كيف نجعل حياتنا ادبا والادب حياة ؟

كيف نجعل حياتنا ادبا والادب حياة ؟ (*) د. رضا العطار

لم يقل احد ان غاندي كان اديبا. ولم يقل هو نفسه ذلك. ولكن حياته كانت ادبا عظيما اذا فهمنا ان العظمة الانسانية هي الموضوع الاول للأدب. وبرهان ذلك اننا نستطيع ان نؤلف قصة رائعة او قصيدة سماوية عن حياته يكون هو بطلها الذي يقتحم الافكار ويبني الانسانية ويلهم الامم ويخلق من الضعف قوة تحطم الاستعمار.

كانت حياة غاندي ادبا وفلسفة.

وكذلك الشأن في البرت شفايتزر صاحب جائزة نوبل.

والانسانيون العظماء في ايامنا صنفان:

صنف يحيى حياة الداعية المكافح الذي يحاول تغيير المجتمع البشري، فهو يكتب ويؤلف ويعمل ويغير . والانبياء من هذا الصنف. ولكن هناك انسانيين من غير الانبياء او بالأحرى هم طراز جديد من الانبياء، يحاولون تغيير المجتمع. مثل افلاطون وكارل ماركس وجان جاك روسو. ولا نكاد نسأل عن حياتهم الشخصية، لكننا نفاجئ بمذاهبهم الاجتماعية يهدفون من ورائها تحسين ظروفم الاقتصادية والاجتماعية.

وصنف آخر يحيى حياة القديسين، ينذرون انفسهم لعمل الخير العام ويجعل كل منهم شخصيته مثالا، ليس لهم برنامج لتغيير المجتمع، او اذا كان لهم ذلك فهو يتضاءل خلف حياتهم العظيمة.

ومن هؤلاء تولستوي وغوته واخناتون. واني حين اذكر تولستوي اكاد انسى انه كان له برنامج اجتماعي يحاول به تغيير معايش الناس. وانما تلفت ذهني حياته وشخصيته، فأذكره وهو خلف المحراث يحاول ان يكون فلاحا، يكد ويعرق مثل الفلاحين. واذكره حتى في علاقانه الزوجية وهو يحاول يتقشف في شهواته. وانا احبه في كل هذه المجهودات الانسانية التي فشل فيها جميعا اكثر مما احبه لقصصه الخالدة.

وكذلك تروعني حياة غوته اكثر مما تروعني مؤلفاته فإنه جاء الى هذه الدنيا وبنى شخصيته، بناها بالحب والعلم والادب والثقافة والسياسة.

وكذلك الفرعون اخناتون، احبه لشئ واحد هو انه كان (الشخصية) الأولى في التاريخ الانساني اذ رفض الايمان بالألهة، واعلن استقلاله الروحي. وحطم الاصنام وآمن بآله واحد. اني احبه لأنه رفض الخضوع للتقاليد والعادات السائدة في زمانه. أنه استقل وفكر وجابه. واعلن وجاهر. ولم يبالي بالكهنة ولم يبالي بالخاصة او العامة.

وكذلك الشأن في البرت شفايتزر. فان حياته وليست برامجه هي موضوع اعجابي. وذلك انه اختار الحياة التي شاء ان يحياها. وهذه كلمات تبدو تافهة ولكن على القارئ ان يتأمل حياته وغيرها من الناس، فانه عندئذ واجد انهم لا يختارون حياتهم وانما يختارها لهم المجتمع الذي ينصب لهم الهدف. وعليهم ان يبلغوه. ولكن شفايتزر رفض الجري وراء الهدف الاجتماعي. رفض ان يحيى الحياة الاوربية الناعمة المتمدنة. رفض ذلك كله والتحق بكلية الطب في جامعة باريس وبعد تخرجه منها غادر بلاده الى افريقيا. كي يشفي جراح الزنوج المتقيحة التي انزلها بهم الاستعمار الاوربي والتقاليد الافريقية السوداء. واهبا طيلة حياته للأنسانية المعذبة.

وقد احب المسيحية وعمل بمبادئها ولكنه كره غيبياتها، فنقب عنها وكشف عن زيفها واحب الدنيا والخير والانسان والحيوان. وتمعق الثقافة البشرية وعرف ظلامها ونورها وآمن بالأنسان وبالحب. وهو لذلك قدوة عظيمة لكل منا يجب ان ينبهنا حتى لا يغفو ضميرنا ونستسلم للنوم.

هؤلاء هم ادبنا الحي الذي يروح ويغدو، يعلم ويهذب.

* مقتبس من كتاب مقالات ممنوعة، للموسوعي سلامه موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here