الاحتجاجات الشعبية و فوضى تعدد الرؤوس

الاحتجاجات الشعبية
و فوضى تعدد الرؤوس

د. صبحي بغدادي

منذ أنتفاضة تشرين الباسلة في الأول من تشرين الاول ٢٠١٩ التي تم الاعداد لها عبر نشطاء ميدانيين والدعوة لها على صفحات التواصل الاجتماعي

التي قمعت بوحشية من قبل الطرف

الثالث المليشياوي ، الامر الذي ادى

الى اتساع المشاركة الجماهيرية بها

بعد استئنافها بعد زيارة الاربعين في ١٠/٢٥ .

بعد كل ذلك بدأت الاستقطابات تشتت اطرافها لاسباب عديدة رغم حفاظها

على زخمها الثوري وهزها لاركان

منظومة الفساد و الاطاحة بحكومة

عبد المهدي واجراء انتخابات مبكرة ،

على مدى ما يقرب من عامين من

عمرها.

تبلورت بعد ذلك عدة تيارات منها من

ايد المشاركة بالانتخابات المبكرة التي

كانت احد مطالب المنتفضين ، ومنها

من عارضها بشدة وبين هؤلاء وأولائك تأرجح البقية بين تجمعات غير

واضحة المعالم و الاهداف كانت تتشكل عند الدعوة للتظاهرات سرعان ماتنفرط بعدها لتنشأ غيرها ، اما على صعيد وسائل التواصل الاجتماعي فتعددت

المجموعات ومساحات الحوار على

صفحات التواصل ، كل ذلك بدون

اشكال تنظيمة واضحة المعالم تضبط طريقة للحوار تتمخض عنها برامج

عمل مثمرة وبدون تراتبية تنظيمة

تضمن الالتزام الثوري وتوجيه الجهود لزج اكبر عدد ممكن من الجماهير في

الحراك الشعبي .

كل ذلك كانت تروج له دعوات وشعارات مدسوسة او غير واعية مثل:

“الوعي قائد” الذي فسر من قبل

الشباب على ان اي انسان يمتلك اي

شكل من اشكال الوعي فهو قائد فبرز

العديد ممن يعتقدون انهم قاده والتف حولهم مجموعة من الشباب المنتفض وهو ما افضى بالنتيجه الى تعدد

الرؤس او القيادات الميدانية هذا

بالاضافة الى ان الشعار كان ملاذاً لمن يرفض التنظيم الحزبي والذي تجلت

ايضاً بشعار آخر هو:

” كلا كلا للأحزاب ” بدون تحديد

احزاب الفساد الامر الذي ادى الى

اقصاء احزاب وطنية يمكن ان تكون

ظهيراً للمنتفضين وانسحب الامر على نشطاء الانتفاضة الذين تجنبوا

تشكيل احزابهم السياسية الخاصة

بهم معتقدين ان الفساد مرتبط

بالتنظيم و الحزبية ، ان مثل هذا

التفكير السطحي قد جرد المنتفضين

من اهم وسائل العمل السياسي

الاحتجاجي او الدستوري ، وعزلوا

انفسهم عن حلفاء محتملين .

لقد تشبهوا اكثر بتجمعات ما سمي

باحزاب الاسلام السياسي التي ليست لها ملامح حزبية حقيقية بل هم

تجمعات انتخابية و تحالفية او

مليشيات .

لقد وقع المنتفضون في فخ الاسلام

السياسي رغم رفضهم له وحرموا حتى حراكاتهم منالتنظيم الحزبي القوي

كأدات سياسية لتحشيد الجماهير

تحت شعارات مطلبية و سياسية

و اضحة .

التجربة الوحيدة هي لامتداد التي

استطاعت الوصول الى البرلمان ،

وايضاً إشراقة كانون التي حققت

حظوراً متواضعاً في البرلمان

وتجمعات أخرى كالبيت الوطني

واللجنة المركزية وغيرها ، خارج

البرلمان .

الا انها لم تنضج تنظيمياً كاحزاب

سياسية مدنية وبقيت اما ككيانات

انتخابية وتجمعات تربطها ولاءات

فردية ، الامر الذي يجعلها اكثر شبهاً

بتجمعات وكتل احزابالفساد الماسكة

بالسلطة من الناحية الهيكلية.

لقد ترسخت تلك القناعات عند العديد

من النشطاء والمنتفضين من منطلقات ذاتية واعتداد غير مبرر بالنفس

لعناصر اضرت بمشاركات فوضوية ،

من تلك التوجهات كان العزوف عن

التنظيم احد اهمها واكثرها سلبية

على الحراك الجماهيري اذ طبعه

بالآنية وتشوش الرؤية ، ارتباطاً

بدعوات الاحتجاج بدلاً من ديمومة

فعل شعبي ممنهج تحركه ماكنة

التنظيم المنضبط بمطالب واضحة

موحدة ، تستطيع ان تعيد ثقة

الجماهير الشعبية بنشطاء تشرين ،

اذ بدون مساهمة واسعة منها تبقى

الاحتجاجات عبارة عن تظاهرات

مشاغبة يسهل قمعها وتزيد من

الفجوة بينها وبين قطاعات شعبية

واسعة .

لا استطيع هنا تحديد ما هي المسارات التي على نشطاء تشرين اتخاذها

ولكن ما هو مؤكد بعد المحاولات

العديدة لاعادة التظاهرات الى زخمها

الاول والتي بائت بالفشل ،وحتى لم

تستطيع تلك الحراكات اعادة ارتباطها باوسع القطاعات الشعبية لا بد من

تجديد نفسها ككيان موحد ضمن اطر

تنظيمية قادرة على بلورة قيادة

ميدانية جديرة لكسب ثقة الاوساط الجماهيرية بكل

قطاعاتها من طلبة عمال فلاحين و

النقابات المهنية ومنظمات المجتمع

المدني غير المتورطة بالفساد.

اذ بدون اشتراك هذه القطاعات

المجتمعية لا يمكن لاي قوى احتجاجية ان تستمر وتتجذر، فتلك القطاعات

ستشكل درعاً واقياً لنشطاء الحراك

ومحفزاً لديمومته .

كذلك تشكل تلك القطاعات عصب

الاقتصاد الوطني وبقية مجالاته

الثقافية والمهنية وان زجها في الحراك الشعبي يعني امتلاكها لقوة التأثير

الحاسمة على النشاط الاجتماعي

والاقتصادي مما يجعل امكانية

العصيان المدني واردة لشل واسقاط

المنظومة الحاكمة الفاسدة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here