“ولكم في القصاص حياة” بمناسبة اليوم العالمي للعدم الافلات من العقاب (ح 1)

الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله تعالى في القصاص “الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ” ﴿البقرة 194﴾ الحرمات قصاص أي يقتص بمثلها إذا انتهكت، الذي يعتدي على ما حَرَّم الله من المكان والزمان، يعاقب بمثل فعله، ومن جنس عمله. فمن اعتدى عليكم بالقتال أو غيره فأنزلوا به عقوبة مماثلة لجنايته، ولا حرج عليكم في ذلك؛ لأنهم هم البادئون بالعدوان، وخافوا الله، و “وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” ﴿المائدة 45﴾ القصاص: تتبع الدم بالقود، والجروح قصاص اي الجروح مساواة، و “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ” ﴿البقرة 178﴾ القصاص يعني المماثلة، يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه فرض الله عليكم أن تقتصوا من القاتل عمدا بقتله، بشرط المساواة والمماثلة: يُقتل الحر بمثله، والعبد بمثله، والأنثى بمثلها، و “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” ﴿البقرة 179﴾ القصاص: تتبع الدم بالقود، ولكم في تشريع القصاص وتنفيذه حياة آمنة يا أصحاب العقول السليمة، رجاء تقوى الله وخشيته بطاعته دائمًا.

جاء في كتاب الكلام للشيخ محمد حسن النجفي الجواهري: القصاص بالكسر على وزن فعال من قص أثره إذا تتبعه ، والمراد به هنا استيفاء أثر الجناية من قتل أو قطع أو ضرب أو جرح ، فكان المقتص يتبع أثر الجاني فيفعل مثل فعله، ويقال: اقتص الأمر فلانا من فلان إذا اقتص له منه. وعلى كل حال فالقتل للمؤمن ظلما من أعظم الكبائر ، قال الله تعالى “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً ” (النساء 93). وفي‌ خبر جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه ‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (أول ما يحكم الله عز وجل فيه يوم القيامة الدماء، فيوقف ابني آدم فيفصل بينهما ثم الذين يلونهما من أصحاب الدماء حتى لا يبقى أحد من الناس بعد ذلك حتى يأتي المقتول بقاتله يشخب دمه في وجهه، فيقول: أنت قتلته فلا يستطيع أن يكتم الله حديثا). ومر النبي صلى ‌الله‌عليه ‌وآله بقتيل فقال: (من لهذا؟ فلم يذكر له أح ، فغضب ثم قال: والذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السماء والأرض لأكبهم الله في النار). وعنه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله أيضا (لو اجتمعت ربيعة ومضر على قتل امرئ مسلم قيدوا به). وعن الصادق عليه‌ السلام (أنه وجد في ذؤابة سيف رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله صحيفة، فإذا فيها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم إن أعتى الناس على الله يوم القيامة من قتل غير قاتله وضرب غير ضاربه). وعنه عليه ‌السلام أيضا (لا يدخل الجنة سافك دم ولا شارب خمر ولا مشاء بنميم). و (لا يزال المؤمن في فسحة من ذنبه ما لم يصب دما حراما ، قال: ولا يوفق قاتل المؤمن عمدا للتوبة). وعن ابن مسلم (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل “مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ” (المائدة 32) فقال: له مقعد لو قتل الناس جميعا لم يرد إلا ذلك المقعد). وفي آخر عنه عليه‌ السلام أيضا قلت له: (كيف فكأنما قتل الناس جميعا وإنما قتل واحدا؟ فقال: يوضع في موضع من جهنم إليه ينتهي شدة عذاب أهلها، لو قتل الناس جميعا لكان إنما يدخل ذلك المكان، قلت: فإنه قتل آخر، قال: يضاعف عليه). ونحوه‌ خبر حنان بن سدير عن الصادق عليه‌ السلام في تفسيرها أيضا قال: (هو واد في جهنم لو قتل الناس جميعا كان فيه ، ولو قتل نفسا واحدة كان فيه). إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على المبالغة في أمر القتل ، بل وعلى تفسير الآية المزبورة بما عرفت ، ولعله أوجه من جميع ما قيل فيها من الوجوه في التشبيه المعلوم عدم إرادة حقيقته ، ضرورة منافاته الحس والعقل والعدل ، وحاصله المبالغة في شأن القتل والاحياء ، ولا ينافي ذلك زيادة العقاب والثواب على من فعل المتعدد منهما كما أشار عليه السلام.

جاء في موقع مركز آدم يناقش آليات منع الإفلات من العقاب: لو أتينا إلى الوسائل ذات الطابع القانوني التي تؤدي إلى إفلات بعض الناس من الجزاء، سنستطيع أن نبين ذلك في عدت فقرات:- الفقرة الأولى: قانون العفو العام مثلا في العراق كثُر استعماله بشكل مبالغ فيه إلى الحد الذي ضيّع الغاية من تجريم بعض الأفعال، والكل يتذكر قانون مجلس قيادة الثورة المنحل الشهير (225) لسنة (2002)، الذي أطلق المجرمين والذين ارتكبوا جرائم واغلبهم كانوا محكومين بعقوبات كبيرة وهم يمثلون خطراً على المجتمع، ولقد أُعدّت إحصائية صغيرة آنذاك بينت اطلاق أكثر من (30) ألف محكوم عليه، كان من بينهم ستة آلاف من المحكومين عن جرائم السرقة، وكان من بينهم ثمانية آلاف من المحكومين عن جرائم قتل، وكان من بينهم أكثر من ثلاثة آلاف من مرتكبي الجرائم الأخلاقية وبعضها جرائم زنا محارم وأشياء من هذا القبيل، حتى أن النظام البائد ربما استفاد من بعض هذه الفئات التي أطلق سراحها، فيما بعد سقوطه حينما انتشرت على بعض القنوات التلفزيونية حالات السلب والنهب، وصور الشعب العراقي بأنه هو الذي يسلب دوائر الدوائر بينما كان من يتصرف هكذا تصرف هم مجموعة من الناس غير المنضبطين، وإلاّ فإنّ غالبية الناس ومعظم الشعب العراقي كان حريصا كل الحرص على المال العام وعلى بقاء دوائر الدولة سالمة كي تقوم بدورها الطبيعي في تسيير الحياة اليومية، بعد ذلك تعالت الأصوات من هنا وهناك وهي تدعو إلى العفو العام، وإلى أن صدر قانون العفو العام المرقم (19) لسنة (2008)، والذي استفاد منه أغلب الجناة الذين اعتاشوا على المال العام وارتكبوا جرائم خطيرة جدا في الفساد الإداري والمالي، والأخطر من ذلك في المادة (الثانية) من قانون (19) كانت قد أوقفت الإجراءات بحق من ارتكب جريمة ولم تحرك الدعوة الجزائية عليه”. “وبالتالي فالكثير من الوزراء وأعضاء المجالس النيابية والمحلية والمحافظات كانوا متهمين بملفات كبيرة جدا وأوقفت الإجراءات فورا بحقهم، فضاع حق الشعب العراقي في ذلك وافلت هؤلاء من العقاب بشكل قانوني، وزاد الأمر سوءا عندما أُقرّ قانون العفو العام الأخير رقم (27) لسنة (2016)، والذي يجري الآن الحديث عن إمكانية تعديله وليس لدينا في الحقيقة إحصائية عن عدد المفرج عنهم أو عن عدد الذين أُوقِفت الإجراءات بحقهم ممن لم تكتشف جرائمهم أصلا، وبالتالي سيكون هذا أيضا مبرراً جديداً لهروب مجموعة كبيرة من العقاب دون أن توضع معايير حقيقية لشمول بعض الأشخاص ممن انساق إلى الجريمة بسبب عاطفة أو حادثة معينة، وإلا فالأشخاص الذين انساقوا إلى الجريمة من أجل تحصيل أموال أو من اجل نهب ممتلكات الدولة، المفروض أن لا يتم العفو عن هؤلاء نهائيا. نعم استثنى قانون رقم (27) الجرائم الأخلاقية لكنّ هذا ليس كافيا، بل من المفروض أن لا تُستثنى الكثير من الجرائم ذات الخطر العام ومنها مثلا جرائم الاتجار بالمخدرات التي لم يرد ذكرها من ضمن الجرائم المستثناة بشمولها بقانون العفو العام، وهذا يعطي فرصة لبعض الجناة للتهرب من العقوبة في حين أنهم يرتكبون جريمة ذات خطر عام وهذه وسيلة قانونية”.

جاء في شبكة النبأ المعلوماتية عن مبدأ عدم الإفلات من العقاب ومكافحته في إطار الوثائق الدولية للدكتور علي هادي حميدي الشكراوي: يمثل الإفلات من العقاب أحد المسائل الخطيرة التي شهدها العديد من دول العالم ومنها العراق. وهذه الانتهاكات والجرائم المرتكبة مهما كان مصدرها، تقتضي قيام الجهات المختصة في الدولة بإجراء التحقيق السريع بشأنها ومقاضاة مرتكبيها من دون أي تمييز. بوصف ذلك شرطاً أساسياً لضمان العدالة والمساواة وسيادة القانون في التعامل مع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وتكمن المشكلة في أن الإفلات من العقاب يمثل انتهاكاً مركباً لحقوق الإنسان وإهدار مبادئ المساءلة والعدالة والمساواة وسيادة القانون، ومشجعاً على تكرار الانتهاكات والاعتداءات والجرائم ضد حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية. وعلى هذا الأساس، تم تقسيم هذا الموضوع على مبحثين، تناول المبحث الأول ماهية مبدأ عدم الإفلات من العقاب، فيما تناول المبحث الثاني تطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب في العراق. مفهوم مبدأ عدم الإفلات من العقاب: يشير مصطلح الإفلات من العقاب إلى مواقف لا توجد فيها إجراءات فعالة لمعاقبة الانتهاكات أو عندما لا تكون مثل هذه الإجراءات نافذة. وقد ينتج غياب العقوبة عن قرار سياسي وعفو أو عن نظام قضائي يعاني من ضعف الأداء. وفي القانون الدولي، ينتج الإفلات من العقاب في معظم الأوقات عن غياب الآليات القضائية القادرة على الحكم على عدم الالتزام بأحكام راسخة. إذ غالبا ما يجري تنفيذ العقوبات على الجرائم المرتكبة من قبل محاكم وطنية، ولذلك يكون من الصعب بصورة خاصة تطبيق العدالة على جرائم الحرب أو الجرائم ضدّ الإنسانية التي ارتكبها موظفون حكوميون أو أشخاص تحت إمرتهم في أوقات النزاع المسلح. ويعني الإفلات من العقاب عدم تقديم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان إلى العدالة، وهذا بحد ذاته يشكل نكراناً لحق الضحايا في العدالة والإنصاف. في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في البلدان التي قامت فيها القوات الحكومية أو المسلحة بجرائم جماعية ضد المدنيين، حيث يعمل العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان على مكافحة الإفلات من العقاب والدفاع عن حقوق الضحايا. والإفلات من العقاب يعني الغياب القانوني أو الفعلي لتحميل المسؤولية الجزائية لمرتكبي الخروقات والاعتداءات على حقوق الإنسان، وكذلك مسؤوليتهم المدنية والإدارية. والإفلات القانوني هو المؤسس بقوانين والغاية منه حماية بعض الأشخاص من كل تحقيق أو تتبع قضائي أو عقاب لأفعال إجرامية قاموا بها سابقا. أما الإفلات الفعلي فهو يعود إلى وجود نقاط ضعف أو فساد في المنظومة القضائية والتنفيذية. أما بالنسبة للقانون الدولي الإنساني فان مفهوم الإفلات من العقاب يشير الى الإخفاق في جلب منتهكي حقوق الإنسان والجرائم الدولية للعدالة، وهو بهذا يعني إنكار حق الضحايا للحصول على العدالة والتعويض المادي والمعنوي اللازم لهم. إن الإفلات من العقاب يؤدي حتما إلى مزيد من الانتهاكات والجرائم ضد الأبرياء، ويجعل الضحايا يفقدون الثقة في المنظومة القانونية. ثانياً تعريف الإفلات من العقاب: عُرّف الإفلات من العقاب على أنه: (عدم التمكُّن، قانوناً أو فعلاً، من مساءلة مرتكبي الانتهاكات -برفع دعاوى جنائية أو مدنية أو إدارية أو تأديبية– نظراً إلى عدم خضوعهم لأي تحقيق یسمح بتوجیه التهمة إليهم وبتوقیفهم ومحاكمتهم، والحكم علیهم، إن ثبتت التهمة علیهم، بعقوبات مناسبة وبجبر الضرر الذي لحق بضحاياهم). وعُرّف الإفلات من العقاب على أنه: (الغياب القانوني أو الفعلي لتحميل المسؤولية الجزائية لمرتكبي الخروقات والاعتداءات على حقوق الإنسان وكذلك مسؤوليتهم المدنية والإدارية بحيث لا يتعرضون لأي بحث أو تحقيق يرمي لاتهامهم وإيقافهم ومحاكمتهم ومن ثم إدانتهم في صورة ثبوت جرائمهم، وتسليط العقوبات عليهم وما يتبع ذلك من تعويض المتضررين من جرائمهم).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here