دور المحامين في انتفاضة الشعب الإيراني

بقلم: نظام مير محمدي
كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

أصدر أربعون محاميًا إيرانيًا يوم الأربعاء (2 نوفمبر 2022) بيانًا بعنوان “الأغلبية المطلقة من الشعب الإيراني لم تعد تريد جمهورية إيران الإسلامية”، وطالب المحامون والقانونيون الانخراط في صفوف الانتفاضة بصفتهم “أبناء الوطن”. وكتبوا في هذا البيان: “واجبنا الدفاع عن الحقوق الأساسية للشعب ضد انتهاك وتعدّي الحكومة”.
ما جاء به المحامون في هذا البيان هو نفس الحقوق التي تم التوقيع عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948 من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حیث ازدادت عدد الدول الأعضاء‌ الموقعة لهذا البیان.
بالإضافة إلى ذلك؛ تم التأكيد على هذه الحقوق في الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تمت صياغته في ديسمبر 1966 وتم تطبيقه منذ عام 1977.
وتعود هذه الحقوق الأساسية والطبيعية إلى جميع البشر، بغض النظر عن العرق والدين والموقع الجغرافي والجنس والمهنة وما إلى ذلك، وقد التزمت الدول التي وقعت على الإعلان بتنفيذها.
كما حاولت كل دول العالم أن تکون دساتیرها منطبقة على هذه الحقوق.
وتنص ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما يلي:
“… ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم…”
ببساطة؛ يعترف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالتمرد على العنف وانتهاك الحقوق الطبيعية في البلدان التي يحكمها حكام سلطويون.
وفي البيان الذي أصدره 40 محامياً إيرانياً، تم التأكيد على نفس الحق، وجاء فيه:
تأتي شرعية أي قانون من الموافقة والإرادة العامة، ولا يُسمح لأي إرادة أخرى أن تقرر نيابة عنهم. وإذا حدث ذلک، يحق للناس محاربة هذه الإرادة غير المشروعة وقراراتها وقوانينها.
وجاء في فقرة أخرى من البيان المذكور:
– حوّل النظام السياسي الحاكم القضاء الذي يجب أن يكون بيت العدل ومكان العدالة وملجأ للمواطنين، إلى أداة للقمع وتکریس الاستبداد. وبوجود مسئولین تابعین للحکم ومعربدین تحوّل إلی إحدی أدوات المستبدّ، وبهذا النمط، تحكّمت شبكة فاسدة بمصير البلاد، معتمدة على أدوات الحكم، والتعامل بقسوة مع أي معارضة، وتنزل المآتم للكثير من العائلات، واعتقلت وعاقبت الشرفاء والمحبين للحرية بتهم كاذبة وأمنية.
ويخلص البيان إلى أن:
• في العصر الحديث، عندما تكون إرادة الأغلبية هي المعيار لضمان حق تقرير المصير، فإن واجبنا نحن المحامين كمواطنين هو الدفاع عن الحقوق الأساسية للأمة ضد التعدي والانتهاك من قبل الحكومة.
في الوضع الحالي، عندما كان الناس في جميع أنحاء إيران على مدى شهرين يصرخون الموت للديكتاتور في الشوارع ليلًا ونهارًا، فإن موضوع هذا البيان هو التضامن مع الشعب الإيراني لإسقاط النظام الاستبدادي الحاكم.
كل شعب إيران، من خاش وزاهدان إلى مهاباد وبوكان ومريوان وسقز والمدن الكبرى في إيران، مثل طهران وتبريز ومشهد وکرج وشيراز وأصفهان والأهواز ورشت وغيرها من المدن المنتفضة، یستهدفون خامنئي بصفته الولي الفقيه ورمز النظام على قمة هرم السلطة، ويريدون الإطاحة بنظامه.
شعار الموت لخامنئي والموت للديكتاتور والموت للطاغية سواء كان شاهاً أو مرشداً: هي الشعارات الرئيسية لجميع المتظاهرين في الشوارع.
لذلك، فإن المحامين الذين أقسموا على الدفاع عن الحرية والعدالة وحمايتها، إذا لم نقل يجب علیهم أن يتحركوا أمام الناس وفي مقدّمتهم، يجب علیهم أن يقفوا إلى جانبهم ويدافعوا عن مطالبهم المشروعة، على أقل تقدير.
البيان الذي وقعه المحامون دافع عن هذه المطالب المشروعة للشعب الإيراني في إطار القانون.
إن إصدار هذا البيان يأتي في وضع استغل فيه النظام كل جهوده من خلال مؤسسة تسمى “مركز محامي السلطة القضائية” لفرض أكبر عدد ممكن من القيود على المحامين ومهنة المحاماة.
هذا على الرغم من حقيقة أن نقابة المحامين معروفة أساسًا باستقلالية ممارستها، والسجل التاريخي لاستقلالها يعود إلى عهد الراحل الدكتور محمد مصدق كرئيس وزراء وطني وحقوقي بارز، والذي أراد استقلال ممارسة المحامين، حتى يتمكنوا من الدفاع بحرية في المحاكم والسلطات القضائية والوقوف إلى جانب الحقيقة والعدالة.
لكن في حكم ولاية الفقيه، جُردت نقابة المحامين من استقلاليتها وغدت مرتبطة كلياً بالسلطة القضائية وأصبحت جزءاً منها.
وحيثما يتخذ المحامي إجراءً للحصول على حقوقه المشروعة، يتم القبض عليه والحكم عليه بالسجن لمدد طويلة في المحاكم الصورية، ويتم إلغاء ترخيصه للمحاماة.
إن حضور المحامين وتضامنهم مع الشعب ومع الانتفاضة والثورة له تاريخ لا يُنسى وله جذور تاريخية تعود لثورة (1979) والإطاحة بنظام الشاه، حيث كان قصر العدل ونقابة المحامين مكانًا للدفاع عن حقوق السجناء السياسيون والتضامن مع عائلاتهم.
وفي طهران والعديد من المدن دافع المحامون عن المعتقلين والسجناء السياسيين . وقاموا بواجباتهم ومسؤوليتهم.
هذا، وكانت عوائل السجناء السياسيين في حالة‌ اعتصام في الطابق الأرضي من قصر العدل بطهران في الأیام الأخیرة من حکم الشاه.
لقد كانت عوائل السجناء السياسيين تجلس مجتمعةً في الطابق الأرضي من قصر العدل بطهران، وفي مساء يوم (20 يناير 1979)، وبعد إطلاق سراح آخر مجموعة من السجناء السياسيين من سجون الشاه، انتقل السيد مسعود رجوي، القائد التاريخي لمنظمة مجاهدي خلق، وموسى خياباني، أحد كبار المسؤولين في هذه المنظمة، مباشرة من سجن القصر إلى قصر العدل، وعبروا عن تضامنهم مع أهالي عوائل السجناء السياسيين المجتمعين من خلال إهداء الزهور لهم.
أصبح هذا العمل الجدير بالثناء ذكرى لا تُنسى لعوائل السجناء السياسيين وأحد مفاخر المحامين الأحرار والمستقلين.
لا تقبل السلطة القضائیة التابعة لخامنئي هذا الأمر، وتريد أن تجعل المحامين جزءًا لا يتجزأ من هذه السلطة، بحيث يعمل المحامون كموظفين مطيعين وينفّذون الأوامر، ومن الطبيعي أن تتعارض هذه القضية بشكل أساسي مع طبيعة وجوهر مهنة المحاماة واستقلالية نقابة المحامين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here