بمناسبة سرقة اموال ضرائب العراق: العقوبة في القرآن الكريم (ح 5)

الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله تعالى “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” (الأعراف 56) والمقصود بالفساد مادي ومعنوي. أما الفساد المادي له تطبيقات مثل قيام الانسان بالتخريب، والحروب، وأخذ الاملاك بدون حق، وعدم الحفاظ على الطبيعة، و الكفر بخالق الأرض والسرقة والفجور. وجاء في الفاسير ان من المستحبات التفكر في الارض وما حصل ويحصل فيها للعبرة والعظة، وكيف ان الذي يظلم ويفسد يلقى الجزاء الرباني العادل كما قال رب العزة “قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ” (ال عمران 137).

هنالك انواع من الموازين فهنالك ميزان مادي كالسرقة بالمكيال “وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ” (المطففين 3) كما هو حال اهل مدين “وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ” (هود 84) فالذي يسرق مليون دينار ميزانه يختلف عن سرقة الف دولار، “فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” (الاعراف 85) و “وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ” (هود 85) لا تبخسوا اي لا تنقصوا الوزن وهو نوع من انواع الفساد وهو عكس الاصلاح، وبذلك يوضع الفساد في كفة والاصلاح في كفة اخرى. وترك السارق يعني الرجوع الى عصر الجاهلية “أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ” (المائدة 50).

أن السرقات الكبرى تعتبر تجارة محرمة كتجارة المخدرات وهي من الكبائر تستحق انزال اقصى العقوبات بحق مرتكبيها. والسارق معتدي وخاصة عندما تتعاون مجموعة من السراق في سرقة معينة “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” (المائدة 2). وهؤلاء المعتدين تطبق عليهم الآية الكريمة “أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” (المائدة 33).

جاء في جريدة الشرق الأوسط: وتابعت الأوساط الرسمية والشعبية باهتمام شديد تفاصيل الفضيحة المالية غير المسبوقة. وحول ما حدث وطريقة التحايل وسرقة مبلغ مالي بهذا المقدار الضخم، قال الخبير الاقتصادي نبيل جبار العلي لـ«الشرق الأوسط»: «إنها سرقة علنية وواضحة عن طريق إصدار هيئة الضرائب صكوكاً لصالح شركات، لا تمتلك أصلاً مشاريع ولا أمانات لدى هيئة الضرائب، بمبلغ 3.7 تريليون، وبطريقة ممنهجة بعدد 247 صكاً خلال الفترة من سبتمبر 2021 حتى أغسطس 2022». وأضاف أن «رصيد الأمانات هو حساب مصرفي تودع فيه مبالغ مستقطعة من المتعاقدين مع الدولة بنسبة 10 في المائة، وتعاد إليهم حين تقديمهم براءة الذمة الخاصة بمشاريعهم وتعاقداتهم، بمعنى أن الأموال المسروقة هي في الأصل حقوق شركات خاصة مؤمنة كضمان لحين تسديد المتعاقدين ضرائبهم ». وبمعنى آخر والكلام للعلي أن «المبلغ الذي سرق، ستعود الشركات صاحبة الحق، للمطالبة به وستخسر الدولة ضعف المبلغ المسروق». وأظهرت وثائق تداولها مدونون ومنصات خبرية، أن الشركات المتورطة في القضية التي قامت بالاستحواذ على المبلغ الضخم، لا تعدو كونها شركات وهمية تأسست عام 2021، وبرأس مال إجمالي قدره مليون دينار فقط. وفيما أصدر القضاء حكماً بإيقاف صرف الأموال من هيئة الضرائب، أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية، التحقيق في القضية. وأكدت الهيئة في بيان أن «القضية تم التحقيق فيها، وهي الآن معروضة أمام القضاء، وهي سترافق المعلومات التي تضمنها كتاب وزارة المالية بعد تنظيمها وفق محاضر مع الأوراق التحقيقية وتودعها لدى القضاء؛ ليقوم الأخير بإصدار القرارات المناسبة بحق المقصرين». وأشارت الهيئة إلى أن «القضاء سبق أن أصدر أوامر استقدامٍ بحق مسؤولين كبار في الوزارة بشأن الثغرات التي أفضت إلى حصول هذا الخرق الكبير والتجاوز الفظيع على المال العام». بدوره، أصدر مصرف الرافدين توضيحاً حول ما يتم تداوله بشأن القضية، قائلاً في بيان: «تعقيباً على ما يتم تداوله بشأن سرقة مبالغ مالية من حساب الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين، يؤكد المصرف بهذا الخصوص عدم علاقته بأي عمليات تلاعب أو سرقة يجري الحديث عنها، وأن مهمته كانت قد انحصرت في صرف صكوك الهيئة العامة للضرائب من فروعه بعد التأكد من صحة صدورها بكتب رسمية بين المصرف والهيئة». وأضاف، أن «ما يجري الحديث عنه في الآونة الأخيرة هو موضوع يتعلق بالهيئة العامة للضرائب وحساباتهم المصرفية». وأكد المصرف «عدم سرقة أي مبالغ مالية من فروعه ويشير إلى أنه ملتزم بالآليات المتعلقة بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وأن الموضوع برمته منظور من قبل القضاء وأن المصرف مستمر في التعاون مع الجهات المختصة للكشف عن الحقائق».

جاء في موقع شفق نيوز: “ثقافة الفساد في العراق”، مذكرا ببيانات منظمة الشفافية الدولية المستقلة حول “مؤشر مدركات الفساد”، والتي يظهر فيها العراق من بين الاسوأ في العالم من أصل 180 دولة بسبب حجم الفساد ونطاقه. وينقل التقرير عن منظمة الشفافية الدولية حديثها في هذا الاطار عن “الاختلاس الهائل وعمليات الاحتيال في مجال المشتريات وتبييض الاموال وتهريب النفط والرشوة والبيروقراطية المنتشرة التي قادت البلاد الى ادنى تصنيفات الفساد الدولية، وأثارت العنف السياسي وعرقلت بناء دولة فعالة وتقديم الخدمات”. اما بالنسبة الى “مشروع امداد مياه البحر المشترك (CSSP)”، فقد اعتبر التقرير ان حجم الفساد المتفشي قد يكون سببا رئيسيا لعدم المضي قدما في تنفيذه، غير أنه اشار الى انه في حال تمكن العراق من تطويق المشروع قدر الإمكان لابعاد العناصر الفاسدة عنه، فإنه قد يتمكن من البدء في تحقيق الزيادات الضخمة المتصورة لإنتاج النفط، مشيرا الى ان المشروع يتضمن الخطط لسحب المياه من الخليج ثم معالجتها قبل نقلها عبر الانابيب الى حقول النفط لاستخدامها لتقوية الضغط وزيادة امتصاص النفط، والذي تبلغ تقديرات كلفته حوالى 10 مليارات دولار، ويستهدف تأمين حوالي 6 ملايين برميل يوميا من المياه إلى خمسة حقول نفطية على الاقل في منطقة البصرة الجنوبية وحقل آخر في منطقة ميسان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here