بمناسبة المولد النبوي الشريف: الذكرى والاحتفال (ح 2)

الدكتور فاضل حسن شريف

كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يتعامل مع رعيته بالليونة والحياء ليكون درسا لكل متسلط غشوم ظالم. عن أنس بن مالك قال: إنّ النبي صلّى الله عليه وآله أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة حتّى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد أثرت به حاشية الرداء من شدّة جبذته، ثمّ قال له: يا محمّد مرّ لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله فضحك وأمر له بعطاء. وحتى قبل استشهاده صلى الله عليه وآله وسلم كان يوصي بالرقيق الايماء بالتعامل معهم باللين والقول الحسن وإطعامهم وهو القائل (الصّلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، ألبسوا ظهورهم وأشبعوا بطونهم وألينوا لهم القول). قال الله تبارك وتعالى “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ” (ال عمران 159).

جاء في موقع عريق عن المولد النبوي يوم مولد النبي محمد صلى الله عليه و سلم: من المتأخرين: محمد الطاهر بن عاشور شيخ جامع الزيتونة ومن أبرز علماء المالكية، أيّد الاعتناء بيوم المولد النبوي في قوله: (فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْمَوَاقِيتِ الْمَحْدُودَةِ اعْتِبَارًا يُشْبِهُ اعْتِبَارَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ الْمُتَجَدِّدِ، وَإِنَّمَا هَذَا اعْتِبَارٌ لِلتَّذْكِيرِ بِالْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ الْمِقْدَارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: “وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ” (ابراهيم 5)، فَخَلَعَ اللَّهُ عَلَى الْمَوَاقِيتِ الَّتِي قَارَنَهَا شَيْءٌ عَظِيمٌ فِي الْفَضْلِ أَنْ جَعَلَ لِتِلْكَ الْمَوَاقِيتِ فَضْلًا مُسْتَمِرًا تَنْوِيهًا بِكَوْنِهَا تَذْكِرَةً لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لِأَجْلِهِ سُنَّةَ الْهَدْيِ فِي الْحَجِّ، لِأَنَّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ابْتَلَى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ وَأَظْهَرَ عَزْمَ إِبْرَاهِيمَ وَطَاعَتَهُ رَبَّهُ وَمِنْهُ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ الْمُوَافِقِ لِيَوْمِ وِلَادَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجِيءُ مِنْ هَذَا إِكْرَامُ ذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبْنَاءِ الصَّالِحِينَ وَتَعْظِيمِ وُلَاةِ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَائِمِينَ مَقَامَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْمَالِهِمْ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ). حسنين محمد مخلوف شيخ الأزهر، حيث قال: (إن إحياء ليلة المولد الشريف وليالي هذا الشهر الكريم الذي أشرق فيه النور المحمدي إنما يكون بذكر الله وشكره لما أنعم به على هذه الأمة من ظهور خير الخلق إلى عالم الوجود، ولا يكون ذلك إلا في أدب وخشوع وبعد عن المحرمات والبدع والمنكرات. ومن مظاهر الشكر على حبه مواساة المحتاجين بما يخفف ضائقتهم، وصلة الأرحام، والإحياء بهذه الطريقة وإن لم يكن مأثورا في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ولا في عهد السلف الصالح إلا أنه لا بأس به وسنة حسنة). محمد الفاضل بن عاشور من علماء تونس البارزين، في قوله: (إن ما يملأ قلوب المسلمين في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول كل عام من ناموسِ المحبة العُلوي، وما يهزّ نفوسهم من الفيض النوراني المتدفق جمالا وجلالا، ليأتي إليهم محمّلا من ذكريات القرون الخالية بأريج طيب ينمّ عما كان لأسلافهم الكرام من العناية بذلك اليوم التاريخي الأعظم، وما ابتكروا لإظهار التعلّق به وإعلان تمجيده من مظاهر الاحتفالات، فتتطلع النفوسُ إلى استقصاء خبر تلك الأيام الزهراء والليالي الغراء؛ إذ المسلمون ملوكاً وسوقةً أي عامتهم يتسابقون إلى الوفاء بالمستطاع من حقوق ذلك اليوم السعيد). محمد الشاذلي النيفر، شيخ الجامع الأعظم في تونس، في قوله: (وَأَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ حَجَر وَالسّيُوطِيِّ أَنَّ اللَّـهَ أَوْجَبَ عَلَيْنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ مَحَبَّتِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْنَا تَعْظِيمَ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وَمِنْ ذَلِكَ تَعْظِيمُ يَوْمِ مَوْلِدِهِ بِالاحْتِفَالِ بِهِ بِمَا يُجِيزُهُ الشَّرْعُ الكَرِيمُ). محمد متولي الشعراوي، حيث قال: (وإكرامًا لهذا المولد الكريم فإنه يحق لنا أن نظهر معالم الفرح والابتهاج بهذه الذكرى الحبيبة لقلوبنا كل عام وذلك بالاحتفال بها من وقتها). المبشر الطرازي، شيخ علماء التركستان: حيث قال: (إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف أصبح واجبًا أساسيًا لمواجهة ما استجد من الاحتفالات الضارة في هذه الأيام).

جاء في موقع نون عن الاحتفال بالمولد النبوي حول العالم الإسلامي طقوس متنوعة وهدف واحد للكاتب عماد عنان: وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ.. وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ”، لم تكن كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي في حب المصطفى عليه السلام سوى تجسيد لحالة العشق الأبدي لصاحب المقام المحمود والحوض المورود واللواء الممدود، ومن ثم كان يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم حدثًا استثنائيًا في تاريخ البشرية، له مكانته الغالية في نفوس المسلمين في شتى أركان المعمورة. فيما يتعلق بخيمة المولد التي تعد أحد أبرز طقوس الاحتفال بهذا اليوم عند المصريين، فتعود إلى السلطان قايتباي (1416-1496)، فحينما تحل الليلة الكبيرة من الاحتفال بالمولد يقيم السلطان بالحوش السلطاني خيمة في القلعة ذات أوصاف خاصة تسمى خيمة المولد، وقيل في وصف هذه الخيمة أنها زرقاء اللون على شكل قاعدة في وسطها قبة مقامة على أربعة أعمدة. يتميز المصريون بجانب الحلوى والخيم والزينة إقامة مجالس الذكر والإنشاد الديني في مئات المساجد المصرية خاصة تلك التي تنتمي إلى الطرق الصوفية، حيث تصدح المآذن بأعذب القصائد والأشعار في حب النبي وآل بيته رضوان الله عليهم أجمعين، وتتحول شوارع مصر وميادينها إلى ما يشبه الفرح الكبير الذي يجمع المصريين جميعًا. تتخذ مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في تركيا صورًا متعددة، منها أن يحتشد الآلاف في عدد من الميادين على رأسها ميدان زيتون بورنو بمدينة إسطنبول في احتفاليات تتخللها الأهازيج والمدائح النبوية، إضافة إلى الإكثار من قراءة القرآن الكريم وتبادل التهاني والتبريكات بين الأصدقاء بشتى الطرق. تتنوع مظاهر الاحتفال بالمولد في تونس ما بين حلقات الذكر والإنشاد الديني والابتهالات، بالإضافة إلى وجبة العصيدة التي يعدها التونسيون خصيصًا لهذه الذكرى العطرة، التي يدخل الصنوبر كمكون أساسي لها، كما تنبعث روائح البخور من معظم البيوت التونسية كأحد مظاهر الاحتفال بهذا اليوم. وعن طقوس الأسر الجزائرية في هذا اليوم، فلا يكاد يخلو بيت جزائري من بعض الأكلات الشهيرة والمعدة على وجه الخصوص لهذه الذكرى منها الرشتة والشخشوخة والتريدة، وتتجمع الأسر ليلا لاحتساء الشاي وأكل الحلوى كأحد الطقوس المحورية للاحتفال. أما في المغرب فيطلقون على مناسبة المولد النبوي الميلودية، ولهم في الاحتفال بها قصائد وأشعار، فمع حلول شهر ربيع الأول تنطلق الاحتفالات والطقوس التي اعتاد الشعب المغربي على إحيائها، على رأسها عقد دروس المساجد بعد صلاة المغرب في السيرة النبوية وسير الصحابة وفضائل الرسول على المسلمين، كذلك حلقات الإنشاد الديني والمدح، تحت رعاية الطرق الصوفية هناك. وأسريًا يحرص المغاربة على شراء الملابس الجديدة للأطفال بهذه المناسبة إضافة إلى إعداد بعض الأطعمة لهذا اليوم على رأسها أكلتهم الشهيرة الكسكسي مع الفراخ على الطريقة المغربية، فضلاً عن صنع بعض أنواع الحلوى. وفي كل ولاية من ولايات السودان تحدد مع حلول شهر ربيع الأول أماكن مخصصة لهذه الاحتفالات يطلق عليها ميادين المولد وتحظى العاصمة الخرطوم بعدد كبير من الميادين التي تقام فيها هذه الاحتفالية خاصة مدينة أم درمان التي تشرع الطرق الصوفية في تسيير زفة المولد النبوي الشريف بها بدءًا من ود نوباوي لتشمل شوارع وأحياء أم درمان إلى أن تصل إلى ساحة المولد وحوش الخليفة. وللسودانيون داخل منازلهم طقوس أخرى في هذه الاحتفالات، تكسوها مظاهر الكرم وحسن الضيافة، حيث تقدم العائلات السودانية للمارة العصائر والتمر وتفتح أبوابها لاستضافة الجميع تعبيرًا عن الفرح بذكرى مولد المصطفى. يستقبل الفلسطينيون ذكرى ميلاد النبي بما يسمى “العدّة” وذلك بقرع الطبول وحمل الرايات وترديد الابتهالات الدينية التي تعود لزمن القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي (532 – 589 هجريًا/ 1138 – 1193ميلاديًا) فعندما فتح بيت المقدس، جاء بهذه الرايات والطبول. وتتميز مدينة نابلس بإحيائها مثل هذه المناسبات بطقوس صوفية منذ عشرات السنين، وهو ما يميزها عن باقي محافظات الضفة الغربية في هذه الأيام من السنة، حيث تمتلئ شوارع المدينة بالزينة وعبارات التهئنة، فيما يتسابق أصحاب المحال التجارية إلى توزيع الحلوى على أبواب محالهم، مذكرين المارة بالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. تشهد بعض دول الخليج صورًا مختلفة من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، غير أن معظمها يأتي في صورة إقامة دروس دينية وخطب ومحاضرات وبعض حلقات الإنشاد، تتمحور أغلبها حول سيرة النبي عليه السلام ومعجزاته والدروس المستفادة من حياته صلى الله عليه وسلم. وتنتشر هذه الطقوس في عدد من دول الخليج كقطر والإمارات وسلطنة عمان والكويت، بينما في المملكة العربية السعودية فالأمر مرفوض تمامًا باعتباره وفق آراء علمائهم من البدع التي لا يجوز الاحتفال بها بأي طريقة كانت، غير أن هذا لا يعفي أن البعض يعقد دروسًا ومحاضرات عن فضل النبي ومكانته.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here