“انفجار اسطنبول.. “رائحة إرهاب، أم خطط سياسية

دينا الشريف

يبدو أن انفجار اسطنبول الواقع في العاصمة التركية في يوم الأحد الماضي، كان على ما يبدو عملًا إرهابيًا، حيث وقع الانفجار في شارع الاستقلال المزدحم، على بعد مئات الأمتار من ميدان تقسيم. لكن الأسئلة لا تزال قائمة في أعقاب الانفجار وما زال من غير الواضح ما الذي حدث.
على الرغم من أنه كانت وسائل الإعلام التركية، التي سارعت في الماضي في تحديد الجناة في هذه المواقف، حريصة على عدم تسمية الانفجار بالإرهاب. لكن وسائل الإعلام التركية الرسمية قالت إنه بناءً على معلومات من حاكم اسطنبول، قد يكون الحادث عملاً إرهابياً.
جدير بالذكر أن الدولة التركية شهدت العديد من الهجمات التفجيرية الغاشمة، وكان أخرها في عام 2016، حيث مرت سنوات عديدة منذ وقوع هذا الهجوم الإرهابي، والذي أسفر عن مقتل 37 شخصًا، فيما استهدف مفجر انتحاري حفل زفاف كردي في غازي عنتاب، مما أسفر عن مقتل 57. كما استهدف هجوم شنه داعش الأكراد ونشطاء اليسار في سروج في عام 2015، مما أسفر عن مقتل 33. وفي عام 2013، كانت هناك تفجيرات بسيارات مفخخة في الريحانية على الحدود مع سوريا. وفي عام 2003، تم استهداف المعابد اليهودية في تركيا.
وغالبًا في كل هذه الحوادث الغاشمة، ما ألقت تركيا باللوم على حزب العمال الكردستاني أو داعش في الأعمال الإرهابية على أراضيها.
انفجار اسطنبول الدموي
 استهدف هجوم بقنبلة شارع الاستقلال وسط اسطنبول، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص على الأقل، وإصابة81 شخص، حيث وقع الانفجار في حوالي الساعة 16:20 بالتوقيت المحلى (13:20 بتوقيت جرينتش). وقال مسؤولون إنه قد يكون هجومًا إرهابيًا وزعزعت به الشعور بالهدوء فيما تعمل صناعة السياحة في تركيا على التعافي من الوباء.
ويعتبر هذا الهجوم هو الأكثر دموية في تركيا منذ أكثر من خمس سنوات، وعلى إثره تعهد الرئيس رجب طيب أردوغان بمعاقبة المسؤولين عن الانفجار، واصفًا إياه، بالهجوم الدنيء، حيث تفوح منه رائحة الإرهاب”.
هذا وقد تم نقل نحو 80 شخصًا إلى المستشفى بعد الهجوم، وخرج 57 منهم على الأقل. فيما يرقد 6 من الجرحى في العناية المركزة من بينهم شخصين في حالة خطيرة.
جدير بالذكر أن الستة الذين قتلوا في الانفجار هم من ثلاث عائلات بينهم فتاتان تتراوح أعمارهم بين 9 و15 عامًا.

اعتقالات واسعة المجال
أعلن وزير العدل التركي: “أن الشرطة التركية ألقت القبض على 50 شخص مشتبه بهم على صلة بهجوم  اسطنبول الغاشم، هذا وقد نفذّت الشرطة مداهمات في اسطنبول بعد عدة ساعات من الانفجار، واعتقلت المرأة السورية منفذة التفجير والتي تُدعى “أحلام البشر”، وتشير النتائج الولية أنها تركت قنبلة محملة بمادة تي إن تي في شارع الاستقلال.
ومن جانبه، أوضح وزير الداخلية التركي: “أن التقديرات الأولية تشير إلى أن هذه الإرهابية قد تلقت تعليمات بتنفيذ التفجير من مدينة “عين العرب” (كوباني) الواقعة شمال سوريا حيث يوجد مقر حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب في سوريا”.
وأضاف: “أنها دخلت إلى تركيا من منطقة عفرين عبر طرق غير قانونية قبل أسبوع واحد من وقوع التفجير، وذلك بعدما أخذت التدريبات اللازمة، وذلك بصفتها عضوة استخباراتية خاصة في حزب العمال الكردستاني”.
هذا وقد أكدت الشرطة التركية، اعترافات الشابة السورية بأنها تصرفت بناء على أوامر حزب العمال الكردستاني، وتلقّت تعليمات في كوباني شمال شرقي سوريا، بعدما تم القبض عليها مع عدد من المشتبه بهم في شقة بكوتشوك شكمجة بضواحي إسطنبول.

واستكملت وزارة الداخلية عملها، فيما اعتقلت شقيقين منتميين إلى حزب العمال الكردستاني، وهما عمار ج وأحمد ج.
وذكرت الأناضول أن عمّار ج كان مكلفًا بمساعدة البشير على الفرار من إسطنبول إلى اليونان المجاورة بعد الهجوم، بينما نقل أحمد ج، حسبما زُعم، وهو مشتبهًا لا يزال طليقًا إلى مقاطعة أدرنة، بالقرب من الحدود مع بلغاريا.
من أجل القبض على البشير التي تركت القنبلة في الشارع، تم فحص 1200 كاميرا أمنية تغطي الطرق من وإلى مكان الحادث.
حيث غادرت المرأة المكان بسيارة أجرة وذهبت إلى منطقة إسنلر. تم تنظيم عملية لـ 21 عنوانًا تبين أن المرأة كانت على اتصال بها أثناء التحقيق المادي والفني.
تركيا تنحي باللائمة على الجماعات الكردية في هجوم اسطنبول والأخيرة تنفي
ألقت السلطات التركية باللوم في الهجوم على حزب العمال الكردستاني المحظور، وكذلك الجماعات الكردية السورية التابعة له. ونفت الجماعات الكردية المتشددة أي دور لها.
حيث أطلق حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد بيانًا رسميًا يفيد بإنهما لم يلعبوا أي دور في الانفجار في أكبر مدينة في تركيا.
وأكد حزب العمال الكردستاني في بيان صحفي قائلاً: “إنه لا يستهدف المدنيين، كما نفى قائد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، مظلوم عبدي، يوم الاثنين المزاعم التركية بشأن تورط قوات سوريا الديمقراطية”.
وعلى الرغم من هذه التصريحات، أكدت الشرطة التركية: “أن المشتبه بها أخبرتهم أثناء استجوابها أنها تلقت تدريبات استخباراتية خاصة من قبل حزب العمال الكردستاني المحظور، وكذلك من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري الكردستاني السوري.
وعلى النقيض أكدت المجموعة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان يحاول حشد الدعم الدولي لخططه لشن توغل جديد في شمال سوريا قبل انتخابات العام المقبل، وهذا هو السبب وراء اتهام هذه الجماعات في انفجار اسطنبول. فهل يعتبر هذا الانفجار هجومًا إرهابيًا حقًا.. أم ادعاءات سياسية تركية لتحقيق أهدافها.
جدير بالذكر أن حزب العمال الكردستاني، الذي أدرجته أنقرة وحلفاؤها الغربيون على القائمة السوداء، تمرد تمردًا مميتًا من أجل الحكم الذاتي الكردي في جنوب شرق تركيا منذ الثمانينيات.
تركيا تحاول السيطرة على الخطاب في هجوم اسطنبول الارهابي
وبحسب ما ورد تم تقييد مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا في أعقاب الانفجار. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن السلطات تحاول منع التوثيق المدني ونشر المعلومات. فقد يكون هذا وسيلة للحكومة لمحاولة السيطرة على التحقيق، إلا إنه في حقيقة الأمر ليس من الواضح ما إن كان هناك ما يُقلق الحكومة التركية.
وأظهرت لقطات فيديو أولية لمقطع أمني مسرب من موقع الهجوم، أنه على ما يبدو، تم ترك حقيبة بشكل مثير للريبة في وسط شارع مزدحم مليء بالأشخاص، مما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا.
ولكن كانت وسائل الإعلام التركية حذرة للغاية في تقاريرها، فبدلاً من نقاط الحديث المعتادة التي تلقي باللوم على داعش أو حزب العمال الكردستاني، كانت وسائل الإعلام الرئيسية تتحدث عن أنه “انفجار” وليس هجومًا إرهابيًا في كل من ردودها الأولية وتعازيها بعد ذلك.
وعقب الحادث، صرح المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون (RTUK): “أن السلطات التركية فرضت حظرًا مؤقتا على التغطية الإعلامية لتفجير اسطنبول، ونشر المعلومات المتعلقة بالتحقيق، نقلاً عن مصادر غير رسمية، وتبادل الصور أو لقطات الفيديو للضحايا”.
ووفقًا لـ RTUK، تم تنفيذ الحظر لمنع الذعر العام وأعمال الشغب، فضلاً عن تبادل المعلومات التي يمكن أن تساعد الجماعات الإرهابية. كما طالبت السلطات التركية وسائل الإعلام بمراعاة مبادئ توزيع المعلومات المنصوص عليها في القانون.
يبدو أن خطر الإرهاب في الشرق الأوسط قد تضاءل في العام الماضي، وسيثير هذا الحادث مخاوف بشأن الأمن في المنطقة.  كما ستثير مخاوف بشأن الأمن في الأحداث الكبرى في المنطقة،
توتر العلاقات بين انقرة وواشنطن 
تأتي العلاقات بين أنقرة وواشنطن على مقولة “تقتل القتيل وتمشي في جنازته” على حد وصف المسؤولين في أنقرة، فدائمًا ما كانت العلاقات الأمريكية التركية ما بين صعود وهبوط، إلا أنه يبدو أننا سنشهد تدهورًا واضحًا في العلاقات بين البلدين، بسبب هذا الهجوم الغادر، حيث أن الرئيس رجب طيب أردوغان غالبًا ما يتهم واشنطن بتزويد المقاتلين الأكراد في شمال سوريا بالسلاح، والذين تعتبرهم أنقرة “إرهابيين”.
وعليه رفضت تركيا تعازي الولايات المتحدة، حيث صرح وزير الداخلية سليمان صويلو في تصريحات متلفزة: “لا نقبل رسالة التعازي من سفارة الولايات المتحدة، ونرفضها بشدة”.
في غضون ذلك، أوضح مسؤول رفيع المستوى، أن أنقرة تعمل مع بعض الدول ضد الإرهاب، بما في ذلك انفجار يوم الأحد في اسطنبول.
هل هجوم إسطنبول هجومًا إرهابيًا حقًا؟
في حين اتخذت الحكومة التركية قرارًا بأن هذا الهجوم إرهابيًا، فمن الممكن ألا يتم قبوله من قِبل السلطات الأخرى، وذلك بسبب أن أنقرة تمتلك تاريخ كبير في تصنيف الجناة من أجل استغلال الحوادث لتحقيق غاياتها في المنطقة.
فقد صرح ناشط وصحافي تركي: “أن الاتهامات التي أطلقها مسؤولون في أنقرة بأن المسلحين الأكراد وراء الانفجار المميت الأخير في اسطنبول “غير مقنعة” لكثير من الأتراك.
وقال بنو تونا، رئيس فرع نقابة الصحفيين الأتراك في اسطنبول: “هناك الكثير من الأشياء المتناقضة التي تقدمها الحكومة حول الجاني والدافع”. مضيفًا: “معظم المناهضين للحكومة يجدون الكثير من المعلومات غير مقنعة”.
إذ أنه من الممكن أن تستغل تركيا هذا الهجوم لتحقيق أهدافًا لها في شمال سوريا، وتأتي هذه الاستنتاجات وفقًا للقرارات التي اتخذتها أنقرة بعد هذا الهجوم.
فقد صرح مسؤول كبير في أنقرة، أن تركيا تخطط لملاحقة أهداف في شمال سوريا بعد أن أكملت عملية عبر الحدود ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني المحظور في العراق.
كما صرح مسؤول تركي لوكالة رويترز: “أن التهديدات التي يشكلها مسلحون أكراد أو تنظيم الدولة الإسلامية على تركيا غير مقبولة”. مضيفًا أن أنقرة ستزيل التهديدات على طول حدودها الجنوبية “بطريقة أو بأخرى”.
ونفذت تركيا ثلاث عمليات توغل في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية السورية – التي تقول إنها جناح لحزب العمال الكردستاني – وحذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من عملية أخرى.
ويشعر الأتراك بالقلق من احتمال وقوع مزيد من الهجمات قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في يونيو 2023، والتي تشير استطلاعات الرأي إلى أن أردوغان قد يخسر بعد عقدين في السلطة.
فما زالت حقيقة أن الأشهر التي سبقت انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 ما زالت حاضرة في أذهان الأتراك وهي من أكثر الفترات دموية في التاريخ الحديث، والتي عليها خرج أردوغان أقوى من الانتخابات. مما يُعني أن النظام التركي قد يستفيد من الخوف، فكلما زاد قلق الناس بشأن أمنهم، زاد استعدادهم لقبول المزيد من القيود على حرياتهم الأساسية. وقد يكون التعتيم الإخباري الصارم علامة على أن الحكومة تعتزم فرض مزيد من القيود على الحقوق الأساسية قبل الانتخابات.
 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here