الرياض وواشنطن … ومتغيرات الحرب الأوكرانية

مهند ال كزار

إن المتغيرات الحاصلة في العلاقة ما بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية لم نشهدها منذ عام 1973، فقد وقفت الرياض على الحياد المعلن من الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أنها في الخفاء وقفت مع روسيا, وعملت على تقوية العلاقة معها منذ تولي بن سلمان السلطة في المملكة، هذه السياسة التي مارستها السعودية منذ قيام الحرب عادت عليها بفوائد اقتصادية وسياسية عديدة.
فقد حققت الرياض نموا اِقْتِصَادِيًّا بلغ 12 % في الربع الأولى من العام 2022, مقارنة مع الربع الأولى من العام 2021، وهذا النمو جاء نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وساهم بشكل كبير في نمو الإنتاج المحلي الإجمالي بنسبة 7,6 % في العام 2022 حسبا ما جاء في بيان صندوق النقد الدولي، هذا الارتفاع نتج عن أزمة الطاقة والموقف السعودي منها، فقد خفضت منظمة أوبك بلس الإنتاج بمقدار مليوني برميل يَوْمِيًّا، حيث أعتبر هذا القرار تحديًا واضحًا لواشنطن، التي طالبت بدورها منتجي النفط إلى رفع سقف الإنتاج من أجل التعويض عن نقص الإمداد المفروض على روسيا.
هذا القرار أثار الغضب الأمريكي تجاه السعودية, وقد وقد كان واضحًا على كبار مساعدي الرئيس الأمريكي، عندما قالوا إن الرئيس يشعر بخيبة أمل من هذا القرار، وأتهم المنظمة بالانحياز إلى موسكو، وهو يعلم جيدًا أن الرياض هي صاحبة اليد الطولى في قرارات المنظمة، وقد دفع هذا القرار الغربيين إلى الاعتقاد بأن الرياض وقفت مع روسيا في هذه الحرب، حتى وصل الحال بالرئيس جو بايدن إلى توجيه اتهام مشترك لموسكو والرياض بالوقوف وراء ارتفاع أسعار الغذاء، وأزمة الطاقة في العالم.
أما في الجانب السياسي فقد شهدت الرياض زيارات متكررة لزعماء العالم، وخطوط اتصال مفتوحة مع روسيا، وهذا عكس ما أراد لها بايدن الذي وصفها بالدولة المنبوذة، فقد ظهر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كقائد على المستوى الدولي منذ وقوفه على الحياد في هذه الحرب، ورفضه الانخراط في العقوبات الأوروبية التي فرضت على روسيا، مما عزز مكانة الرياض لدى روسيا، واستطاع الإشراف على صفقة تبادل الأسرى التي حدثت بين موسكو والغرب والتي تم الإفراج فيها عن معتقلين لديها, من بينهم أمريكيان وخمسة بريطانيين وصلوا إلى الرياض بطائرة خاصة، مما دفع واشنطن ولندن غلى تقديم الشكر والثناء على الدور السعودي، الذي قامت به في الإفراج عن أسراهم.
على كل حال: مهما كانت الأسباب التي دفعت بالرياض إلى اتخاذ هذا الموقف من الحرب الاوكرانيا وتبعاتها، إلا أنها نجحت في الظهور على الساحة الدولية كوسيط موثوق من قبل كل الأطراف المتصارعة، وهذا زاد من أسهم المملكة ورصيدها لدى المجتمع الدولي، إضافة إلى اغتنامها لفرصة هذه الحرب لم يتوقف في هذه النقطة فقط، فقد عملت الرياض على احتواء تضخم النفط والتعامل مع الأزمة العالمية, بما يخدم مصالح المملكة من دون أن تقدم للعالم أي زيادة في الإنتاج، وبقيت مصرة على موقفها رغم الزيارات التي قام بها كبار قادة العالم، طالبين منها المساعدة، وزيارة وفد أميركي رفيع المستوى الذي خيرها بين العلاقة مع واشنطن أو موسكو، إلا أنها بقيت تمسك العصي من المنتصف، وبقيت محافظة على علاقتها بموسكو ولم تغلق الأبواب بوجه واشنطن والدول الغربية، وكان ردها على الوفد الأمريكي يتمحور حول سعي الرياض إلى الحفاظ على مصالحها ومصالح المنضوين تحت راية أوبك بلس، وهذا الخيار لدى واشنطن يعني أنها اختارت الجانب الروسي.
توتر العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية لم يكن وليد هذه الحرب، فقد استمرت العلاقة بالتدهور منذ قيام الرئيس باراك أوياما بالتوقيع على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 وما تمخض عنه من تبعات انعكست على صعود نجم طهران كلاعب إقليمي مهم في المنطقة، وعودة الرئيس جو بايدن إلى المفاوضات مع طهران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسعيه إلى أحياء الاتفاق بمعزل عن الدور السعودي، وهذا من الأسباب الرئيسية التي جعلت الرياض تقوم بفتح قنوات اتصال مع كل من موسكو وبكين.
ووفقًا لما تقدم: تبقى المملكة العربية السعودية من أبرز الرابحين من الحرب الأوكرانية وتبعاتها على الساحة الدولية، واغتنامها لهذه الفرصة جعلها في موضع التحدي مع الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة منذ حرب أكتوبر عام 1973، وانفتاح كل من بكين وموسكو على الرياض، وطلبها من رئيس مجس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، التوسط لإعادة المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ما هي إلا دلائل على أن هناك ملامح لخارطة جديدة قد بدأت لرسم عالم جديد، تتبدل فيه التحالفات التقليدية القديمة.

*ماجستير علاقات دولية ودبلوماسية-باحث مختص بالعلاقات الأمريكية السعودية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here