((سلسلة نور المشكاة في الرد على أخطر الشبهات)) …الحلقة (2)

((سلسلة نور المشكاة في الرد على أخطر الشبهات)) …الحلقة (2)

شبهات حول السنة المطهرة وكتب الحديث النبوي الشريف

قال تعالى : “إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ “.

إعداد وحوار / احمد الحاج
برزت في الآونة الأخيرة وبشكل جلي وغير مسبوق ظاهرة التشكيك بثوابت الإسلام ورموزه ومقدساته وشخوصه وبطريقة مستفزة للغاية عبر العديد من القنوات والمواقع والصحف العربية المعروفة ومن خلال برامج يقدمها ما يسمى بـ” القرآنيين الجدد” ،بهدف فصل السنة النبوية عن القرآن الكريم تماما ، وقد وصل الحال بهم الى إنكار السنة النبوية “الفعلية والقولية والتقريرية”جملة وتفصيلا والتشكيك بكل كتب الحديث النبوي وما تضمه بين دفتيها من الأحاديث المتواترة الصحيحة والحسنة على سواء، بزعم انها مؤامرة على القرآن الكريم حدثت في مكان وزمان ما ، فضلا على شبهات أخرى يثيرها ما يسمى بـ ” التنويريين والمستشرقين والشعوبيين الجدد” من خلال ذات الفضائيات علما بأنه والى وقت قريب كانت تلكم الشبهات تثار بين الفينة والأخرى..هنا وهناك ..في هذا المؤتمر أو ذلك المؤلف ،من دون أن تسلط عليها الأضواء الكاشفة ، وبتوقيتات متباعدة نسبيا ، ما جعلنا تتراخى في الرد عليها ونغض الطرف عنها إجمالا ، بعضنا أغفل الرد تكاسلا ، وبعضنا تقاعسا ،وبعضنا لعدم علمه بما يجري من حوله أساسا ، ولسان حاله ،وربما مقاله أيضا يردد قول المتنبي:
انام ملء جفوني عن شواردها …ويسهر الخلق جراها ويختصم
بعضنا تريث قليلا من باب “أميتوا الباطل بالسكوت عنه”،الا ان الملاحظ بأن الظاهرة أخذت تتنامى وتتسع وتتصاعد وتتسارع بشكل مريب ، باطراد مع ظهور الفضاء السيبراني ومنصات التواصل والاتصال ، لتثار بشكل شبه يومي، بمناسبة ومن دون مناسبة ،في عالم قد تحول الى قرية صغيرة ، فما يثار في الصين من شبهات يصل الى بغداد قبل أن يقوم أحدنا من مقامه ، وقبل أن يرتد اليه طرفه ، مع الحرص على تضخيمها إعلاميا، ونشرها على أوسع نطاق ممكن، حتى صار سفهاء الاحلام ،وحدثاء الأسنان ، يلوكونها و يتناقلونها فيما بينهم ، الأمر الذي ألزمنا الحجة بالرد على بصيرة وبالحكمة والموعظة الحسنة ، وعدم غض الطرف أكثر بما قد يفسره المشككون أنفسهم فضلا عن المتأثرين بغثاء ما يهرفون وبما لايعرفون ،بتفسيرات خاطئة لا تحمد عقباها ، ولات حين مندم .
وبناء على ما تقدم وبعد التوكل على الله تعالى وحده ، ها نحن نطلق ((سلسلة نور المشكاة في الرد على أبرز الشبهات)) دفاعا عن حياض ديننا الحنيف ، وعن رموزنا ، ومقدساتها ،وثوابتنا، صونا لشبابنا ، وحماية لعقولهم من عبث العابثين ، وأباطيل المبطلين،وأراجيف المرجفين لنرد من خلالها ونبدأ حلقتنا الثانية بالرد على شبهات حول السنة النبوية المطهرة ومن الله التوفيق في حوار شائق مع الدكتور حلمي الفقي ، أستاذ الفقه المساعد بجامعة الازهر :

* اذا كان القرآن الكريم قد جاء مبينا (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) ومن غير تفريط (ما فرطنا في الكتاب من شيء )، فعلام يحتاج المسلمون عبر التاريخ إلى السنة النبوية القولية والفعلية والتقريرية ، نود من جنابكم هاهنا بيان ” حجية السنة ” بأدلة واستدلالات مستنبطة من القرآن الكريم ، ليكون الناس على بصيرة فيما يتعلق بشبهات المستشرقين والقرآنيين الجدد ممن يحاولون فصل السنة عن القرآن الكريم وبشتى الوسائل والطرق ومنها زعمهم بعدم حجية السنة ،ودعوتهم إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم لتلقي الأحكام فحسب.

– أقول وبالله التوفيق إن القرآن الكريم كما عرفه العلماء هو : كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وهو «نوره المبين الذي أشرقت له الظّلمات، ورحمته المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسبب الواصل بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدخول فلا يغلق إذا غلّقت الأبواب، وهو الصراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنّزل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء؛ لا تفنى عجائبه، ولا تقلع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالاته، كلما ازدادت البصائر فيه تأملا وتفكيرا زادها هداية وتبصيرا، فهو نور البصائر من عماها، وشفاء الصّدور من أدوائها ، وحياة القلوب، ولذة النفوس.

ويقول النبي ﷺ عن القرآن الكريم فى الحديث الذى رواه عنه ، علي بن أبي طالب وأخرجه الترمذي والدارمي وغيرهما :
{ كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد} [الجن: 2] من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم }
والقرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع في دين الإسلام ، وقد تكفل تبارك وتعالى بحفظه من عبث العابثين وتحريف المحرفين ، قال تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( الحجر : 9 )

والسنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع لأن السنة هي المفسرة للقرآن والمبينة له ,
وقد دل علي وجوب اتباع السنة القرآن الكريم نفسه والآيات التي تدل على ذلك كثيرة جدا منها :

1 – يقول الله تبارك وتعالى فى كتابه الحكيم : { وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ( الحشر :7)

2 – وقال تعالى : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي } ( النجم : 3 ،4 )

3 – قال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } ( النساء : 80)

4 – وقال تبارك وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } ( النساء : 59 )

5 – ويقول سبحانه وتعالى: { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} ( ال عمران: 32)

6 – ويقول عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (الأنفال : 20)

7 – ويقول سبحانه وتعالى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (النور :54)

8 – ويقول أيضا تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (النور : 33)

9 – ولكي يكون الأمر واضحا فقد حذر ربنا تبارك وتعالى من مخالفة رسول ﷺ ، وتوعد من عصاه بالخلود في النار فقال تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }(النور :63)
10 – جعل الله تبارك وتعالى طاعة رسول الله ﷺ من لوازم الإيمان ، ومخالفته من أدلة النفاق وأماراته فقال تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتّى يحكمُّوك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مـمّا قضيت ويسلموا تسليما } ( النساء : 65 )

11 – أمر المولى تبارك وتعالى عباده المؤمنين بالاستجابة لله والرسول فقال عز من قائل : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول } ( الأنفال : 24 )

12 – أمر الخالق سبحانه وتعالي المسلمين برد ما اختلفوا فيه إلى الله والرسول ، فقال تعالى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } ( النساء : 59 )

ودلت أحاديث كثيرة من سنة النبي ﷺ على وجوب اتباع السنة ، وأجمع علماء الإسلام على حتمية اتباع السنة بلا مخالف في أي عصر من العصور .

ولهذا قال علماؤنا إن اتباع السنة فريضة واجبة كاتباع القرآن تماما ، ومن أنكر السنة فقد ارتكب خطأ فادحا ، وإثما كبيرا .

* لماذا تثير الدعوة الى “غربلة التراث وتنقيته من بعض ما علق به من ضعيف وربما موضوع عند بعضهم “حفيظة المؤسسات الدينية عامة ،عادة اياها بمجملها محاولة للعبث بالسنة النبوية المطهرة و لغايات خبيثة ؟
– إن تنقية التراث وغربلته من الضعيف والموضوع ، مهمة قائمة علي قدم وساق منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام فنحن المسلمين لدينا علم السند ، أو علم الجرح والتعديل ، ومهمته تنقية التراث وغربلته ، ونحن سادة العالمين في هذا الفن ، فنحن من ابتكرناه ، ولقد سبقنا الدنيا كلها بأكثر من 1400 عام في مهمة تنقية التراث وغربلته ، وهل البخاري إلا واحدا من أعلام هذا الفن ، وهل كانت مهمته إلا تنقية التراث وغربلته ، وانتقاء الصحيح كما ينتقي أحدنا أطايب الثمر .
وعلى الجميع رفع القبعات احتراما وإجلالا وإكبارا لعلماء الجرح والتعديل من المسلمين الذين ابتكروا هذا العلم ، و تفردوا به ، وما زالوا هم أساطينه وعباقرته ممن لا نظير لهم في دنيا الناس حتى يومنا هذا.
وما زلنا وسنبقى نرحب بأي دعوة علمية لتنقية التراث ، شريطة أن تكون صادرة من أرباب الصنعة والعلم ، ولا بد أن تكون قائمة على أساس علمي .

* واحدة من الشبهات المثارة على الدوام هي شبهة هي ” عدم تدوين السنة النبوية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ” وقد نهاهم عن تدوينها خشية اختلاطها بالقرآن الكريم ،او لعدم وجود من يجيد الكتابة انذاك الا القلة القليلة من الصحابة وقد تفرغوا لكتابة القرآن الكريم بدلا من ذلك ، ولم يشغلهم النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة السنة حتى لايختلط عليهم الامر ويتداخل، ولم تدون بعد ذلك الا في عهد الامام الزهري- رسميا – وبأمر من الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز في القرن الثاني للهجرة ، ومن ثم توقفت في القرن الخامس ليبدأ عصر نقد السند والمتن بما عرف بعلم الجرح والتعديل وعلم الرجال ، وقد رد بعضهم على هذه الشبهة بأن تدوين الحديث لم يبدأ على يد الزهري اذ سبقه الى ذلك من دونَّ الاحاديث النبوية منذ عصر النبوة ومنها رسائل النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم الى الملوك والقياصرة ، وبعض الخطب النبوية ، واحكام الدية والقصاص ، ومن المدونين عبد الله بن عمرو ، وانس بن مالك ، وسمرة بن جندب ،كذلك ابن عباس وغيرهم ..ماهو رأيكم في الاحتجاج بعدم الالتفات الى السنة النبوية لتأخر مدة التدوين ولفترة طويلة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ما يشكك بصحة الكثير مما ورد فيها بوجود الوضاعين وأصحاب الغرض وأمثالهم ؟

– صحيح أن النهي ورَد عن كتابة الحديث في أول الإسلام، ولكن كان ذلك خشية من اختلاطه واشتباهه بالقرآن، وليأخُذ القرآنُ الكريم مجالَه الرَّحْب في صدورهم وسطورهم، ثم نُسِخ الأمرُ بعد ذلك، بل أصبح من المندوب تقييد العلم وكتابته، ولا أشرف من العلم الذي يتلفَّظ به الرسولُ عليه الصلاة والسلام، والدليل على نسخ النهي ما ورد من أحاديث صحيحة ثابتة , فقد حضَّ النبي ﷺ على الكتابة، وثبَت في السُّنَّة الحَضُّ على كتابة العِلْم وتدوينه، فعندما خطب النبي ﷺ في فتح مكة، قام أبو شاه اليماني ، وهو رجلٌ من أهل اليَمَن، فقال: اكتبُوا لي يا رسول الله.

وقد سأل الأوزاعي: ما قوله: اكتُبوا لي يا رسول الله؟ قال: هذه الخُطْبة التي سَمِعَها من رسول الله ﷺ، .
وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قيِّدُوا العِلْم بالكِتابة)).
وروى رافع بن خديج رضي الله عنه حديثًا يقول فيه، قال: قلنا يا رسول الله، إنا نسمَعُ منكَ أشياءَ، أفنكتُبُها، قال: ((اكْتُبُوا ولا حَرَجَ))، ونحوه من حديث عبدالله بن عمرو مرفوعًا، وأسند الخطيب عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال لرجُلٍ من الأنصار لا يحفَظُ الحديث: ((استَعِنْ بيمينِكَ)).

وفي أحاديث عبدالله بن عمرو من مسند الإمام أحمد نجد أربع روايات صحيحة تُثبِتُ هذه الكتابة، منها قوله: كنت أكتُبُ كلَّ شيء أسمَعُه من رسول الله ﷺأريد حِفْظَه، فنهتْني قريش، فقالوا: إنك تكتُب كلَّ شيء تسمَعُه من رسول الله ﷺ ، ورسولُ الله ﷺ يتكلَّم في الغَضَب والرِّضا، فأمسكْتُ عن الكتاب، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((اكْتُبْ، فوالذي نفسي بيده ما خرَج منِّي إلَّا حَقٌّ))، وفي رواية: ((ما خَرَجَ منه إلَّا حَقٌّ))، وفي رواية ثالثة: ((فإنه لا ينبغي لي أن أقولَ في ذلِكَ إلَّا حقًّا))، وفي الأخيرة من الرِّوايات الصحيحة: ((…. فإنِّي لا أقول فيهما إلا حقًّا)).
وقد ورد عند أبي داود والترمذي، وأحمد في المسند بأسانيد صحيحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: “ليس أحد من أصحاب رسول الله ﷺأكثرَ حديثًا عن رسول الله ﷺ مني، إلَّا عبدالله بن عمرو، فإنه كان يكتُب، وكنت لا أكتُب”، وفي هذا دليل على أنه كان يكتُبُ كلَّ ما سمِعَه من النبي ﷺ ويقُوم بتدوينه، وهذه الرِّواية لم ينفرِد بها البخاري؛ بل ثبَتت أيضًا بأسانيدها الصحيحة المتصلة في سُنَن أبي داود والترمذي، ومسند أحمد، وهي ثابتة في صحيفة همام بن منبِّه التي نقلها مُشافهةً من سَماعِه لأبي هريرة، وقد بلغ عدد أحاديث صحيفة عبدالله بن عمرو ، ألفَ حديثٍ، وكان يُسمِّيها بالصادقة، وقد انتقلت إلى حفيده عمرو بن شعيب، وروى الإمام أحمد في مسنده جُزءًا كبيرًا منها؛ بل لربما استوعبها كاملةً في مسنده، وروى كذلك البخاري ومسلم بعضًا منها، وتناقَلَها أولادُه وذريَّتُه من بعده، ونالت جانبًا كبيرًا من الرعاية والحِفْظ والتداوُل والنَّقْل والدِّراسة ، والخلاصة : أن تدوين السنة النبوية بدأ فى حياة النبي ﷺ، وبأمر مباشر منه .

* هل إن ما نقرأه اليوم من أحاديث نبوية جاءت بمعنى وحكم ومضمون نبوي شريف الا انها بمبنى صاغه ونقله لنا الرواة والمحدثون انفسهم ، ام انها هكذا وردت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ؟

– اختلف العلماء في مسألة رِواية الحديث بالمعني إلى فريقين: فريق يرى أنَّه لا تجوز رِواية الحديث بالمعنى، وأنَّه ينبغي للرَّاوي تأدية الذي سمِعه بحروفه دون تدخُّل منه، وفريق يرى جوازَ ذلك بشروطٍ اختلفوا فيها اختلافًا بيِّنًا.
وقد استدلَّ كلُّ فريق بأدلَّةٍ عقليَّة ونقلية لتأييد مَذهبه، غير أنَّهم اتَّفقوا على أنه لا يجوز للجاهِل بمعاني المفردات والأساليب العربيَّة روايةُ الحديث على المعنى.
وخلاف العلماء في مَسألة الرواية بالمعنى، فيما قبل عصر التدوين، أمَّا بعد تدوين الحديث وكتابتِه في المصنَّفات، فلا خِلاف بين العلماء في عدم تجويزه.
قال ابن الصلاح: “ثُم إنَّ هذا الخلاف لا نراه جاريًا – ولا أجراه النَّاسُ فيما نعلمُ – فيما تضمَّنَته بُطون الكُتب، فليس لأحدٍ أن يُغيِّر لفظَ شيءٍ من كتابٍ مُصنَّفٍ، ويُثبت بدله فيه لفظًا آخر بمعناه؛ فإنَّ الرِّواية بالمعنى رخَّص فيها مَن رخَّص؛ لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجُمود عليها من الحرج والنَّصَب، وذلك غيرُ موجودٍ فيما اشتملَت عليه بطونُ الأوراق والكُتب، ولأنَّه إن ملك تغيير اللَّفظ، فليس يملكُ تغيير تصنيف غيره، والله أعلم؛ إذًا الكلام وخِلاف العلماء فيما قَبل التصنيف، أمَّا بعده، فلا ”
والراجح من قولي العلماء هو جواز الرواية بالمعنى ، قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة: “وأما الرواية بالمعنى فالخلاف فيها شهير، والأكثر على الجواز أيضًا ومن أقوى حججهم الإجماع على شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به. فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى ”

وروي عن الحسن البصري أنه قال ” ومن حجتهم كذلك أن الله تعالى قد قص من أنباء ما قد سبق قصصًا كرر ذكر بعضها في مواضع مختلفة بألفاظ مختلفة، والمعنى واحد ونقلها من ألسنتهم إلى اللسان العربي، وهو مخالف لها في التقديم والتأخير والحذف والزيادة ” ، وروي أيضا هذا القول عن الرامهرمزي .

ولكن ترجيح الرواية بالمعني مشروط بأن يكون الراوي عارفا بلغة العرب ، لئلا يبد لفظا يغير المعنى ، ويوهم غير المراد ، وأن لا يكون ذاكرا للفظ الحديث ، فإن كان ذاكرا للفظ الحديث لم تجز الرواية بالمعنى . والله أعلم .
يتبع …

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here