتأثر بالانتروبيا كثيرًا ولا بالتغيرات الزمنية لأنها تمتلك عدد قليل من المعلومات (مكونات) في داخلها، وهذه المكونات تكون بسيطة إلى درجة لا تتكسر إلى مكونات أخرى بسهولة، بحيث لا تهُم ترتيب مكوناتها كذلك من شدة شبهها من بعضها البعض، فإنها لديها مسار واحد فقط ووجه واحد وشكل واحد عبر ترددات الزمن. لا تؤثر عليها بيئتها لذلك تمتلك زمن واحد أينما كانت وفي أي بيئةٍ وُضِعتْ. لكن هل مثل هذا النوع من الأنظمة موجودة فعلًا في كوننا الحالي؟ لا يسعني التفكير في مثال واحد منهم.
ينقسم الزمن إلى اثنين: زمن الموجود داخل النظام (وهو فعاليات جزيئات النظام وتحركاتها) وزمن البيئة الموجودة حول النظام (وهو الأنظمة التي تؤثر على النظام المدروس وفعاليتها). وسرعة زمن البيئة تؤثر بشكل ملحوظ على سرعة زمن النظام، إذا افترضنا إن النظام في تماس مباشر مع أنظمة أخرى من بيئته (لا يوجد حاجز بينهما مثل لحاء النبات أو جلد الانسان الذي يفصله جزئيًا عن بيئته)، وإذا افترضنا إن النظام لا يملك ردود فعل يُرجعه الى تردده الزمني المعين (مثل ردة فعل التعرق اثناء زيادة درجة حرارة الجسم).
بعض الأحيان لا يمكن للزمن الرجوع الى الوراء بسبب المكان المراد ترجيع الجزيئات إليه هو مسكون بجزيئات أخرى. على سبيل المثال تفاعلات الاستبدال الكيميائية التي تستبدل فيها جزيئة من مركب بجزيئة أخرى ولا يمكن رجوع الجزيئة الاصلية الى المركب (لإن الجزيئة البديلة في مكانها داخل المركب) إلا بإزالة الجزيئة البديلة، وبالتالي من المستحيل لزمن النظام الرجوع الى الوراء (رجوع المركب الى حالته البدائية).
العديد منا يفكر في ترجيع الزمن إلى أحداث معينة من الماضي لاتخاذ قرارات مُغايرة لما اخترناه حين ذاك، وبالإضافة الى ذلك نريد كل شيء أن يكون بالضبط كما كان في بيئة ذلك الحدث الماضي، وهذا يستوجب على جميع الأنظمة التي شاركت في ذلك الحدث أن تفعل نفس الشيء تحديدًا، وهو أمر صعب جدًا: حيث يقول لنا عملية ترجيع الزمن إنه علينا أن نجبر جميع الناس أن يفعلوا بالضبط ما كانوا يفعلونهُ في السابق عندما حدث ذلك الحدث ونفرض على الطبيعة أيضًا أن تفعل نفس الشيء والاشياء الجامدة الأخرى، وحتى لو جعلنا جميع هذه الأنظمة المذكورة في إعادة نفس الحركة التي كانوا يعملونها في ذلك الحدث فلا نسلم من أنظمة التي ماتت أو أنظمة التي تُعيد الزمن لمرةٍ واحدة فقط (فالانتروبيا يقول لنا ان المستقبل هي اكثر فوضى من الماضي وبعض الانظمة تموت او لا تقدر ان تعيد الزمن بتناسق مع نظامك)، باختصار لن تتمكن بسهولة من تنسيق أزمنة أنظمة أخرى مع نظامك، فبعض الفرص والاحداث نادرة الوجود. لذلك نستنبط من هذه الجمل إن ترجيع الزمن غير ممكن لعدم تناسق ازمان الأنظمة المختلفة مع بعضها بسهولة. ناهيك عن ترجيع جزيئات المايكروسكوبية مثل فقدان الحرارة الى أنظمتها التي تحررت منها.
أقول في الخاتمة إنه ما زال هناك العديد من الأسئلة التي يصعب الإجابة عليها الان التي هي مرتبطة بالزمن، مثلاً العلاقة بين الطاقة الكامنة والزمن مجهولة لحد الآن: الأنظمة التي تحمل طاقات كامنة في داخلها لا تتغير حتى تصرف تلك الطاقة، مما يوحي بأن الزمن متوقف عليها، لكن هل هذا صحيح فعلًا؟ واسئلة أخرى مثل ما الذي آل الى وصول الانتروبيا الى حالتها الواطئة في البداية؟ كيف تتأثر الزمن بالنسبة للأنظمة التي تمشي سريعًا عندما تصطدم أو تتلامس مع أنظمة التي تتحرك بطيئًا بالنسبة لها (مثل الضوء والاجسام التي تلمسها)؟ كيف ستكون المنظور الزمن من النظام السريع الى النظام البطيء؟ ومن ضروري الذكر إنه ليست هناك أي علاقة بين سرعة النظام بأكمله والزمن المار عليه، بل إن الزمن يتحرك للنظام فقط إذا حصلت هناك تغيرات في داخل النظام، والسرعة التي تحصل فيها تلك التغيرات هي سرعة الزمن المار للنظام، مثلًا لو سرعنا من تحرك كرة ما في الفضاء الخالي فزمانها يبقى ثابتًا لأنه لا يوجد أي تغيرات حصلت في داخلها، لكن لو وضعنا تلك الكرة في بيئة مليئة بالتغيرات التي تؤثر على ما في داخل الكرة، فإننا لو سرعنا الكرة سنرى تغيرًا ملحوظًا في سرعة الزمن الكرة، لأن تلك التغيرات التي تؤثر على جزيئات الكرة وهي ساكنة سوف تتسارع في التأثير وهي تتحرك وتصطدم بمؤثرات بيئتها، فبالتأكيد العمليات سوف تتسرع في داخل الكرة مع استقبال عدد كبير من المؤثرات الموجودة كأنظمة في بيئة الكرة مع تسارعها (إذا افترضنا إن سرعة الكرة اسرع من سرعة الأنظمة الموجودة في بيئتها). لعله لذلك السبب أكتسب الكائنات الحركة من أجل التسريع من عملياتهم الايضية بمطاردة تلك المركبات العضوية المتواجدة في بيئتهم بدلًا من الانتظار لارتطام تلك الجزيئات بهم وهم ساكنين مثل النبات.
قلنا في البداية إن الزمن عبارة عن تغيرات تحصل في داخل النظام، فالزمن الحقيقي للساعات ليست فيما تعدها عقاربها، بل ما يحصل في داخلها من تغيرات على بطاريتها أو انكسارات حدثت في زجاجها الامامي أو الاتربة التي غطتها وتجمعت في سطحها ودواخلها. والقول بأن الزمن هو عبارة عن جزيئة كالقول بأن المتر (وحدة قياس) هو عبارة عن جزيئة او كالقول بأن الطول هو عبارة عن جزيئة مطلقة لوحدها مستقلة عن نظامه المقاس، فالزمن يعتبر حالة تغير التي تحصل للنظام.
نستطيع نظريًا أن نتنبأ بمستقبل نظام ما إذا عَلمِنا بتحركات جميع الجزيئات في داخله وفي بيئته والتغيرات الحاصلة عليه. لكن ليس في الواقع، وحتى لو قدرنا، فليس لمدةٍ طويلة (مثل الطقس الذي يمكننا تنبأه لفترة وجيزة فقط)، وذلك بسبب “انتروبيا الزمن” الذي يقول لنا إنه هناك تغيرات عديدة جدًا بالنسبة لأغلب الأنظمة الواقعية في حياتنا والتي تصبح معقدة جدًا ومتداخلة بشدة مع مرور بضع عمليات تغييرة على النظام، مما يجعل معلوماتنا فوضوية للمستقبل.
الزمن يرجع كل يوم الى الوراء (على الاقل جزء من الزمن وما يمكننا الاحساس به) فالشمس تخرج كل يوم وهناك صباح ومساء وليل في كل يوم، والا لما كانت هناك روتين، والا لما مللنا من الروتين. نحن نمشي بنمط متكرر مع كل اشراقة صباح حتى نهاية الليل نادرًا ما نغير من طبعنا ومن روتيننا. فالتاريخ يعيد نفسه، ليس لأن سهم الزمن حلقي، بل لأن البشر هم العامل المشترك بين مختلف الظروف والبيئات الذين يفعلون نفس الأفعال عبر الاجيال.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here