مصطفى الكاظمي…أزمة تلد أزمات 

في انتظار تبلور الوضع بعد المظاهرات التي يعتزم جمهور الإطار التنسيقي الداعية لتشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات ليس أمام مصطفى الكاظمي غير التسويف والعمل على كل ما من شأنه إطالة الأزمة فالأكيد أن ذلك أفضل ما يستطيع عمله في هذه المرحلة العصيبة التي تمر فيها المنطقة والعالم.
تبدو خطوة رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي المتمثلة بالدعوة الى حوار وطني والتهديد بأن البلاد ستحترق إذا تم تشكيل الحكومة الجديدة دون مشاركة التيار الصدري ، خطوة مدروسة في هذه الظروف الدقيقة التي يمرّ فيها العراق المهم جداً في استقرار المنطقة والعالم . تثبت هذه الخطوة أنّ الكاظمي، على الرغم من أنّ حكومته في وضع الحكومة المستقيلة، مصرّ على أن يكون رئيسا للوزراء لدورة ثانية عبر استخدام أسلوب إطالة الأزمة وإطلاق حوار يلد حواراً عقيماً لايغني ولايسمن من جوع بينما البلاد تحترق خصوصاً في الجنوب .
يظلّ أهمّ ما في دعوة الكاظمي التي أيدتها مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت ، هو توقيتها . بينما يأتي التهديد الذي جاء بغطاء التحذير ليعيد الى الأذهان تهديدات مماثلة أطلقتها بلاسخارت والسفير البريطاني السابق ونظيره الأمريكي قبل الانتخابات المبكرة الماضية ، عندما توعدوا العراقيين بأمن منهار هش ، تماماً كما يشهده الوضع الأمني بعد تلك الانتخاباتر، خصوصاً في مدن الجنوب . فيما “التيار الصدري” مصمّم على متابعة سياسته في زعزعة هذا الأمن الهش أكثر من أي وقت مضى ، في محافظة البصرة النفطية تحديداً ، من أجل التغطية على الأحداث التي تشهدها “العاصمة بغداد” وفرض أجندته . تعتبر هذه الأحداث الأكثر اتساعاً من نوعها منذ الانتخابات المبكرة في العام الماضي.
ليس اضطرار “صالح محمد العراقي” ، إلى الإدلاء بدلوه والحديث مباشرة عن الصفحات والحسابات في العالم الافتراضي التي قال إنها لاتمثل التيار الصدري ، سوى دليل على مدى خطورة الأساليب التي يتبعها التيار لزعزعة الوضع الأمني وجر البلاد للفوضى . من الواضح أنّ وزير الصدر الافتراضي ما كان ليتطرّق إلى الأمر لولا إدراكه أنّ الغضب الشعبي ضد الصدر بعد اقتحام مجاميع من التيار الصدري لقناة تلفزيونية محسوبة على الاطار ، وسرقة محتوياتها ، في غاية الجدّية.
لا شكّ أن شخصا مثل مصطفى الكاظمي يعرف تماماً أنه على المحكّ. يفهم خصوصاً معنى إحاطة بلاسخارت في هذه الظروف بالذات في وقت أشاد بها مقتدى الصدر مرحباً بمفردة “الحوار” وفق محددات منه تبدو تعجيزية مشيداً بالمبعوثة الاممية بينما هو يوجه انتقادات لممثل بلاده لدى الأمم المتحدة.
أبدى الصدر استعداده للحوار لكنه اشترط أن يكون علنياً ومن أجل “إبعاد” كل المشاركين في العمليات السياسية والانتخابية السابقة ومحاسبة الفاسدين.
قال متجاهلاً دور التيار البارز في الحكومات المتعاقبة وهيمنته على الحكومة الحالية برئاسة الكاظمي : “العراق يمر بأسوأ فتراته بسبب الفساد وهيمنة أحزابه على السلطة … وأنصح مجلس الأمن بعدم الاستماع إلى ما أدلى به ممثل العراق الدائم (محمد حسين بحر العلوم) في هذا الجلسة والذي كانت كلمته تجانب الصواب في أغلب ما تضمنته مع شديد الأسف”.واختتم الصدر بيانه بالقول “أشكر ممثلة الأمم المتحدة على ما أدلت به وأنصحها بالاستمرار على مواقفها المحايدة وعدم انحيازها إلى طرف دون آخر”.
من هنا تبدو دعوة الكاظمي للحوار وهو يمسك مسطرة بلاسخارت إشارة إلى وجود حسابات عراقيّة داخليّة منفصلة إلى حدّ كبير عن الحسابات الدولية .
كما تعكس الخطوة رغبة بلاسخارت في معالجة الوضع الداخلي العراقي بعيداً عن طموحات الغالبيتين ؛ المجتمعية والسياسية ، اللتين تتعارضان مع طموحات جزء هو التيار الصدري، يرى في العراق مجرّد جرم صغير يدور في فلكه المنسجم مع ماتريدهالمبعوثة الأممية.
في ظلّ هذه المعطيات وما نتج عن أداء الكاظمي السيء منذ توليه رئاسة الوزراء من تداعيات خطيرة على الوضع الأمني ، يمكن التساؤل : هل ينجح الكاظمي في تحقيق مكاسب لصالح بقائه طويلًا في منصبه بدعوته لحوار غير متكافيء يعرقل تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات؟! . قد يكون السؤال الأكثر دقة : هل سيرضخ الاطار التنسيقي له لتحقيق أي مكاسب فردية وللتيار ، في ظلّ فساد كبير و تردي أمني خطير ووضع داخلي في غاية التعقيد والخطورة في الوقت ذاته ؟
يبقى أنّ إصرار رئيس حكومة تصريف الأعمال على البقاء في منصبه تعبير عن وضع مصالحه ومصالح التيار الصدري فقط فوق مصالح العراق ومصالح الأغلبية الشعبية التي انتخبت قوى ائتلاف “إدارة الدولة” الذي قيل إنه اتفق على تشكيل حكومة لا يترأسها الكاظمي قبل الحديث عن الانتخابات المبكرة . لكن اللافت في الأمر غياب أي توجه إيجابي من المبعوثة الأممية للتعاطي مع الواقع العراقي ، كما هو ، وأخذ العلم بأن أكثرية المواطنين ترفض فكرة الوصاية الدولية.
سيظل الوضع الأمني والاجتماعي والاقتصادي في غاية السوء مع مضي سنة كاملة على الانتخابات المبكرة ، التي أجريت في العاشر من تشرين الأوّل – أكتوبر 2021. كانت تلك الانتخابات التي شهدت تلاعبًا غير مسبوق ، نقطة تسجل في غير مصلحة حكومة مصطفى الكاظمي التي جيء بها لانجاز الانتخابات المبكرة فأخفقت فيها ، ولإخراج القوات الأمريكية الذي لم يتحقق . لكنّ منذ الانتخابات التي أخرجت التيار الصدري منتصراً والذي أعلن عن مشروع حل الحشد الشعبي ونزع سلاح فصائل المقاومة ، ما زال البلد يتخبّط في مشاكل فاقمتها قرارتُ الكاظمي ولا يزال هو يحاول التسويف . الأكيد أنّ ليس في الإمكان أن يعيش العراقيون على سياسة التسويف والقرارات الارتجالية المتفلتة كالسلاح المنفلت الذي يغض الكاظمي الطرف عنه. تعني هذه السياسة بين ما تعنيه عجزاً عن الاعتراف بوجود أزمة اسمها بقاء الكاظمي أصلاً بإشراف أميركي دولي ، كي ينتقل العراق من أزمة إلى أخرى.
• نجاح محمد علي هو صحفي استقصائي مستقل من العراق يكتب عن قضايا السياسة والمجتمع وحقوق الإنسان والأمن والأقليات. ظهرت أعماله في BBC العربي والفارسي ، و RT Arabic ، وقناة العربية ، وقناة الجزيرة ، و رأي اليوم ، و القدس العربي ، و انترناشيونال بوليسي دايجست ، من بين العديد من المنافذ الإعلامية الأخرى.
خبير في الشؤون الايرانية والإقليمية
لمتابعته على تويتر @najahmalii
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here