بشهادة أعلى مستوى تنفيذي .. خدماتنا الصحية ليست بخير

باسل عباس خضير

لم يكن ما اكتشفه رئيس مجلس الوزراء من خلل وتقصير في الأداء أثناء زيارته التفقدية لإحدى المستشفيات الحكومية غريبا عن العراقيين ، فمنذ سنوات والجميع يقول إن خدماتنا الصحية لا ترقى للمستوى الإنساني المطلوب من حيث التوزيع الجغرافي للمؤسسات الصحية والقدرة على الاستيعاب في العيادات الخارجية والاستشارية والردهات والصالات وكفاءة الخدمات والبنى التحتية الساندة وتوفر الأجهزة والمستلزمات والأدوية وغيرها من المتطلبات ، وقد انكشفت اغلب عورات نظامنا الصحي في الكثير من المرات ومنها أثناء جائحة كورونا التي أصابت العراق بشكل طفيف ولكنها ألجأت الصحة لاستخدام الكرفانات وبذل أكثر من المستطاع لتوفير ما يمكن توفيره من الغطاء ألسريري بعد أن عجزت الحكومات عن الإضافة على ما هو موجود الذي لا يعادل 10% من المطلوب ، فاغلب مستشفياتنا انشإت في النصف الثاني من القرن الماضي وأحدثها تلك المستشفيات التي افتتحت في الثمانينات ومنها المستشفيات العامة سعة 400 سرير ومستشفيات الولادة والأطفال سعة 260 سرير وما أضيف لمدينة الطب في الجراحات التخصصية والتمريض الخاص والأطفال والعيادة الاستشارية ، ولم تزدهر حركة البناء فيما بعد وخصوصا في الاقضية والمحافظات بسبب ظروف الحروب والحصار ، حيث بقيت الحاجة قائمة لعشرات المستشفيات ومئات المراكز الصحية والعديد من العيادات والمراكز المتخصصة ، واغلب المستشفيات التي تمت المباشرة بها بعد 2003 لم يتم افتتاحها أما لعدم تكاملها او إن فيها متعلقات مع الشركات وهي إن اكتملت سوف لا تضيف شيئا للطاقة السريرية التي يحتاجها البلد استنادا لأبسط المعايير ناهيك عن النقص المحتمل في تجهيزاتها كلا او جزء ، وهناك ثغرات لم تغلق مما أبقى بعض المناطق بدون خدمات صحية واقرب مستشفى لها تبعد عشرات الكيلو مترات والأمثلة على ذلك كثير ، ولا يتعلق الأمر بالأبنية فقط وإنما بفقدان النظام الصحي والفلسفة في تقديم الخدمات حيث يتداخل عمل القطاع الصحي الحكومي مع القطاع الصحي الخاص بشكل واضح يضطر من خلاله المواطن لتكبد العديد من النفقات والوقوع في ازدواجية الحصول على الخدمة من حيث الجودة والتكاليف ، والمستشفيات الحكومية نفسها تنعش ازدواجية الخدمات من خلال وجود الأجنحة الخاصة التي تحتل الأسبقية على العام في إجراء العمليات والفحوصات الدقيقة بوقت سريع مقابل أجور تقترب من القطاع الأهلي ، في حين يترك المواطن في حالة انتظار إن اختار الخدمة ب ( العام ) ، وهي أمور كان يمكن معالجة بعضها من خلال تطبيق قانون الضمان الصحي رقم 22 لسنة 2020 الذي نفذ ولكنه لم يرى النور كما إن ذلك ممكنا بتعديل او تشريع قانون بديل للصحة العامة رقم 89 لسنة 1981 .
والفيديو الذي عرضته القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي عن زيارة السيد السوداني لمستشفى الكاظمية التعليمي والذي عبر دولته من خلاله عن غضبه وامتعاضه من نوعية الخدمات المقدمة للمرضى والنقص في الأدوية والأغذية والقصور في الرعاية والخدمات يثير العديد من التساؤلات ، فما شخصه دولته موجود ومعروف منذ سنوات وطالما اشتكى المواطنون عبر العديد من المنافذ والقنوات عن ما يعانوه من تقصير وقصور في الخدمات الصحية في اغلب أنواعها وإشكالها للعديد من الحالات وهو الذي اضطر الكثير للعلاج خارج العراق ، فهناك نقص في الأجهزة ووجود عطلات وتوقفات كثيرة ببعضها كما يوجد نقص كبير في الأدوية بأنواعها من حيث الكمية والنوعية التي تضطر المواطن لشرائها من القطاع الخاص ، والمواطن يشكو من ملل وانتظار يؤديان للموت او العجز في إجراء عمليات مهمة كالقسطرة والأورام وغيرها ، وكل الحكومات السابقة وعدت بالحلول ولكنها لم توفي بالحد المقبول من التزاماتها وقضايا الفساد في الصحة لا تحتاج للتفاصيل ، والتساؤل هل يعقل أن يتعجب السوداني مما رآه في زيارته وهو ابن الدولة وتعاقب على عدة وزارات وهو شخصية إنسانية تلامس طبقات المجتمع باستمرار بدليل انه وعند استلامه المنصب الحالي خاطب وزير الصحة بدافع الحث والانجاز قائلا (هناك مواطنون يعجزون عن شراء الدواء بخمسة آلاف دينار ) ، ويبدو إن سر مفاجأة دولة الرئيس هو حجم الكارثة حين رأى بنفسه أكثر مما توقعه وفي واحدة من المستشفيات التعليمية ( النموذجية ) ، فمستشفى الكاظمية هي حقل التطبيق لجامعة النهرين المعروفة بعلو كعبها في الدراسة والتطبيق ، ورغم إن العقوبات التي أعلنت بخصوص المتغيبين والمقصرين بنقلهم إلى أقضية بغداد ( أبو غريب ، المحمودية ، الطارمية ) وهي أقضية التدرج الطبي لدائرة صحة بغداد \ الكرخ التي ترتبط بها مستشفى الكاظمية أثلجت صدور البعض لأنها عن استحقاق للتقصير ، إلا إنها تركت استفهامات لدى البعض فهل العقوبة لهم أم لسكان الاقضية التي سيباشر بها هؤلاء ، ولماذا لم يترك موضوع اتخاذ الإجراءات القانونية التي يستحقونها لوزير الصحة كونه المسؤول الأول عن وزارته سيما وان الأطباء من المقيمين الدوريين ويخضعون لقانون التدرج الطبي ، والاهم مما يعني المواطن هي الخطوة لما بعد الزيارة لمعالجة الوضع الصحي المتردي كما ظهر بعين الرئيس ، ففي الوقت الذي يشيد فيه الجميع بالمبادرات والجولات التي يقوم بها فأنهم ينتظرون منهاجا متكاملا للمعالجات لا في المستشفيات فحسب وإنما في القطاع الصحي ( الحكومي والأهلي ) عموما وهي مهمة ليست بالسهلة لأنها تنطوي على جوانب مهنية وإدارية وهندسية ومالية وقانونية ، ويمكن أن تنجز من خلال خلية تشكل لهذا الغرض ( على غرار الخلايا التي شكلت مؤخرا ) وتتشارك بها الجهات المعنية وتضم لها شخصيات لها تاريخ مشرف وانجازات في القطاع الصحي إن كانت بالتقاعد او في الجامعة وحتى إن كانت خارج البلاد ، ونقصد المشاركة في التخطيط والتنفيذ والنتائج والتقويم ضمن مدى زمني مختصر ومعلوم ، والصحة قطاع مهم ومن الواجبات الشرعية والوطنية والإنسانية الاهتمام به وتأكيد جودته لأنه يتعلق بأغنى الثروات البشرية التي خصها الله بالاهتمام .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here