ماهي حقيقة الدولة العميقة

كامل سلمان

مفهوم الدولة العميقة بدأ بالظهور في العقود الثلاثة الاخيرة وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، وكان هذا المفهوم له وجود سابق غير معلن وغير معروف في الدول الديمقراطية العريقة و ايضاً لم يكن بالشكل الذي اصبح بعد سقوط الاتحاد السوفياتي .
الدولة العميقة بمعنى قوة خفية غير موجودة في هرم السلطة ولكنها تتحكم بآلية عمل السلطة عن بعد ، وما اللوبيات والاحزاب والمنظمات والتجمعات الا الشكل الخارجي للدولة العميقة ، وهذا المفهوم هو من مساوىء الانظمة الديمقراطية ، فلم تتكون الدولة العميقة في الانظمة الشمولية او الانظمة الملكية والدكتاتورية والاقطاعية ولكنها نشأة وترعرعت في ظل الانظمة الديمقراطية ، اي انها اقطاعية حديثة ( اصحاب النفوذ )في الخفاء بلباس الديمقراطية . ولا يوجد نظام حكم ديمقراطي في العالم اليوم الا وتجد اصابع الدولة العميقة تتحكم بها ، وكأن العالم يتجه الى دكتاتورية من نوع اخر بعنوان انا ربكم الاعلى تتناسب مع تغيرات الزمن ، هذه التجربة استفاد منها السلطويون عند دراستهم للتأريخ فقد وجدوا بأن النظام السياسي للدول مهما كان قوياً فله عمر محدد يسقط بعدها اما بثورة شعبية او انقلاب عسكري او بسبب تآكل الدولة من الداخل او غيرها فخلصوا الى طريقة تديم لهم السلطة دون متاعب ودون مواجهات مع الشعوب ودون عناء مع الدول الاخرى وهذه الطريقة هي ادارة الدولة عن بعد ، والتحكم بقراراتها والتحكم بالاعلام وكافة مؤسسات الدولة ، والتحكم برموز المعارضة في حالة الحاجة اليهم ، فيستبدلون هذا الحاكم بذاك الحاكم فيحملون الاول سبب الانتكاسات والفشل ويهيأون التالي لمغامرات وتجارب جديدة ، فنلاحظ تغيير انظمة الحكم في بعض البلدان لكن الحاكم الحقيقي هو الذي لم يفشل ولن يتغيير لأنه هو الدولة العميقة التي لم تتحمل مسؤولية اي اخفاق . هذه الظاهرة دفعت بالقوى التي لها نفوذ قوي مستحكم ولها سلطة المال والاعلام والمنظمات السرية ان تفضل أخذ دور الدولة العميقة بدل الصعود الى الواجهة ، اي انها استعانت بالوكلاء لتنفيذ اجندتها وحتى القوة المخابراتية للبلدان هي جزء من نشاطات الدولة العميقة . .
الفرق بين الدولة العميقة والدكتاتورية ، فكلا السلطتين قراراتها ملزمة وكلا السلطتين لا تسمح بالمنافسة او الاعتراض عليها لكن الدولة العميقة تمنح الحريات الزائدة كمتنفس للناس وترفع يد الاضطهاد عن الشعوب عكس الانظمة الدكتاتورية التي كانت تبطش بالناس والمعارضين تحديداً لأجل الحفاظ على سلطتها . ورغم افضلية الدولة العميقة الا انها اصبحت تتحكم في مصير الشعوب بشكل اقوى من الدكتاتوريات ، فقد خدمت التكنلوجيا الحديثة في السرعة والتجسس وجمع المعلومات والاختراق قوى الدولة العميقة في التحكم بالسياسة والاقتصاد والامن .
الدولة العميقة تتحكم في نتائج الانتخابات وان فشلت في ذلك تجعل الفائز بالانتخابات يفشل وقد يسجن او يقتل او يخضع للطاعة مرغماً ، وهذا ماحصل فعلاً في بعض الدول مثل العراق وباكستان . بعض الدول فيها الدولة العميقة واضحة للعيان يستطيع المواطن العادي ادراكها وتمييز دورها ومعرفة رموزها مثل دول العالم الثالث اما في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الامريكية واوربا فالدولة العميقة فيها غموض كبير جداً بل من المستحيل الاطلاع على تركيبة وشخوص الدولة العميقة .
السؤال الذي يدور في الاذهان عن مساوىء ومحاسن الدولة العميقة ، لا أحد ينكر ان للدولة العميقة دور ايجابي في حفظ الامن والامان وعدم انزلاق البلدان في حروب اهلية او فوضى الصراعات على السلطة الا إذا هي ارتأت ذلك لأن اوراق اللعبة بيدها ، ومن محاسنها ايضاً الحرية التي ينشدها الإنسان أينما كان فالحرية طعم الحياة ، فلن تجد قوة حاكمة تتحكم بحرية الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكل ذلك يساعد في نمو البلدان وتطورها … اما مساوىء وجود الدولة العميقة فهي بالحقيقة قوة اقطاعية تمنع المنافسة لها و تغتالها ، ولها القدرة على التلاعب بمصير الشعوب والاستحواذ على الاموال والخيرات اضافة الى طموحاتها غير المعلومة التي قد تسبب كوارث للبشر . . .
في الدول الديمقراطية العريقة توسعت طموحات ونفوذ الدولة العميقة للحدود الجغرافية للبلدان واصبحت تتحكم بمصير دول اخرى وقد تصل في المستقبل القريب ان تتحكم بمصير الكرة الارضية اي ان العالم بأجمعه وبما يحويه من دول عميقة يصبح خاضع لدولة عميقة واحدة .
واخيراً نقول مهما بلغت قدرات وامكانيات الدولة العميقة فإنهم بشر يصيبون و يخطأون وبمرور الزمن تظهر من داخلهم الصراعات بعد ان تتوسع عوائلهم ، فتكون صراعاتهم العائلية كصراعات العوائل الحاكمة فتظهر بينهم قوى مختلفة متناقضة لا تتفق بالرأي فتتعرض للتمزق وفقدان السيطرة اي بمعنى أدق ان الدولة العميقة حالها حال اي نظام مر على التأريخ لها عمر زمني محدد وهذا مالا تدركه عقول رجالات الدولة العميقة .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here