بمناسبة المولد النبوي الشريف: الذكرى والاحتفال (ح 1)

الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله تعالى عن نبيه الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم انه لعلى خلق عظيم “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ” (القلم 4)، و ما ينطق عن الهوى “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ” (النجم 3-4)، رحيم رقيق القلب “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ” (ال عمران 159)، عادل ومستقيم “فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ” (الشورى 115)، حكيم ومعلم ” رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (البقرة 129)، نور لمتبعيه “هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ” (الحديد 9).

جاء في موقع حفريات: ذهب بعض الباحثين والدارسين إلى أنّ من ابتدأ فكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي، وأول من جعل ذكرى مولد النبي الكريم، عيداً يُحتفل به على نطاق الدولة والمجتمع، هم بنو عبيد القداح الفاطميون، نسبة إلى جدهم ابن ديصان المعروف بالقداح، مولى جعفر بن محمد الصادق. البعض يوغل في التاريخ الإسلامي، ويعيد إنتاج إجابة سؤال أول من احتفل بذكرى المولد النبوي إلى العصر النبوي، وإلى النبي الكريم نفسه، من خلال قوله صلى الله عليه وسلم (هذا يوم ولدتُ فيه)، في إجابة له صلى الله عليه وسلم، حول اختياره ليوم الإثنين لصيامه. ويذكر الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه “حسن المقصد في عمل المولد” أنّ أول من احتفل بالمولد بشكل كبير ومنظم هو حاكم أربيل في شمال العراق الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين، والذي قال عنه السيوطي وابن كثير: أنه أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون. وذكر ابن خلكان أنّ أحد أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، قدم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بأربيل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي فعمل له كتاب التنوير في مولد البشير النذير، وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار وهذا مما نقله السيوطي في كتابه سالف الذكر. ثمة علماء ومحدثون كثيرون من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين، ممن أجازوا الاحتفال بالمولد النبوي، فمن هؤلاء المتقدمين الإمام السيوطي، في قوله: (عندي أنّ أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف). ومنهم ابن الجوزي، الذي اعتبر أنّ من خواص المولد النبوي أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام، ومنهم شيخ الإمام النووي، أبو شامة حيث قال: (ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور). ومن المتأخرين، شيخ الأزهر حسنين محمد مخلوف، ومن علماء تونس محمد الفاضل بن عاشور الذي قال قولاً مشهوراً في كتابه ومضات فكر (إنّ ما يملأ قلوب المسلمين في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول كل عام من ناموسِ المحبة العُلوي، وما يهزّ نفوسهم من الفيض النوراني المتدفق جمالاً وجلالاً، ليأتي إليهم محمّلاً من ذكريات القرون الخالية بأريج طيب ينمّ عما كان لأسلافهم الكرام من العناية بذلك اليوم التاريخي الأعظم، وما ابتكروا لإظهار التعلّق به وإعلان تمجيده من مظاهر الاحتفالات، فتتطلع النفوسُ إلى استقصاء خبر تلك الأيام الزهراء والليالي الغراء؛ إذ المسلمون ملوكاً وسوقةً أي عامتهم يتسابقون إلى الوفاء بالمستطاع من حقوق ذلك اليوم السعيد). ومنهم محمد متولي الشعراوي، ومحمد سعيد رمضان البوطي، الذى رأى فيه أنه نشاط اجتماعي يبتغي منه خير دينيّ، فهو كالمؤتمرات والندوات الدينية. أما الذين عارضوا فكرة الاحتفال بالمولد النبوي، فأولهم ابن تيمية الذي اعتبر أي موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب أو عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو الثامن من شوال، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها. وقال الشاطبي في معرض ذكره للبدع المنكرة (ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد واتخاذ يوم ولادة النبي عيداً). ومنهم محمد بن إبراهيم آل الشيخ: وعبد العزيز بن باز؛ حيث قال: (الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بدعة لا تجوز في أصح قولي العلماء)، ومحمد ناصر الدين الألباني، قال: (هذا الاحتفال أمرٌ حادث)، ومحمد بن صالح العثيمين. فكل ما حول ذلك من جدل و سياقات معرفية وشكلانية، خاضع للرأي والاجتهاد، إلا أنّ المهم والحقيقي هو في سؤال القدرة على الخروج من نسق الشكل والتقليد في “المولد النبوي” كفعالية دينية أكثر ما تشتمل عليه أن تجتمع المدائحية والمناقبية بالحلاوة والطعام، إلى نسق أكثر صلابة وجدية مستمد من قوله تعالى في آل عمران – 164 “لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here