مثلما توقعت في مقالاتي السابقة : اليمين الشعبوي يفوز في بلدان أوروبية عديدة والحبل على الجرار..

مثلما توقعت في مقالاتي السابقة : اليمين الشعبوي يفوز في بلدان أوروبية عديدة والحبل على الجرار..

بقلم مهدي قاسم

أشرتُ في مقالات سابقة إلى احتمالات كبيرة في فوز اليمين الشعبوي في انتخابات أوروبية عديدة ، كرد فعل طبيعي على التمدد النيو الليبرالي ، ذي ثقافة وقيم انحطاطية مقرفة ومثيرة لغثيان حقا ، والتي بدأت بالتطرف الشرس إلى حد استهداف مدارس التلاميذ بهدف نشر ” ثقافة وقيم ” المثلية و البوديفيلية هناك ، والسخرية من مؤسسة الزواج التقليدية ذات جذور آلاف السنين و الدعوة الاستفزازية إلى هدمها ، فضلا عن احتقار مفهوم الأم و الأب ، كمفهوم عتيق انتهى زمانه وولى حسب تصورهم و يقينهم !!، على اعتبار أنه من الممكن أن يكون رجلين بمثابة أم و أب في آن واحد بين مثليين ، و كذلك بين أم أولى وأم ثانية غير حقيقيتين من بين سحاقيات !!..

أما ردة الفعل الثانية من قبل الشارع الأوروبي ميلا انتخابيا نحو الشعبوية اليمينية ، فقد تجسدت بالزحف للوافد المليوني نحو بأغلب بلدان أوروبية بثقافة وقيم متناقضة تماما مع القيم والثقافة الأوروبية المعتادة والقائمة على التعايش السلمي والقيم الإنسانية الضامنة حتى لحقوق الحيوان ، ناهيك عن حقوق الإنسان ، الأمر الذي أيقظ الهواجس والمخاوف في نفوس غالبية الأوروبيين من مخاطر هذا الزحف المليوني من ناحية زيادة نفوس هؤلاء الوافدين ، وخاصة من جهة عدم تنظيم مسألة الإنجاب عندهم ، الأمر الذي سيجعلهم في موقع الأغلبية الساحقة في غضون سنوات الثلاثين أو الخمسين القادمة ، عندها ــ كأغلبية برلمانية مطلقة ــ يستطيعون تغيير حتى مواد الدستور على نحو تثبيت قيمهم وثقافتهم الروحية والاجتماعية التي جلبوها معهم من بلادهم و بيئتهم السابقة ، رغم هروبهم من هناك بسبب هيمنة هذه القيم والثقافة الاجتماعية التي استغلها حكامهم في السلطة للهيمنة والبقاء لأطول مدة ممكنة ..

و بفضل يقظة الشارع الأوروبي ــ ولو بوتيرة بطيئة ــ تمكن اليمين الشعبوي من استلام السلطة في كل من هنغاريا والسويد و الآن في إيطاليا ربما تليها سلوفاكيا و بلدان أوروبية أخرى مرشحة أيضا ، بعد هيمنة الاشتراكيين الديمقراطيين ( المتحالفين دوما مع الليبرالية الجديدة إضافة إلى ” الخضر” ــ الذين أغلبهم لا يهمهم في حقيقة الأمر سوى الاشتراك في السلطة بغية الحصول على بعض مقاعد وزارية ) و الذين أخضعوا سياستهم في الحكم لخدمة مصالح أمريكا في العالم ، أكثر من خدمة مصالح بلدانهم ( مثلا التنسيق وشبه التماثل المطلق مع السياسة الأمريكية في ما يتعلق بالحرب الروسية ــ الأوكرانية ، إذ ففي الوقت الذي تتعرض اقتصاديات الاتحاد الأوروبي لأزمات الانكماش والتضخم وارتفاع مستوى المعيشة والطاقة بشكل لا مثيل له ، بسبب العقوبات الاقتصادية ضد روسيا ، ففي مقابل ذلك نجد الاقتصاد الأمريكي يتعافى و ينتعش ولا سيما سعر الدولار الذي في ارتفاع دائم ، مقابل تدني سعر يورو ــ فمثلا نلاحظ إن الإدارة الأمريكية تساعد أوكرانيا بالأسلحة على نحو هي التي تشتري تلك الأسلحة من مصانع الأسلحة الأمريكية ذاتها ؟!، بعشرات مليارات دولارات ، أي أنها نفس مليارات دولارات التي تخرج من الجيب الأيمن لتدخل في الجيب الأيسر عبر ضرائب عالية سواء على مصانع و شركات أو على أفراد عاملين ــ يعني ضرب عصفورين بحجر واحد ) ..

و لهذا فليس من مستغرب أن تقوم الصحافة ووسائل الإعلام الأمريكية و كذلك إعلام أحزاب الاشتراكية الدولية والليبرالية في سلطة الاتحاد الأوروبي بالتهديد و الهجوم على الأحزاب اليمينية الشعبوية التي تفوز بالانتخابات مثلما فعلت رئيسة لجنة الاتحاد الأوروبي ضد الإيطاليين قبل يومين ، بسبب كون هذه الأحزاب اليمنية تدعو إلى الاستقلالية السيادية و المصالح الوطنية عن المحور الأمريكي والتركيز على السياسة الداخلية بهدف التنمية الاقتصادية والاهتمام بالقيم الروحية و الأواصر العائلية التقليدية ودعم معيشة المواطن من ذوي الدخل المحدود ، حيث شعار أغلب هذه الأحزاب :

ـــ الوطن أولا ومصالح الشعب في الدرجة الأولى ..

وضمن هذا السياق أيضا فقد تعرض حزب ” فيدس ” المجري بقيادة رئيس الحكومة فيكتور أوربان أيضا لنفس الهجمة الإعلامية الشرسة ووصفه باليمين المتطرف تارة والشعبوي تارة أخرى و الديكتاتور الفاشي تارة ثالثة ، علما أنه أي ” حزب فيدس ” قد فاز في ثلاث دورات انتخابات متتالية و بأغلبية شبه مطلقة ومنذ 12 عاما و حتى الآن وهو في الحكم والسلطة ــ وقد أشادت البعثة الأوروبية بنزاهة الانتخابات الأخيرة التي جرت في في المجر قبل شهور حيث فاز فيدس بالأغلبية مرة أخرى ــ وسبب هذا الهجوم مثلما أسلفنا ــ أنه يكمن في كونه ـ أي فكتور أوربان ــ ينحو نحو الاستقلالية السيادية حتى عن سياسة بيروقراطي الاتحاد الأوروبي ـــ المنبطحين للسياسة الأمريكية انبطاحا مذلا و مثيرا للشفقة حقا !ــ ، لأنه يجد نفسه أمام سياسة بيروقراطية مفروضة فرضا من قبل الاتحاد الأوروبي والتي تتعارض مع إجراءات الحكومة المجرية الداعمة للأحوال المعيشية للمواطن وخاصة على صعيد الدعم الحكومي لفواتير الغاز والكهرباء والماء ، ناهيك عن مساعدة الشباب وإعفائهم من دفع الضرائب في بداية مسيرتهم الحياتية ، وكذلك العائلات المجرية الكبيرة والمكوّنة من عدة أطفال ،و السعي الدائم نحو تخفيض الضرائب عن عاتقها ..

بالطبع إلى جانب كل هذا لابد من إقرار بوجود مظاهر فساد بين آلية وأجهزة السلطة و التي يبدو لا مهرب منها في أغلب من بلدان العالم ، لا نقول هذا تبريرا ، إنما مجرد تأكيد على أنه حيث توجد السلطة كذلك توجد مظاهر الفساد بِاشكال و أنواع مختلفة أيضا ، وأغلبها مبطنة وتُمارس بشرعنة ذكية وشاطرة ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here