مراكب الموت … هروب من الوطن أم من الحكومات؟

علاء كرم الله

بين فترة وأخرى تنقل لنا الفضائيات ومواقع التواصل الأجتماعي والسوشيل ميديا خبرا ، عن غرق أحد مراكب الهجرة غير الشرعية قبالة أحد السواحل البحرية العالمية ، وطالما تكون تلك الحوادث قبالة أو قرب السواحل اليونانية ، وتنقل الأخبار مشاهد وصور مفزعة ومؤلمة عن تلك الحوادث حيث يكون ضحاياها طعاما لأسماك القرش والكائنات البحرية الأخرى!0 ومراكب الهجرة غير الشرعية هي في الحقيقة نوع من أنواع المتاجرة بالبشر! ، حيث تدير هذه المراكب مافيات دولية وعصابات عالمية ، وطالما يتعرض المهاجرين على هذه المراكب الى الأبتزاز والى ممارسات لا أنسانية حيث يكونوا تحت رحمة أصحاب هذه المراكب، ولا مفر لهم من ذلك!0 وغالبا ما يكون المهاجرين على هذه المراكب من الدول العربية! ، التي دأب أبنائها على الهروب من أوطانهم الى أوربا أو حتى الى المجهول!، المهم هو الهروب من وطنه والخلاص منه بأي ثمن ، بعد أن ضاقت بهم سبل العيش وكرهوا الحياة ، بعد أن خنقتهم دكتاتوريات حكامهم وقسوتهم حيث يحكمونهم بالحديد والنار، فيترك المواطن العربي أهله وناسه ، ويفضل المجازفة والموت على البقاء في الوطن الذي أصبح جحيما لا يطاق 0 أن حصة العراقيين ليست قليلة من قصص مراكب الموت الموجعة هذه وخاصة من أهالي كردستان! ، ومن الجدير أن نذكر هنا بأن ( قصص العراقيين بالهجرة غير الشرعية عبر مراكب الموت هذه بدأت منذ تسعينات القرن الماضي وأستمرت لحد الآن!) 0 قبل أيام نقلت الفضائيات خبرا عن غرق أحد هذه المراكب الذي كان يحمل مهاجرين غير شرعيين عددهم68 شخص غالبيتهم من الأخوة المصريين من قرية ( كوم زمران) بمحافظة البحيرة! ، ومعهم أيضا أفغان وأيرانيين وجنسيات أخرى غير معلومة ، المركب أبحر من مدينة أزمير التركية متجها الى السواحل الأيطالية ، ولكنه غرق قبالة السواحل اليونانية ، راح ضحية الحادث العشرات من النساء والأطفال ، ولا زالت عمليات البحث مستمرة أملا في العثور عن مفقودين ، ونقلت جثامين من تم أنتشالهم الى مشرحتي ( خالكيدا و رافيتا) في اليونان 0 ومن المشاكل الصعبة في هذه الحوادث المفجعة هو عدم التعرف على هوية الغرقى ألا بعد مطابقة تحليل الحمض النووي (DNA ) ، وأذا كانت الحكومة المصرية ممثلة بشخص سفيرها ، قد قلبت الدنيا ولم تقعدها! ، وذلك بالمتابعة مع السلطات اليونانية بشأن البحث عن المفقودين ومتابعة نقل جثامين من تم العثور عليهم لأعادتهم الى أهاليهم وذويهم ، فأن باقي الحكومات العربية وغيرها لا ترعي أية أهتمام بمواطنيها بل تتستر على هكذا حوادث وكأن هؤلاء ليسوا مواطنيها بل غرباء عنها ، وكأن لسان حالهم يقول (طبهم مرض ، ليش يهربون من الوطن!) ، ومنهم الحكومة العراقية التي طالما أهملت متابعة مثل هذه الحوادث وغيرها التي تعرض لها العراقيين المهاجرين سواء عبر البحار أو على الحدود بين البلدان الأوربية ولا يعرف مصيرهم لحد الآن! ، فطالما أشعرتنا حكوماتنا منذ ثمانينات القرن الماضي ولحد الآن! كم نحن رخيصين وبلا ثمن بنظر حكامنا ، بل وحتى أرخص من التراب! ، فتارة نكون مشروع دائم للموت من أجل الدفاع عن البوابة الشرقية للأمة العربية كما في فترة النظام السابق! ، وتارة نكون مشروع دائم للموت والدفاع نيابة عن العالم ضد الأرهاب كما في حكومات ما بعد 2003!0 ومن الطبيعي أن هؤلاء المواطنين هربوا من أوطانهم ليس كرها منها ، فطالما كان الوطن كالأم الرؤوم على أبنائه بل تركوها وهربوا ، بسبب من جور وظلم وتعسف حكامهم ودكتاتوريتهم ، فالمشكلة دائما ليست بالوطن بل من يحكم هذا الوطن من الحكام الظلمة على مر التاريخ 0 وأذا أستثنينا عدد من الزعامات الخليجية أرى أن غالبية الحكام والملوك والرؤوساء العرب ممن ماتوا ومن هم على قيد الحياة لا يستحقون الرحمة ومصيرهم سيكون جهنهم! ، يصلون فيها بسبب ظلمهم وجورهم وما جلبوا على أوطانهم وشعوبهم من ويلات ومصائب 0 ولا أعتقد أننا سمعنا مرة أن أحد هذه المراكب كانت تقل مواطنين أوربيين هربوا من بلدانهم؟! ، فالمواطن في أوربا عندما لا يعجبه العيش في وطنه يتركه بكل هدوء وسلام وبلا عدائية وحقد وكره وبلا عمالة وينتقل للعيش في بلد أوربي آخر بلا هرب عبر المراكب وبلا هجرة غير شرعية بل ينتقل بكل يسر وسهولة وضمن الضوابط القانونية! 0 أن أساس الملك والحكم هو العدل ولأن غالبية الحكام العرب لا يعرفون بل ولا يعترفون بهذه المقولة أصلا! ، فهي لا توجد في قاموس حكمهم وأن مرت عليهم فيكون مرورها عابرا ، لا تحرك فيهم أية مشاعر ولا توخز بهم بقية ضمير! لذا فستستمر مراكب الهجرة غير الشرعية للمواطنين العرب تحديدا ، بالمجازفة وبلا توقف عبر البحار والمحيطات وعلى متنها العشرات بل المئات من المهاجرين الهاربين من أوطانهم بسبب ظلم وجور حكامهم ، بحثا عن أوطان تشعرهم بأدميتهم وأنسانيتهم ويتنفسون فيها هواء الحرية ! ، وبالمقابل تظل البحار والميحيطات فاتحة مياهها لأبتلاعهم في أية لحظة! ، والله يسمع صرخاتهم ويرى فزعهم وهلعهم وهم يستغيثون به ويطلبون نجدته ولكن؟!!0

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here