“لا أستطيع قتل أي شخص”.. قصص شباب روس هربوا من “تجنيد بوتين”

الالاف من الروس يغادرون البلاد بعد أمر التعبئة

أثارت التعبئة الجزئية “الفوضوية” التي أعلنها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ضجة وسخطا داخل روسيا ودفعت العديد من الرجال للهروب من البلاد، رفضا للحرب أو خوفا من السجن، بينما تشير تقارير إعلامية لمشكلات تتعلق بـ”التجنيد العدواني والتدريب السيء وانخفاض الروح المعنوية” بين الجنود الروس.

وفي 21 سبتمبر، أعلن بوتين تعبئة “جزئية” للقتال في أوكرانيا، وتشمل رسميا 300 ألف من جنود الاحتياط الذين يتمتعون بخبرة عسكرية أو بمهارات ذات صلة.

وأدت أول تعبئة لروسيا منذ الحرب العالمية الثانية، بعد أن عانت قواتها من هزائم كبيرة في ساحة المعركة في أوكرانيا، إلى استياء واسع النطاق وأجبرت آلاف الرجال على الفرار إلى الخارج.

وأكدت السلطات الروسية أن تعبئة 300 ألف عنصر احتياط تشمل فقط “الأشخاص الذين لديهم خبرة عسكرية”، لكن تم تسجيل عدد كبير من حالات استدعاء لأشخاص من كافة الأعمار في جميع أنحاء البلاد.

ومنذ إعلان بوتين التعبئة الإلزامية، غادر ما يقدر بنحو 261 ألف رجل في سجن التجنيد البلاد، وفقا لصحيفة “نوفايا غازيتا” الروسية المستقلة.

شاشة تروج للجيش الروسي بموسكو في 4 أكتوبر 2022

وتحدثت مجلة “بوليتيكو” مع سبعة رجال روس، يعارضون الحرب وكان عليهم الاختيار من بين “الهروب وترك البلاد وعائلاتهم خلفهم” أو “التخطيط للهروب مستقبلا”، أو التعويل على “عدم استدعائهم بين جنود التعبئة الجزئية”.

وتقدم وجهات نظر هؤلاء” لمحة عن الخسائر التي تلحقها حرب بوتين بالروس العاديين ولا سيما أولئك الذين يختلفون مع خط الكرملين”، حسب “بوليتيكو”.

وضع “يائس”

مثل العديد من الروس ، لم يهتم رومان البالغ من العمر 44 عاما، كثيرا بالسياسة، فهو يعمل في مجال الاتصالات بموسكو، وكان يصب تركيزه على “عائلته وحياته المهنية”.

وعندما أعلن بوتين عن التعبئة العسكرية الجزئية، تلقى رجال إخطارات التجنيد ليواجه رومان مصيرا من اثنين أما “خطر الموت خلال الحرب في أوكرانيا”، أو السجن لمدة 10 سنوات بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية، فكان البديل الآخر الوحيد هو “محاولة الفرار من البلاد”.

يقول رومان: “هؤلاء الناس لا يفرون من الحرب، ولا يخشون الموت، لكنهم يفرون من هذا الوضع (اليائس)”، مضيفا “لا أريد أن أقتل أحدا بلا سبب”.

ويتحدث رومان عن “الحرب المدمرة في أوكرانيا”، قائلا:” كنت أعلم أن هذه كانت نهاية روسيا”، مشيرا إلى أنه “قرر الهروب إلى أرمينيا في 27 سبتمبر”.

ويسرد رومان تفاصيل ذلك اليوم، قائلا: “ذهبت إلى المنزل وعانقت أطفالي وودعتهم كان الأمر صعبا حقا، حزمت وتوجهت إلى المطار الذي كان مكتظا بالمسافرين الذين كان معظمهم من الرجال في سن التجنيد”.

ويستطرد: “كنت أسافر مع مجموعة من الرجال المحترفين الناجحين الذين بكوا مثل الفتيات الصغيرات لأنهم أجبروا على ترك عائلاتهم”.

وفي اليوم التالي، وصل رومان إلى العاصمة الأرمينية يريفان، ليشعر أخيرا بالحرية لأول مرة منذ وقت طويل، على حد تعبيره.

وهناك بدأ رومان التخطيط لمستقبل أفضل لعائلته خارج روسيا، قائلا: “قلت لزوجتي أن تبيع كل ما في وسعها، وتأخذ الأطفال وتنضم إلي، سأقبل أي وظيفة، أريد فقط أن يكبر أطفالي بحرية”.

تعبئة “غير آمنة”

أما ميخائيل الرجل البالغ من العمر 39 عاما، فقد خطط للفرار عند بدء التعبئة الجزئية، لكنه لم يستطيع “تحمل حياة الفقر والعيش كلاجئ خارج روسيا” فاختار البقاء.

ويقول ميخائيل: “إذا جاء المجندون العسكريون من أجلي، فإنني أفضل الذهاب إلى السجن أو الموت طواعية في ساحة المعركة بدلا من قتل شخص آخر”.

وينحدر ميخائيل من عرقية تسمى “الياكوت” ذات الأصول التركية والتي تعيش في جمهورية سخا التابعة للاتحاد الروسي، ويقول: “منذ الحقبة السوفيتية يتم معاملتنا كسكان مستعمرة، وتم قمع هويتنا العرقية، وعندما كان والداي صغيرين، تم منعهم من التحدث بلغة الياكوت في الأماكن العامة”.

وعندما أصدر بوتين قرار التعبئة الجزئية، لم يتوقع ميخائيل أن يشمله ذلك، لأنه يعاني من “ارتفاع ضغط الدم”، مما أعفاه من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية بعد التخرج من الجامعة في وقت سابق.

ويقول: “افترضت أنها آمنة (التعبئة)، لكن العديد من الرجال في ياكوتسك تلقوا إشعارات بالتجنيد رغم عدم امتلاكهم أي خبرة عسكرية”، مضيفا “عندما ذهبوا إلى المكتب المختص لتوضيح ما اعتقدوا أنه سوء فهم، تم نقلهم إلى الحرب”.

ويتحدث عن فرار العديد من أبناء ياكوتسك خارج البلاد، مضيفا “قررت مغادرة البلاد أيضا قبل أن أتراجع عن قراري”.

ويقول: “إذا تم استدعائي، فسوف أخبرهم أنني أدعم أوكرانيا وأعتقد أن روسيا دولة معتدية ولن أقاتل، وقد يتم إرسالي إلى السجن بسبب هذا”، مضيفا “أفضل الذهاب إلى السجن على المشاركة في الحرب، وأفضل الموت على قتل أي شخص”.

دولة فاشية

أما سيرغي البالغ من العمر 44 عاما والمنحدر من مدينة سانت بطرسبرغ، فيقول “تركت روسيا لأنني فقدت كل أمل”، مضيفا “بعد اندلاع الحرب في فبراير، أرسلت أنا وزوجتي ابننا الأكبر إلى تبليسي في جورجيا، وخططنا للانضمام إليه لاحقا”.

ويرى سيرغي أن روسيا تتحول إلى “دولة فاشية”، بعد دعاية تطالب بـ”قتل الأوكرانيين”.

وبعد التعبئة الجزئية قرر مغادرة روسيا، قائلا: “لم يكن الذهاب إلى الحرب والقتال ضد الأوكرانيين خيارا، ولم أكن أرغب في الذهاب إلى السجن أيضا”.

ويسرد في حديثه لمجلة “بوليتيكو”، تفاصيل هروبه من روسيا حتى تمكن من الوصول إلى جورجيا لينضم لعائلته في 30 سبتمبر”، قائلا: “إنه لأمر رائع أن أكون حرا أخيرا”.

عنصرية داخل الجيش الروسي

أما عمر الرشيد البالغ من العمر 43 عاما والذي ينحدر من جمهورية داغستان، فيرى أن “المشاكل الروسية أعمق بكثير من بوتين”.

ويقول: “أنا مسلم ولدت ونشأت في محج قلعة (عاصمة داغستان)، انضممت سابقا للجيش الروسي وشقيقي أيضا وتعرضنا هناك لمواقف عنصرية من باقي الجنود الروس”.

ويتحدث عن الإهانات العنصرية التي تعرض لها خلال الخدمة العسكرية، مشيرا إلى “تكرار الأمر ذاته مع باقي رجال داغستان”، وعندما تشاجر مع ضابط قام بإهانته تعرض للسجن لمدة نصف عام.

ويقول: ” بعد فترة وجيزة من مغادرة السجن، اشتبك روسي آخر معي وانتهى بي الأمر بالسجن لمدة ثلاث سنوات بسبب ذلك، وينتهي الأمر بالعديد من الداغستانيين الذين يخدمون في الجيش في السجن بهذه الطريقة”.

ويتطرق في حديثه إلى “الحشد الموسع للرجال في داغستان للانضمام للجيش، ما دفع البعض للهروب بينما قاوم آخرين من خلال الاحتجاجات”.

ويقول: “لا يجيز الإسلام القتل غير المشروع أو المشاركة في الحروب الظالمة، ولذلك لن أشارك في تلك الحرب”.

تعبئة فوضوية

أما كونستانتين كونكوف الشاب البالغ من العمر 22 والمنحدر من موسكو، فيتحدث عن “فوضوية التعبئة ومحاولة مجندين إجباره على توقيع مسودة إشعار للاستدعاء للقتال”، قائلا: “أنا طالب، من المفترض أن تعفيني من التعبئة”.

ويتحدث بافل البالغ من العمر 39 والمنحدر من مدينة سامارا الروسية، عن “حرب لا معنى لها سيخسرها بوتين في النهاية”، مضيفا “لقد غادرت روسيا لأنني لا أنوي الموت في هذه الحرب، أو في السجن بسبب احتجاجي على التجنيد العسكري”.

ويقول: “لدي عائلة وأطفال ولا أرغب في الموت بهذه الطريقة التي لا معنى لها، ولذلك قررت مغادرة البلاد”.

ويتحدث عن تفاصيل يوم مغادرته حتى وصوله إلى كازاخستان، ويشير إلى “هروب رجال متعلمين وأذكياء من روسيا بسبب التعبئة”.

ويقول: “كان بإمكانهم جميعا (الروس الهاربين) المساهمة في نمو الاقتصاد الروسي، ولكن الآن سيعمل كل شخص على تحسين دولة أخرى”.

ويضيف: “من هنا (كازاخستان)، أخطط للذهاب إلى كوريا الجنوبية أو تركيا للعمل المؤقت لكسب بعض المال، لدفع تكاليف نقل عائلتي من روسيا والحياة في الخارج”.

نقطة تحول

ويشير رومان البالغ من العمر 23 عاما والمنحدر من مدينة فولغوغراد، إلى “نقطة تحول في حياته بعد الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا”.

ويقول: “لقد قلبت الحرب حياة الكثير من الأشخاص الذين أعرفهم وغادروا البلاد في غضون يوم من إعلان بوتين التعبئة”، مضيفا “لقد أعفتني مشكلاتي الصحية من الخدمة العسكرية الإلزامية بعد الكلية، ولكن إذا أصبحت (العملية العسكرية) حربا رسمية ، فلن تحميني مشكلاتي الصحية من التجنيد”.

ويضيف: “كثير من الرجال فروا من البلاد، وهناك أشخاص يقاومون عبر الاحتجاجات، وآخرين يحرقون مكاتب التجنيد، والآن أحاول جني ما يكفي من المال وسوف أغادر البلاد”.

تجنيد عدواني وتدريب سيء

توفي 14 جنديا روسيا، حتى قبل الوصول إلى الخطوط الأمامية للقتال، لأسباب تشمل “الانتحار والنوبات القلبية في المعارك وأمراض غامضة أخرى”، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية الناطقة بالروسية “بي بي سي روسيان“.

وتوفي الجنود حديثي العهد في غضون أسابيع من إعلان بوتين التعبئة، وأعلنت منطقة تشيليابينسك، الخميس، مقتل خمسة جنود من مفوضية عسكرية واحدة، وفقا لتقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية.

وذكرت تقارير، السبت، أن أربعة آخرين لقوا حتفهم في منطقة كراسنويارسك وحدها، وقال أفراد عائلات بعض الرجال الذين لقوا حتفهم إنهم “تلقوا وعودا للتدريب لمدة شهرين قبل إرسالهم إلى الخطوط الأمامية”.

وكان أندريه نيكيفوروف، المحامي من سان بطرسبرغ، واحدا من مئات الآلاف من الروس الذين تم حشدهم للقتال في أوكرانيا، وفي 25 سبتمبر تلقى أوراق استدعائه، وبحلول 7 أكتوبر أي بعد أسبوعين فقط “مات في ساحة الحرب”.

ويتحدث والد شاب يدعي أليكسي مارتينوف يبلغ من العمر 28 عامًا في حكومة موسكو ، إنه تم حشد نجله في 23 سبتمبر، وتم تأكيد وفاته في 10 أكتوبر، وفقا لما نقلته “الغارديان”.

وفي تصريحات الجمعة، دافع بوتين عن “التعبئة الجزئية”، وقال إنه من المقرر انتهاء عملية استدعاء جنود الاحتياط في غضون أسبوعين.

وأشار خلال مؤتمر صحفي في العاصمة الكازاخستانية أستانا إلى أنه “جرى بالفعل نشر 222 ألف جندي احتياط من أصل 300 ألف من المقرر استدعاؤهم بحسب الخطة”، وفقا لـ”رويترز”.

وأكد أن “الروس الذين تم حشدهم سيتلقون تدريبا أساسيا من خمسة إلى عشرة أيام ثم تدريبات الوحدة من خمسة إلى خمسة عشر يوما”، وزعم أن التدريب القتالي سيستمر بعد ذلك.

ومع ذلك ، فإن بعض الوفيات تكشف “نقل الجنود إلى الحرب بسرعة أكبر من ذلك بكثير”، وادعى العديد من الجنود الروس الذين أسرهم الأوكرانيون أنهم لم يتلقوا أي تدريب تقريبا على الإطلاق، وفقا لـ”الغارديان”.

وفي غضون ذلك، أصبح تجنيد الضباط الروس “أكثر عدوانية بكثير”، وظهرت تقارير عن “الإهمال والوفيات غير المبررة وحالات الانتحار” بين جنود قوات موسكو، وفقا لـ”الغارديان”.

وتشير بعض الوفيات في مراكز التعبئة الروسية إلى مشاكل خطيرة في “الروح المعنوية” بين الجنود، أطلق رجل النار على نفسه في قاعدة عسكرية بالقرب من سان بطرسبرغ، وقطع آخر في سيبيريا رقبته في قاعة طعام، حسب ما أوردته “الغارديان”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here