ثقافة الشعب والمعارضة الرجعية !

ثقافة الشعب والمعارضة الرجعية ! * د. رضا العطار

الرجعية هي في لبابها دعوة الى حل المشكلات الاجتماعية بالعقائد الموروثة الجامدة، بدلا من التفكير الحر المبتكر. ففي مجتمع رجعي يعيش الفرد وهو خاضع في بيته ومجتمعه لألوان من العادات القديمة وكأنها شعائر دينية، يجب الاّ تُخالف. وهذه الحالة تنتهي به الى ان يخضع في تفكيره لقواعد وسنن يجب الا يناقضها بل يجب الا يتحدث عما يخالفها اذا خطرت له.

والرجعي يلجأ عادة الى الدين فيستند اليه في تحريم القراءة لهذا الكتاب او منع البحث لهذا الموضوع. فالكنيسة الكاثولوكية مثلا كانت تحرم على المؤمنين 100 كتاب

لا يجوز ان يقرؤوها. وقد كانت هذه الكنيسة تأمر قبل ثلاثة قرون باحراق الكتب التي لا تحب.

ومما يذكر عن جريدة التايمس التي تقرؤها الطبقة الثرية في انجلترا انها كانت تقاطع كلمة (سفلس) حتى الى عام 1916 . لأن هذه الكلمة اسم لمرض زهري. والتي تجد التايمس كثيرين من قراؤها مصابين بهذا المرض الجنسي، يتجنبون ذكر هذه الكلمة التي ربما يقعون فيه، فان التايمس كانت تجاريهم في هذا النفاق.

فاذا كان رجال الدين رجعيين، كان لزاما على الحكومات ان تنشر الثقافة وتبيح التفكير الحر وان تحيل هذا التخلف الى تجديد وانتهاض. ولكن اذا كانت الحكومة نفسها رجعية فان التجديد والانتهاض يحتاجان الى جهد عظيم قد يعجز عنهما هذا المجتمع. لأن بذرة التجديد وروح النهضة يحاربان من قبل ازلام النظام انفسهم.

والناس يتنفسون بعقولهم كما يتنفسون برئاتهم وهم يحتاجون الى حركة الفكر كما يحتاجون الى حركة الهواء كي يصحوا وينتعشوا. ولكنهم ايضا يعتادون الافكار المحبوسة كما يعتادون الهواء المحبوس، وعندئذ يمرضون فيفقدون صحة الجسم والعقل. فلكي تنمو اذهاننا و نربي انفسنا بالثقافة البشرية العامة يجب ان نعيش في جو حر يكفل حريته وتصونها حكومة عصرية مستنيرة تعلم انه ليس في الطبيعة قرار، وان كل ما فيها يتغير.

والحكومات الرجعية تحرق الكتب وتضع الغرامات الباهظة على كل من يرغب في انشاء جريدة او مجلة، وجعلت للصحفيين والكتاب عقوبات صارمة خاصة على ما ينشرونه. ولا يمكن شابا في مثل هذه الظروف ان يربي نفسه لأنه لن يجد الكتب الحرة النزيهة التي تهذب ولن يجد الصحف الحرة التي تنير.

في عام 1887 اقترح الطبيب سيسمون استخدام مادة الكلورفورم في التخدير للتخفيف من آلام الولادة الصعبة، لكن رجال الدين اعترضوا على ذلك بهدف الحيلولة دون استخدامه. بحجة ان الله قال لحوراء (بالوجع تلدين اولادك) فكيف يمكن ان تتوجع المرأة اذا كانت تحت تأثير المخدر ؟

يقول الفيلسوف براند رسل في كتاب – الدين والعلم – ان التلقيح ضد الجدري قد اثار عاصفة من اعتراضات رجال الدين في فرنسا قديما، متصدين بالهجوم على جامعة سوربون على اساس لاهوتي الذي قال واعظا : ان قروح نبي الله ايوب ترجع دون شك الى ان الشيطان قام بتلقيحه وان عملية التلقيح تعتبر محاولة لتدليس حكم الله.

اني حين اقارن بين الشعوب العربية التي رزخت تحت الاستعمار وتعذبت به سنين، وبين الشعوب العربية الاخرى التي لم تعرف الاستعمار بل عاشت (مستقلة) اجد ان كلمة النهضة تنطبق على تلك الشعوب التي أذلها الاستعمار ولكنه في الوقت نفسه بعث فيها حركات ناهضة بالاتصال بالثقافة الاوربية الحديثة فاستطاعت ان تتخلص من بعض تقاليدها البالية وتحيا الحياة العصرية، وفي الهند كانت المرأة تُحرق مع زوجها المتوفي، لكن هذه الجريمة الوطنية منعت مع بدأ الاستعمار البريطاني لها .

واما الشعوب العربية (المستقلة) فلا تزال مقيدة بتقاليدها. تأسن في رجعيتها وتخشى الثقافة وتجهل الدستور وتمقت الديمقراطية الى جانب رفضها لحقوق المرأة.

ويستطيع المرء ان يستنتج ان رجعية الشرق عند ابنائه لا تنقص في استبدادها عن استعمار الغرب لهم بل هي احيانا اسوء من ذلك بكثير.

* مقتبس من كتاب (التثقيف الذاتي) للموسوعي سلامه موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here