تاريخ الموسيقى والغناء في العراق !

تاريخ الموسيقى والغناء في العراق ! *
د. رضا العطار

كانت اولى الاصوات التي علت من معابد سومر في العراق القديم ، انغام موسيقية.

فملحمة كلكامش هي من اعظم الملاحم الشعرية المغناة، عرفتها البشرية ابان الحضارة السومرية التي وضعت اصول الموسيقى والغناء في مراكز العبادة . هكذا بدأ الاهلون يصنعون آلاتهم الموسيقية من وترية وهوائية وايقاعية، منذ مطلع الالف الثالث قبل الميلاد. لقد اكتشف الكثير من الاشارات والكلمات التي كانت تستعمل بمثابة نوتات موسيقية منقوشة على الواح الطين وجدت مغمورة في باطن الارض.

وقد عرف العرب والمسلمون من الآلات الموسيقية عددا كبيرا حتى بلغ من كثرتها ان قال الباحث – هنري جورج – اننا لا نستطيع ان نحصيها على كثرتها الا عشرها.

ففي مجموعة الوتريات نجد المزهر, وهو العود العربي الجاهلي, والربابة وهي التي تعزف بالقوس لا بريش الطير, وهي ام الآلات عند العرب ومنها تفرعت الكمنجة والقانون والنزهه والسنطور والجنك او الهارب.

ومن النايات، البم والشبانه والجواق والصفارة.

ومن الدفوف، الطار والدائرة والمثمنة.

ومن الطبول، النقارة و الطبل والقصعة.

كما عرف المسلمون في القرن العاشر الميلادي الاراغون وموسيقى القرب الذي شاع استعماله خاصة في الهند وبلاد الملايو والاندلس.

في الواقع اننا نلمس ايقاعات الطبيعة الازلية في الاحياء كالطيور في رقصها وتغريدها كما نتحسسها في الرياح وفي تيارات البحر وامواجه, وفي تعاقب الليل والنهار و كذلك في حركة زهيرات البرية وهفيف اوراق الشجر

هناك ثمة تأكيد خاص على اهمية الموسيقى للطفل. فهو يتحسس بها منذ وجوده جنينا في رحم امه, وكذلك الحال بالنسبة الى النباتات نفسها التي تستجيب للموسيقى فيتحسّن نموها وتلتمع الوانها وتزدهر . وما هذا الاّ اشارة لنا للتأكيد على اهمية الموسيقى بالنسبة للأنسان مهما تكن مرحلة عمره.

لا شك ان للموسيقى اثر واضح في تطور الأديان فلا ريب ان هذا الفن وهو اقرب الفنون الى النفس واشدها اثرا فيها قد ساهم كثيرا في خلق العواطف والتعبير عنها.

وما من ريب في ان القساوسة كانوا يتنبأون بالموسيقى الكنائسية.

ان الغاية من الفنون الجميلة هي الموسيقى بالدرجة الاولى، فأني ما عاشرت فنا رغم حبي للفنون كلها بقدر ما عاشرت الموسيقى. فعشقي لها وحياتي معها يدفعانني احيانا الى الحديث فيها بشئ من اللهفة والشوق, والفنون كلها ابداع مثلى، تمجد في بعض الدول.

واذا كان الباحثون يخوضون في تفاصيل قضية الأنغام, فأني اود لو اتحدث عن تلك العلاقة الطبيعية بين الانغام والالحان وبين حياة الانسان وهو يجابه تقلبات الايام بأفراحها واحزانها, متأملا او متعبدا, مستسلما الى مشاعره وخيالاته, مثيرا في نفسه احساس الحب والقربى الى خالقه, ملتجئا اليه ليجلو عنه شدته وآلامه. وهل من عاطفة تعتلج في نفس الانسان لا تجد غذاءها في الموسيقى ؟

لعل ذلك ما جعل البابليين يضعون الالهة – انانة – ربة الموسيقى في اعلى مراتب الالوهية ! – – فأثر الموسيقى في حياة الناس اثر غامض وعميق في تحريك خلجات النفس. فقد عبر الانسان عن نفسه منذ ان وعى كيانه محاطا بكيانات اخرى وجعل الوشائح بينه وبينها تتداخل وتتعقد. ومنذ ان اخذ يدرك ما بينه وبين الطبيعة من علاقة وترابط روحي, ومنذ ان احس ان بينه وبين الكون تجاوبا يريد ان يفهمه على نحو ما.

هذه الطاقة الخفية التي ندعوها (الموسيقى) هي التي تشد من عزمه و تقويه على مجابهة مشاق الحياة, وتشفيه مما هو يعتريه دوما من معاناة و وجيعة : انها تعيد اليه توازنه.

قال السير توماس براون قبل ثلاثة قرون : حيثما يوجد التناغم والتناسب والانتظام, توجد الموسيقى, وبذلك نحن الذين على الارض نحافظ على موسيقى الاجرام السماوية – – – وفي هذا السياق ايضا صرح الفيلسوف الالماني الشهير ايمانوئيل كانط قوله :

( ان لجمال الكون نظام رياضي جليل )

لئن كانت الموسيقى طوال تاريخ البشرية قد اقترنت بالحب بقدر ما اقترنت بالتقوى, فما ذاك الا لانها ارتبطت دوما باجمل مشاعر الانسان وارقّ عواطفه واشدها غزارة وايحاء ونقاوة. وما ذلك كله ايضا الاّ النقيض من الكراهية والبغضاء. فالموسيقى انما تعبّر عن سعي الانسان نحو انسجام الذات مع الآخرين – نحو التفاهم والصفاء والغفران .

* مقتبس من كتاب (تأملات) لجبرا ابراهيم جبرا مع اضافة لكاتب السطور.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here