برج خليفة والملوية!!

لا أدري لماذا ما أن وجدتني قبالة برج خليفة في دبي , حتى حضرت الملوية , وتساءلت هل أنه من إبداع مهندس عراقي وإحترت بالأمر , فالبرج عبارة عن ملوية مشطورة إلى نصفين , وتحقق ربط النصفين بتوصيلات لو ألغيتها لتبين البرج أقرب إلى الملوية!!
ولا غرابة في الأمر فالملوية تحقق تمثلها في جامع أبي دلف في سامراء , وجامع إبن طولون في مصر , وشاهدتها في أعلى برج لكنيسة في الدنيمارك , وفي اليابان وجدت فندقا على شاكلتها , وفي قطر رأيت ما يشبهها , ولم أجد لها أثرا في معالم الأندلس.
ويبدو أن العديد من البنايات المعاصرة أخذت تستمد شكلها منها , فأصبحنا نشاهد بعض البنايات المتمثلة لفكرتها.
وربما تكون فكرة المنحنيات مأخوذة منها في العمارة الحديثة , فآليات الإلتواء بعكس عقارب الساعة , فكرة هندسية ألمعية , من الصعب التعبير عنها حتى في واقعنا التقني المعاصر , لأنها تمنح البناء حيوية وكأنها تبعث فيه الحركة , فهو ساكن لكنه يبدو وكأنها في حالة إنطلاق إلى المطلق البعيد.
فالإلتواء رمز للطاقة المخزونة , ويشعرك بأن حركة ما ستحصل , فحالما تنظر إلى المعمار الملتوي تتوهم بأن هناك إستنهاض وشحذ للهمة , وحث على التوثب وإستجماع الطاقات لتأكيد الحركة والإنطلاق.
فلا غرابة أن يستمد برج خليفة فكرته من الملوية , وأظن أي برج يتباهى بالسموق والعلاء لابد له أن يعبر عن إرادة الإلتواء , ليكون في حالة من التفاعل مع فضاءات شاسعة الإمتداد.
ربما يقول قائل , أنك تماديت في الكتابة عن الملوية , والحقيقة مهما كتبنا عنها فلن نوفيها , ولن نتوصل إلى ما في رأس مصممها , وما أراد التعبير عنه والرمز إليه , فهي ليست مجرد بناء , وإنما مختصر لفلسفة دولة وجوهر دين , ورسالة للأجيال , يراد بها التذكير بأن الإنسان عليه أن يتسلق بإرادته إلى مصيره المحتوم , لا أن يتدحرج فوق التراب , بل أن يبذل جهدا ويتسامق ليكون , وكذلك الأوطان والدول والقوى , فالتدحرج عاهة , والتسلق والتسامق هما الصراط الموصل إلى حسن الختام وسواء السبيل.
فعلينا أن نجد ونجتهد , ونرتفي كل يوم حتى نصل لقمة وجودنا فوق الترب , وننطلق بأرواحنا في آفاق الأكوان الرحبة الفيحاء.
فهل سنتسلق لنكون؟
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here