حكومة السوداني وتضخيم الأمل

نجاح محمد علي

حقيقة أن العراقيين يرغبون الآن في أن تعمد القوى السياسية المتنافسة الى تحويل سيوفها الى محاريث و رماحها الى مناجل بعد أن اتفقت على كسر حالة الانسداد السياسي . لقد عانت البلاد من أزمات كثيرة خصوصاً في العام الماضي بعد الانتخابات المبكرة . وحان الوقت للبناء ووقف التسويف في معالجة الأزمات الكبرى ، و العمل الجماعي ، والسعي إلى فصل جديد يركز على معالجة المشكلات الخدمية ومكافحة الفساد، مع الاستماع إلى صوت الشباب اليائس والطامح في التغيير ، ومراعاة ملف حقوق الإنسان والأقليات .

إن اختيار عبد اللطيف رشيد رئيساً جديداً ، وتعيين رئيس وزراء جديد هو محمد شياع السوداني لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات ، تطوران سياسيان تحققا في وقت واحد ، و قد يشير ذلك إلى بداية انتهاء المأزق السياسي.ومع ذلك ، لا يزال الوقت مبكرًا لتنفس الكثير من الأمل ، لأن السياسة العراقية المعقدة، والتحديات الصعبة التي تواجه الحكومة الجديدة ، وطبيعة النظام السياسي وتفاوت أجندة القوى المشاركة في العملية السياسية ، تجعل الجميع في حالة ترقب .
قضت البلاد الأشهر الـ 12 الماضية في حالة من الجمود والأزمات على رأسها الانفلات الأمني ، والجميع يأمل أن تنجح التطورات الجديدة الآن . لكن لن يتم الأمر بضربة واحدة كما أنتخب الرئيس الذي عين رئيس الوزراء بضربة واحدة، فالصعوبات بدأت في اختيار المناصب الوزارية.

نعم إن فك عقدة إنتخاب الرئيس كان يجب أن يتم منذ فترة طويلة ، ويجب الآن وقف المشاحنات ، والعمل على امتصاص الغضب الكامن في الشوارع بعد أن هدأ في البرلمان . ومع ذلك ، فإن التحدي في السياسة لديه تعقيداته بغض النظر عن فشل “انتفاضة تشرين” في تحويل مسار العملية السياسية لصالح جهة واحدة ، وفرض حكومة الاقصاء و الهيمنة والتفرد والاستحواذ بعد انسحاب الكتلة الصدرية من البرلمان و استقالة النواب البالغ عددهم 73 نائباً في يونيو حزيران بعد انتخابهم في 10 تشرين اول أكتوبر 2021.

كانت استقالات الصدريين أول خطوة عملية نحو تعقيد المشهد. تحولت الأزمة من السياسي يمكن حسمها داخل قبة البرلمان بالاتفاق ، الى الشوارع وتداعياتها الخطيرة . لكن بدا أن “الإطار التنسيقي” نجح حتى الآن في تحويل التهديد الى فرصة ، وتمكن – بصفته الكتلة الأكبر عدداً في البرلمان – من ترشيح السوداني كرئيس للوزراء ، والاتفاق أيضًا على رئيس.

خلال عملية انتخاب رئيس الجمهورية التي جرت على مرحلتين ، أطلقت الصواريخ على منطقة “المنطقة الخضراء” ببغداد وسقط عدد منها في باحة مجلس النواب . لم يعلن أحد مسؤوليته المباشرة ، لكن يُعتقد أن هذه الصواريخ جاءت من جماعات كررت هذا المشهد مراراً . يطالب التيار الصدري بإجراء انتخابات مبكرة أخرى تعيده الى البرلمان الذي انسحب منه بأمر من زعيمه ، لكن هذا لم يعد في طور الإعداد على الأقل لمدة عام آخر أو أكثر.

فيما يستعد رئيس الوزراء الجديد لتقديم أسماء حكومته ، ترك السوداني الباب مواربًا لحصول الصدريين على مقاعد وزارية كجزء من عملية “خفض التصعيد” لكن الأمل في حصول ذلك يبقى منخفضاً جدًا ما يجعل الأمل في النجاح بعبور الأزمات منخفضاً أيضاً من واقع سيطرة التيار الصدري على العديد من المفاصل الحكومية في العاصمة والمحافظات ، وبالتالي قدرته على وضع عقبات تعرقل النجاح .
لذا ، قد يكون من المبكر القول إن النظام السياسي على وشك أن يعود إلى مساره الصحيح ، وأن الحكومة الجديدة قادرة على إصلاح ما أفسدته حكومة تصريف الأعمال والتي يصفها الإطاريون بأنها الأسوأ للعراق منذ عقود.
ومع ذلك ، سيتعين على أي الحكومة الجديدة أن تتعامل مع الأزمة الاقتصادية الحالية في العراق بالكثير من الجدية في واقع يؤكد وجود ما يقرب من أربعة من كل عشرة أشخاص عاطلين عن العمل وفقًا للإحصاءات الدولية.
من المؤكد أن خفض معدل البطالة لارضاء الشارع المطلبي و إيجاد الحلول للكثير من الأزمات التي يعاني منها المواطن يحتاج الى عبور الكثير من العقبات.
فهل تستطيع حكومة السوداني أن تفعل ذلك ؟
هناك أمل ولكن هناك أيضا الكثير من الصعوبات مع وجود قوى سياسية مهتمة فقط بالحفاظ على سلطتها أو تنفيذ أجندات مغايرة لبرنامج السوداني الحكومي . لذلك لن يتم عمل الكثير للتخفيف من صعوبات المواطنين رغم أن العراق لديه الكثير من الإمكانات بسبب نفطه واحتياطياته الهائلة من الذهب الأسود ، لكنه يحتاج إلى ترتيب منزله أولاً وقبل كل شيء.فالحصون دائماً مهددة من الداخل.

• نجاح محمد علي هو صحفي استقصائي مستقل من العراق يكتب عن قضايا السياسة والمجتمع وحقوق الإنسان والأمن والأقليات. ظهرت أعماله في BBC العربي والفارسي ، و RT Arabic ، وقناة العربية ، وقناة الجزيرة ، و رأي اليوم ، و القدس العربي ، و انترناشيونال بوليسي دايجست ، من بين العديد من المنافذ الإعلامية الأخرى.
خبير في الشؤون الايرانية والإقليمية
لمتابعته على تويتر @najahmalii

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here