بمناسبة المولد النبوي الشريف: الذكرى والاحتفال (ح 3)

الدكتور فاضل حسن شريف

من أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم ورد أنه: لم يكن شيء أبغض إليه من الكذب، وكريم الشمائل. وكان يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين. كانت كتاباته صلى الله عليه وآله وسلم الى ملوك زمانه تتميز بروح النبوة. ورد أن النبي كتب إلى هوذة صاحب اليمامة، فاشترط لإسلامه أن يجعل له النبي شيئاً، فرفض وبقي هوذة على الكفر. وكتب إلى المنذر العبدي أمير لبحرين، فأسلم وحسن إسلامه.

ومن معاجزه صلى الله عليه وآله وسلم معرفته بأسرار الناس واخبارهم بما فيهم وهي من الغيبات. عن عليّ عليه السلام، قال: (قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم: يأتيني غداً تسعة نفر من حضرموت، فيسلم منهم ستة نفر، ولا يسلم ثلاثة. فوقع في قلوب أناس كثير، فقلت أنا أصدّق الله ورسوله: هو كما قلت يا رسول الله. فقال: أنت الصدّيق الأكبر، ويعسوب المؤمنين، وإمامهم ترى ما أرى، وتعلم ما أعلم، وأنت أول المؤمنين إيماناً، ولذلك خلقك ونزع منك الشك والضلال، وأنت الهادي الثاني، والوزير الصادق. فلمّا أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقعد في مجلسه وأنا عن يمينه، أقبل تسعة رهط من حضرموت، حتّى دنوا منه صلى الله عليه وآله وسلم، فسلّموا عليه، فردّ عليهم السلام، فقالوا: يا محمد ، اعرض علينا الإِسلام. فعرض عليهم، فأسلم الستة ولم يسلم ثلاثة، وانصرفوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للثلاثة: أمّا أنت يا فلان فستموت بصاعقة من السماء، وأما أنت يا فلان فيضربك أفعى في موضع كذا وكذا، وأما أنت يا فلان فإنّك تخرج في طلب إبلك فيستقبلك أناس من كذا فيقتلونك. فوقع في قلوب كثير من الناس، فقلت: صدق الله ورسوله، لا يتقدمون ولا يتأخرون عمّا قلت فقال صلى الله عليه وآله وسلم: صدّق الله قولك، ولا زلت صدوقاً. فأتى لذلك ما أتى، فأقبل الستة الذين أسلموا فوقفوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لهم: ما فعل أصحابكم؟ فقالوا: والَّذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما جاوزوا ما قلت ، وكلٌّ مات بما قلت، وإنّا جئناك لنجدّد الإِسلام، ونشهد أنك رسول الله، وأنك الأمين على الأحياء والأموات).

جاء في موقع عريق عن المولد النبوي يوم مولد النبي محمد صلى الله عليه و سلم: المولد النبوي أو مولد الرسول هو يوم مولد رسول الله محمد بن عبد الله والذي كان في 12 ربيع الأول أو 17 ربيع الأول حيث يحتفل به المسلمون في كل عام في بعض الدول الإسلامية ليس باعتباره عيدًا بل فرحة بولادة نبيهم رسول الله محمد بن عبد الله. حيث تبدأ الاحتفالات الشعبية من بداية شهر ربيع الأول إلى نهايته، وذلك بإقامة مجالس ينشد فيها قصائد مدح النبي، ويكون فيها الدروس من سيرته، وذكر شمائله ويُقدّم فيها الطعام والحلوى، مثل حلاوة المولد. ل عدة في العالم بذكرى النبي محمد حيث تعد هذه المناسبة عطلة رسمية في عدة دول على سبيل المثال: فلسطين، العراق، الجزائر، المغرب، السودان، سوريا، مصر، ليبيا، الأردن تونس، الإمارات، الكويت وسلطنة عمان واليمن. تاريخ الاحتفال بالمولد: يرجع المسلمون الذين يحتفلون بالمولد النبوي بداية الاهتمام بيوم مولد رسول الله إلى النبي محمد نفسه حين كان يصوم يوم الاثنين ويقول (هذا يوم وُلدت فيه)، وحسب أبو شامة، فإن الملاء هو أوّل من اعتنى بشكل منظم بالاحتفال بالمولد. فيما يذكر الإمام السيوطي أن أول من احتفل بالمولد بشكل كبير ومنظم هو حاكم أربيل في شمال العراق حاليًا الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين، والذي وثقه علماء السنة بأقوالهم: بحسب الأستاذ حسن السندوبي فإنّ الفاطميين هم أوّل من احتفل بذكرى المولد النبوي الشريف، كما احتفلوا بغيره من الموالد الدورية التي عُدت من مواسمها. وفي سنة 488 هـ تحت خلافة المستعلي بالله أمر الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي بإبطال الاحتفال بالموالد الأربعة وهي المولد النبوي ومولد الإمام علي ومولد السيدة فاطمة الزهراء ومولد الإمام الفاطمي الحاضر. وقد وصف الدكتور عبد المنعم سلطان في كتابه عن الحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي الاحتفالات آنذاك فقال: اقتصر احتفال المولد النبوى في الدولة العبيدية الفاطمية بعمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات، أما الاحتفال الرسمى فكان يتمثل في موكب قاضى القضاة حيث تُحمل صوانى الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخليفة حيث تلقى الخطب، ثم يُدعى للخليفة، ويرجع الجميع إلى دورهم. كان أول من احتفل بالمولد النبوي بشكل منظم في عهد السلطان صلاح الدين، الملك مظفر الدين كوكبوري، إذ كان يحتفل به احتفالاً كبيرًا في كل سنة، وكان يصرف في الاحتفال الأموال الكثيرة، والخيرات الكبيرة، حتى بلغت ثلاثمئة ألف دينار، وذلك كل سنة. وكان يصل إليه من البلاد القريبة من أربيل مثل بغداد، والموصل عدد كبير من الفقهاء والصوفية والوعّاظ، والشعراء، ولا يزالون يتواصلوا من شهر محرم إلى أوائل ربيع الأول. وكان يعمل المولد سنة في 8 ربيع الأول، وسنة في 12 ربيع الأول، لسبب الاختلاف بتحديد يوم مولد النبي محمد.فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيءًا كثيرًا وزفّها بالطبول والأناشيد، حتى يأتي بها إلى الميدان، ويشرعون في ذبحها، ويطبخونها. فإذا كانت صبيحة يوم المولد، يجتمع الناس والأعيان والرؤساء، ويُنصب كرسي للوعظ، ويجتمع الجنود ويعرضون في ذلك النهار. بعد ذلك تقام موائد الطعام، وتكون موائد عامة، فيه من الطعام والخبز شيء كثير. كان لسلاطين الخلافة العثمانية عناية بالغة بالاحتفال بجميع الأعياد والمناسبات المعروفة عند المسلمين، ومنها يوم المولد النبوي، إذ كانوا يحتفلون به في أحد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان، فلمّا تولى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة قصر الاحتفال على الجامع الحميدي. فقد كان الاحتفال بالمولد في عهده متى كانت ليلة 12 ربيع الأول يحضر إلى باب الجامع عظماء الدولة وكبرائها بأصنافهم، وجميعهم بالملابس الرسمية التشريفية، وعلى صدورهم الأوسمة، ثم يقفون في صفوف انتظارًا للسلطان. فإذا جاء السلطان، خرج من قصره راكبًا جوادًا من خيرة الجياد، بسرج من الذهب الخالص، وحوله موكب فخم، وقد رُفعت فيه الأعلام، ويسير هذا الموكب بين صفين من جنود الجيش العثماني وخلفهما جماهير الناس، ثم يدخلون الجامع ويبدأون بالاحتفال، فيبدؤوا بقراءة القرآن، ثم بقراءة قصة مولد النبي محمد، ثم بقراءة كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي، ثم ينتظم بعض المشايخ في حلقات الذكر، فينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي. وفي صباح يوم 12 ربيع الأول، يفد كبار الدولة على اختلاف رتبهم لتهنئة السلطان. سلاطين المغرب الأقصى يهتمون بالاحتفال بالمولد النبوي، لا سيما في عهد السلطان أحمد المنصور الذي تولى الملك في أواخر القرن العاشر من الهجرة، وقد كان ترتيب الاحتفال بالمولد في عهده إذا دخل شهر ربيع الأول يجمّع المؤذنين من أرض المغرب، ثم يأمر الخياطين بتطريز أبهى أنواع المطرَّزات. فإذا كان فجر يوم المولد النبوي، خرج السلطان فصلى بالناس وقعد على أريكته، ثم يدخل الناس أفواجاً على طبقاتهم، فإذا استقر بهم الجلوس، تقدم الواعظ فسرد جملة من فضائل النبي محمد ومعجزاته، وذكر مولده. فإذا فرغ، بدأ قوم بإلقاء الأشعار والمدائح، فإذا انتهوا، بُسط للناس موائد الطعام.

جاء في موقع الأناضول عن المولد النبوي في المغرب طقوس احتفالية لافتة: إن المساجد والزوايا بدورها تحيي المولد النبوي من خلال ترديد المدائح والأشعار التي تتغنى بخصال النبي وتعظيمه، بالإضافة إلى التزيين، حيث لا يستقيم الاحتفال إلا بالإضاءة. موكب الشموع الذي ينطلق من ضريح بن حسون خلال ذكرى المولد النبوي، الأمر يرجع في اعتقادنا إلى العلاقة التي كانت تربط السلطان أحمد المنصور الذهبي بوليّ مدينة سلا سيدي عبد الله حسون. تقليد الشموع مقتبس من التقاليد العثمانية، نقله السلطان أحمد المنصور الذهبي من إسطنبول التي عاش فيها ردحًا من الزمن. ومهرجان موكب الشموع، هو تقليد سنوي مغربيّ، يجوب شوارع المدينة القديمة في سلا، المحاذية للعاصمة الرباط، وصولًا إلى ساحة الشهداء وسط المدينة، تتخلله عروض فرق تقليدية مغربية وأجنبية من دول عربية وإفريقية، مردّدين أهازيج المديح النبوي وحركات صوفية. في مدينة فاس، حيث تستيقظ النساء قبل بزوغ الفجر، ويصعدن إلى سطوح المنازل ويبدأن بإطلاق الزغاريد وأهازيج الصلاة على النبي. مائدة الفطور الصباحي تكون مختلفة عن الأيام الأخرى، يتوسطها طبق “العصيدة، ومتنوعة بقدر إمكانية الأسر، بالإضافة إلى ارتداء الملابس الجديدة خاصة لدى الأطفال. تبتدئ الطقوس الأمازيغية بشرب ملعقة العسل الدافئ صباحًا مع ترديد عبارة بالأمازيغية تعني العسل، العسل يا رسول الله. الأسرة تباشر بإنشاد قصيدتي البُردة والهمزية للإمام البوصيري، بعدها تعدّ الأطباق الخاصة بهذه المناسبة والتي يكون العسل مكوّنًا رئيسيًا فيها. الاحتفال يتضمّن زيارة بعض الزوايا التي تحتفي بمولد خير الأنام، عبر ترديد المدائح والقصائد التي تتغنى بفضائل النبي، سواء في فجر العيد أو ليلة الذكرى. يتم استقبال الذكرى بارتداء جديد الملابس للأطفال والجلابيب التقليدية للكبار، أن المولد النبوي صار عيدًا يوازي في قيمته عيدَي الفطر والأضحى. الاحتفال بالمولد النبوي مناسبة لتجديد الصلة بالنبي الكريم والتذكير بوصاياه للمسلمين وفضله على العالمين الأجمعين، أنه احتفال محمود ومرغوب ما دام ينبني على المقاصد المذكورة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here