قال : سأسلمها تراب

كامل سلمان

هذه العبارة تكررت في أكثر من مناسبة على لسان الرئيس العراقي قبل السقوط ، وكنا نتصور انه يقصد تسليم الارض تراب خالية من اي رمز للحياة إذا حاول احداً احتلال العراق او انتزاع السلطة من بين يديه ، ولم يتحدث حينها عن الناس ، هل هم ضمن التراب او سيتم تسليمهم عبر منافذ اخرى ؟،لقد فهمناها غلط ، عندما ذهبت تصوراتنا بأن المقصود من التراب هي الارض الخربة الجرداء ، ولكن عندما نتمعن بنوعية البشر وعقولهم ونفسياتهم اليوم ، سندرك بأن قوله كان صحيحا ، إذاً التراب هو بشر بلا فائدة وبلا منفعة وبلا وجود معنوي مؤثر . اي بمعنى أخر بشر مهزوم من الداخل ، بشر فاشل ، هكذا سلمها صدام حسين الى اعداءه ، قطعان تلهث وراء هذا وذاك ، مجاميع بشرية مضرتها اكثر من منفعتها ، فساد في العقول هو التراب ، التخلف الذي يضرب جميع مجالات الحياة هو التراب ، لقد قالها صح ولعبها صح ، فالصورة العامة للوضع العراقي اليوم هو التراب ، وقادتها ووجهائها هم ديدان هذا التراب تسرح وتمرح كما تشاء . يسرقون وينهبون ولا من أحد ينطق بكلمة لأن الناس تراب والتراب ملىء افواههم وملىء عقولهم فكل شيء تحجر وأصبح تراب ، حياة بلا طعم وبلا أمل بالنسبة للشباب ، واليأس يضرب اطنابه في كل اتجاه ، كبار السن فقط يعدون الايام الى أجلهم المحتوم ، والموت للمرضى أقرب من الشفاء ، جيوش من العاطلين عن العمل ، جيوش من النساء العوانس ، افواج بشرية تتنازع على مكبات النفايات ،،، عندما يصبح البشر تراب فأن عقولها تتقبل كل شيء عفن لأن قدرة التمييز عندها يقترب من العدم ، فلا غرابة ان نسمع الغرائب ، عشرات الدواعش يهزمون جيش بأكمله أمام مرأى العالم ، صدق او لا تصدق ، شخص يسرق مليارات من الدولارات وامام اعين رجال القانون صدق او لا تصدق ، الاف الشباب يذبحون ويقتلون لأنهم صرخوا من الجوع ولا أحد يعير الاهتمام لهم ، لأن الضمائر أصبحت تراب ، قادة من الجيش يؤدون التحية والسلام الجمهوري لماكيرة صالون نسائي اصبح شيئاً مقبولا ، فكل شيء مقبول وليس فيه غرابة لأن نوعية الإنسان عندنا اليوم عقله تراب ونفسه تراب وتوجهه تراب ، فماذا نتأمل من الناس وماذا يتأمل الناس من انفسهم غير النحيب والندم لأن إرادتهم سلبت . يمكنك ان تضيف ما تريد ان تضيف ، ملايين من الكائنات البشرية تزحف للمبايعة والتضحية للذي لم يقدم لهم شيئا يذكر ، لماذا هذه المبايعة ؟ هل يفعلها بشر طبيعي قلبه ورأسه غير متحجر ، فكيف سيكون التراب إذا لم يكن هذا تراب ؟
ولكن ان تطفلنا قليلا وسألناه وهو تحت التراب ، لماذا فعلت هذا بأرضنا وشعبنا وسلمتهم تراب الى اعداءك ؟ اكيد سيكون الجواب بأن القادمون اليكم من بعدي لم يكونوا ليتقبلوا ويتعايشوا مع غير هذا النوع من البشر اي مستوى التراب . . الطيبون والعقلاء و الخيرون مازالوا موجودين ولكن وجدوهم أصبح خارج اسوار المدينة ، ومن بقي منهم لم يعد له تأثير ملموس ، اي لا قيمة لوجودهم ساكتين خانعين لا تسمع لهم همسا . ألم يكن هذا هو المقصود من التراب ؟
يحز في نفسي ان اعرف ، إذا كان السابق سلمها تراب ، فكيف سيسلمها القائمون على الامر اليوم والشعب مازال يعيش الانتظار بين الاستلام والتسليم ؟

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here