عندما تصنع من الوهم حقيقة:

بقلم ( كامل سلمان )

يقال ان جحا ( أسطورة فكاهية )دخل قرية وهو جائع متأملًا ان يحصل على الطعام والماء من اهل القرية ، فتفاجأ بسكان اهل القرية يعانون الجوع والعطش ، فأراد ان يلعب واحدة من الاعيبه فأخبر اهل القرية بوجود الطعام والشراب والخيرات خلف التلة المجاورة للقرية ، فهرع الناس جميعا الى التلة وبقى جحا لوحده متسائلا : هل يمكن ان يكون ذلك صحيحا ؟ فقرر ان يتبعهم ، وهو بذلك صدق الكذبة التي هو اختلقها ، هذه القصة الخيالية لها مصداقية في واقع مجتمعنا سواء أكان في حاضر مجتمعنا ام في تأريخه ،، معظم القصص والرويات التي ورثناها ابتداءا من قصص الف ليلة وليلة وانتهاءا بالقصص الخيالية التي يزخر به تراثنا مرورا بسوالف ( السعلوة و الطنطل) ، فكل شيء عندنا قابل للتعظيم والتبجيل وقد يكون اساسه الوهم او الخيال ، واما حاضرنا فهو الطامة الكبرى … في حرب الخليج الثانية ، العالم كله شاهد كيف ان الجيش العراقي يشد رحال العودة والهزيمة امام قوات التحالف ، ثم يخرج الينا ناطق حكومي ليزف لنا البشرى بانتصار الجيش العراقي وهزيمة قوات التحالف دون ذرة حياء .. بعد سقوط نظام الحكم العراقي في ٢٠٠٣ على يد القوات الامريكية ومن تحالف معها يخرج الينا من كان يمني النفس بإنه معارض لصدام حسين ليصرح أمام الملأ بأن المعارضة العراقية هي من اسقطت نظام حكم صدام حسين ، ثم يوثقون كلامهم ليكون سند تأريخي ثابت ، وعشرات الأكاذيب والاوهام يحاولون ان يصدقونها هم اولا ثم يفرضونها كواقع حال على الناس ، يجمعون مجموعة حجارة مع قطع قماش اخضر في مكان منعزل عن المدينة ليدعون هذه قطارة علي ابن ابي طالب او هذا ضريح بنت الحسن او ما شابه ذلك ، ثم يسندون ادعاءهم ليصدقها الناس … هذا هو واقع حال مجتمعاتنا ، لقد ابتلينا بهم بلوة ومع كل كذبة تجد الملايين يصدقونها ويرددونها بل هم واثقون منها وكأنهم رأوها بأم أعينهم ، مثلما يريدون ان نصدق الاكاذيب التي نسمعها كل يوم ، اذا كان هذا واقع حال حاضرنا فكيف يكون نوع الكذب الذي دس في ماضينا .. هل ترى تخلفنا وتناقض سلوكياتنا وانحطاط مستوى التفكير عندنا جاء صدفة ؟
لم اعد قادرا على تصديق اي حدث تأريخي او رواية او كلام مر عن طريق اكثر من شخص بل وحتى عن طريق شخص واحد لا اعرف عنه اي شيء ،، والله اننا لمظلومون حقا ان تتلاعب بنا اوهام اناس هم انفسهم كذبوا على انفسهم مثلما فعل جحا ، وتصبح اوهامهم لها قدسية وتفرض علينا عنوة لا لكي نصدقها بل لنتخذها منهاجا لحياتنا وحياة ابناءنا شئنا ام ابينا خلافا لكل منطق عقلي واخلاقي .. لم اعد اتحمل ما أسمع من خلال مثقفينا وكتابنا ووسائل التواصل الاجتماعي واعلامنا وهم يدورون في حلقة مفرغة مع مجموعة بسيطة من الافكار والمفاهيم وهي تتكرر مئات المرات وكأن الدنيا وقفت عند هذا الحد … لم اعد ارغب مجالسة والاستماع الى كل هذا اللغو الذي يغزو مجتمعاتنا من كراهية ومذهبية واحقاد وجهل وطقوس خرافية وتقليد اعمى في الموظة وفي الدين وفي السياسة وحتى في التفكير ، فهل تريدوننا ان نتلهف الى الحياة البدائية وحياة الكهوف وحياة انسان النيدرتال ، فإنها والله في عيني لأجمل الف مرة من حياة التدافع الديني والعشائري و الطائفي والحزبي المتخلف واللصوصية العلنية المخزية الذي اصبح هو حال واقعنا المر ….. في الوقت الحالي نحن لا نشعر بأضرار هذه الاوهام ونتائجها السلبية لأننا اساسا مجتمع غير منتج بل مجتمع استهلاكي حابانا الله بالنفط والخيرات فلم نكن نشعر بحاجتنا الى العمل والانتاج ، لذلك نكتفي بأن نستورد ونأكل وننام ونمارس طقوس التجهيل اليومية ويكذب بعضنا على بعض ، غاضين الطرف عن المجتمع الذي انشطر الى نصفين ، نصف يتقاتل من اجل الاستحواذ على هذه النعمة والسلطة ونصف يعيش الخيال والاوهام وينتج القصص والروايات الخيالية ، وكلا النصفين هو نتاج طبيعي للتخلف الذي صاحبنا منذ فجر التأريخ ولن يفارقنا لأننا نحن لا نريد مفارقته رغم اننا نرى العالم والمجتمعات بأم أعيننا تتسابق مع ناصية العلم ونحن نتسابق لنثبت أينا أكثر جهلا ودموية وتخلفا … حتى الاوهام اصبحت لها مؤسسات خاصة ووعاظ ومبشرين ، وهذا شيء طبيعي ، فماذا نتوقع من السيء ان ينتج شيء غير السيء ،، مع هذه المآسي التي يعيشها الناس نتفاجأ حين نرى الملايين من ابناء ملتنا الذين لا يمتلكون قوت يومهم نراهم مشغولين في اظهار عيوب المجتمعات المتقدمة و هي نفسها ( اي هذه الملايين ) تنسى جوعها و تتحدث عن الفقر الذي سيصيب العالم المتقدم نتيجة ضلالتهم و عدم سلوكهم نفس طريقة مجتمعاتنا في التفكير والايمان ، بل هم على قناعة تامة بأن الله سيجنبهم شر ذلك اليوم ، مع العلم ان شر ذلك اليوم الذي يشغل عقولكم يا أبناء مجتمعاتنا الطيبة انتم تعيشون أسوأه في الوقت الحاضر وأنتم الان ضحية للفقر والحرمان والجهل والتخلف في اقذر حالاتها ولا يميزكم شيء عن حياة الدواب فقط بشيء واحد هو ان الدواب اصبحت لها منفعة للناس و انتم لم يعد لكم اي نفع ، تتحدثون عن الظلم الذي يعيشه العالم الحر و عن العبودية و عن الانحراف عند الاخرين و لا تكلفون انفسكم ولو للحظة ان تنظروا الى احوالكم والعبودية المقيتة التي تعيشونها ، والله لقد احترنا امام كل هذا وذاك ،، فأين المفر ؟
بقلم ( كامل سلمان )
يقال ان جحا ( أسطورة فكاهية )دخل قرية وهو جائع متأملًا ان يحصل على الطعام والماء من اهل القرية ، فتفاجأ بسكان اهل القرية يعانون الجوع والعطش ، فأراد ان يلعب واحدة من الاعيبه فأخبر اهل القرية بوجود الطعام والشراب والخيرات خلف التلة المجاورة للقرية ، فهرع الناس جميعا الى التلة وبقى جحا لوحده متسائلا : هل يمكن ان يكون ذلك صحيحا ؟ فقرر ان يتبعهم ، وهو بذلك صدق الكذبة التي هو اختلقها ، هذه القصة الخيالية لها مصداقية في واقع مجتمعنا سواء أكان في حاضر مجتمعنا ام في تأريخه ،، معظم القصص والرويات التي ورثناها ابتداءا من قصص الف ليلة وليلة وانتهاءا بالقصص الخيالية التي يزخر به تراثنا مرورا بسوالف ( السعلوة و الطنطل) ، فكل شيء عندنا قابل للتعظيم والتبجيل وقد يكون اساسه الوهم او الخيال ، واما حاضرنا فهو الطامة الكبرى … في حرب الخليج الثانية ، العالم كله شاهد كيف ان الجيش العراقي يشد رحال العودة والهزيمة امام قوات التحالف ، ثم يخرج الينا ناطق حكومي ليزف لنا البشرى بانتصار الجيش العراقي وهزيمة قوات التحالف دون ذرة حياء .. بعد سقوط نظام الحكم العراقي في ٢٠٠٣ على يد القوات الامريكية ومن تحالف معها يخرج الينا من كان يمني النفس بإنه معارض لصدام حسين ليصرح أمام الملأ بأن المعارضة العراقية هي من اسقطت نظام حكم صدام حسين ، ثم يوثقون كلامهم ليكون سند تأريخي ثابت ، وعشرات الأكاذيب والاوهام يحاولون ان يصدقونها هم اولا ثم يفرضونها كواقع حال على الناس ، يجمعون مجموعة حجارة مع قطع قماش اخضر في مكان منعزل عن المدينة ليدعون هذه قطارة علي ابن ابي طالب او هذا ضريح بنت الحسن او ما شابه ذلك ، ثم يسندون ادعاءهم ليصدقها الناس … هذا هو واقع حال مجتمعاتنا ، لقد ابتلينا بهم بلوة ومع كل كذبة تجد الملايين يصدقونها ويرددونها بل هم واثقون منها وكأنهم رأوها بأم أعينهم ، مثلما يريدون ان نصدق الاكاذيب التي نسمعها كل يوم ، اذا كان هذا واقع حال حاضرنا فكيف يكون نوع الكذب الذي دس في ماضينا .. هل ترى تخلفنا وتناقض سلوكياتنا وانحطاط مستوى التفكير عندنا جاء صدفة ؟
لم اعد قادرا على تصديق اي حدث تأريخي او رواية او كلام مر عن طريق اكثر من شخص بل وحتى عن طريق شخص واحد لا اعرف عنه اي شيء ،، والله اننا لمظلومون حقا ان تتلاعب بنا اوهام اناس هم انفسهم كذبوا على انفسهم مثلما فعل جحا ، وتصبح اوهامهم لها قدسية وتفرض علينا عنوة لا لكي نصدقها بل لنتخذها منهاجا لحياتنا وحياة ابناءنا شئنا ام ابينا خلافا لكل منطق عقلي واخلاقي .. لم اعد اتحمل ما أسمع من خلال مثقفينا وكتابنا ووسائل التواصل الاجتماعي واعلامنا وهم يدورون في حلقة مفرغة مع مجموعة بسيطة من الافكار والمفاهيم وهي تتكرر مئات المرات وكأن الدنيا وقفت عند هذا الحد … لم اعد ارغب مجالسة والاستماع الى كل هذا اللغو الذي يغزو مجتمعاتنا من كراهية ومذهبية واحقاد وجهل وطقوس خرافية وتقليد اعمى في الموظة وفي الدين وفي السياسة وحتى في التفكير ، فهل تريدوننا ان نتلهف الى الحياة البدائية وحياة الكهوف وحياة انسان النيدرتال ، فإنها والله في عيني لأجمل الف مرة من حياة التدافع الديني والعشائري و الطائفي والحزبي المتخلف واللصوصية العلنية المخزية الذي اصبح هو حال واقعنا المر ….. في الوقت الحالي نحن لا نشعر بأضرار هذه الاوهام ونتائجها السلبية لأننا اساسا مجتمع غير منتج بل مجتمع استهلاكي حابانا الله بالنفط والخيرات فلم نكن نشعر بحاجتنا الى العمل والانتاج ، لذلك نكتفي بأن نستورد ونأكل وننام ونمارس طقوس التجهيل اليومية ويكذب بعضنا على بعض ، غاضين الطرف عن المجتمع الذي انشطر الى نصفين ، نصف يتقاتل من اجل الاستحواذ على هذه النعمة والسلطة ونصف يعيش الخيال والاوهام وينتج القصص والروايات الخيالية ، وكلا النصفين هو نتاج طبيعي للتخلف الذي صاحبنا منذ فجر التأريخ ولن يفارقنا لأننا نحن لا نريد مفارقته رغم اننا نرى العالم والمجتمعات بأم أعيننا تتسابق مع ناصية العلم ونحن نتسابق لنثبت أينا أكثر جهلا ودموية وتخلفا … حتى الاوهام اصبحت لها مؤسسات خاصة ووعاظ ومبشرين ، وهذا شيء طبيعي ، فماذا نتوقع من السيء ان ينتج شيء غير السيء ،، مع هذه المآسي التي يعيشها الناس نتفاجأ حين نرى الملايين من ابناء ملتنا الذين لا يمتلكون قوت يومهم نراهم مشغولين في اظهار عيوب المجتمعات المتقدمة و هي نفسها ( اي هذه الملايين ) تنسى جوعها و تتحدث عن الفقر الذي سيصيب العالم المتقدم نتيجة ضلالتهم و عدم سلوكهم نفس طريقة مجتمعاتنا في التفكير والايمان ، بل هم على قناعة تامة بأن الله سيجنبهم شر ذلك اليوم ، مع العلم ان شر ذلك اليوم الذي يشغل عقولكم يا أبناء مجتمعاتنا الطيبة انتم تعيشون أسوأه في الوقت الحاضر وأنتم الان ضحية للفقر والحرمان والجهل والتخلف في اقذر حالاتها ولا يميزكم شيء عن حياة الدواب فقط بشيء واحد هو ان الدواب اصبحت لها منفعة للناس و انتم لم يعد لكم اي نفع ، تتحدثون عن الظلم الذي يعيشه العالم الحر و عن العبودية و عن الانحراف عند الاخرين و لا تكلفون انفسكم ولو للحظة ان تنظروا الى احوالكم والعبودية المقيتة التي تعيشونها ، والله لقد احترنا امام كل هذا وذاك ،، فأين المفر ؟
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here