“التحديات القاتلة” على مواقع التواصل.. مراهقون يبحثون في المخاطرة عن هويتهم المفقودة


تحديات تيك توك الخطيرة تجذب المراهقين
“أكل دواء الغسيل، قلي الدجاج بدواء السعال، إشعال الجسد، كسر الجمجمة، الخنق وكتم الأنفاس، أكل الحر المسمم، سكب الماء المغلي، الصعق بالكهرباء، تناول جرعات أدوية زائدة، برد وتحطيم الأسنان، إتلاف الجلد، حقن مواد كيميائية، تشطيب بآلات حادة.”

ممارسات قد تبدو للوهلة الأولى وكأنها أساليب تعذيب وحشية، فيما الحقيقة الأخطر أنها تحديات على مواقع التواصل الاجتماعي، تنطوي على كثير من المخاطرة وتنتشر تحديداً بين المراهقين والأطفال.

الأخطر في هذه التحديات، أنها غالباً ما تتم بعيداً عن أعين الأهل ومعرفتهم، في غرف الأطفال وأمام شاشاتهم، في المدرسة ووسط تجمعات المراهقين وفي خضم نشاطاتهم، ويتم اكتشافها عادة بعد فوات الأوان، حيث باتت تتسبب بالموت لمنفذيها في دول عدة حول العالم، فيما يسجل تسببها بعشرات الإصابات والأذى الجسدي الدائم في بعض الأحيان، فضلاً عن أثر نفسي بالغ الخطورة وبعيد الأمد.

“تحديات قاتلة”
التحدي الذي حصد أكبر عدد من الأرواح حتى الآن، كان تحدي “التعتيم” أو “المشنقة” أو “كتم الأنفاس”، حيث يظهر في كل مرة وعلى كل منصة إلكترونية تحت مسمى جديد للتصرف نفسه، وهو يقوم على مبدأ قطع الأوكسيجين عن الدماغ إلى حد الإغماء، وذلك بمساعدة من أحد، أو عبر استخدام الوشاح أو الأربطة أو أساليب أخرى لتحقيق الغاية نفسها، مما يؤدي إلى فقدان الوعي.

لاقى التحدي انتشاره الواسع بفضل أسطورة تدور حوله، حيث يروج لكون عملية قطع الأوكسيجين عن الدماغ تصل بالشخص إلى مرحلة معينة من النشوة التي من شأنها أن تساعد في تخطي المشاعر السلبية واكتساب تجربة نفسية فريدة، وهو إشاعة غير صحيحة بحسب ما يؤكد الطب، حيث تنتشر التحذيرات الطبية من مخاطر قطع الأوكسيجين عن الدماغ لما قد يتسبب به من تلف دائم لأجزاء منه، ومضاعفات خطرة، إذ تحاكي هذه العملية حالات الغرق والاختناق، فيما ترتفع احتمالات الوفاة بشكل كبير.

سجل لهذا التحدي وفيات عدة في الولايات المتحدة، اسكتلندا، بريطانيا، المكسيك، استراليا، إيطاليا، مصر وغيرها من دول العالم، وأثار موجة ذعر شديدة في صفوف الأهالي، والسلطات الرسمية، في حين ألقي اللوم على منصات التواصل الاجتماعي التي تشهد تلك التحديات، وسرت مطالبات بمحاسبتها وإغلاقها.

“كسر الجمجمة” ليس أقل ضرراً بدوره، فهذا التحدي الذي يقوم على فكرة عرقلة منفذه أثناء القفز في الهواء ما يؤدي إلى ارتطام رأسه في الأرض، تسبب بدوره في عدد كبير من الإصابات حول العالم، ونال نصيبه من التحذيرات، ووصل الأمر بسلطات بعض الدول والمدارس إلى فرض عقوبات على منفذي هذا التحدي لشدة خطورته

أما أغرب التحديات غير المفهومة فيكمن في تناول أشياء غير قابلة للأكل كأقراص دواء الغسيل ما يؤدي إلى أضرار كبيرة في الجهاز الهضمي وحالات تسمم، وجرعات من البودرة المخصصة للرياضيين دون تحليلها بالمياه أو بودرة القرفة ما قد يؤدي إلى الاختناق ومضاعفات تصل إلى انهيار الرئتين، وصولاً إلى تحديات أكل الحر القوي جداً والمصنع كيميائيا الذي أودى بالعشرات في المستشفيات بسبب التسمم والحساسية وأضرار الجهاز الهضمي.

بعض التحديات تصل إلى مراحل غير قابلة للتصديق، كقلي الدجاج بدواء السعال، أو تناول جرعات عالية من مضادات الحساسية للتسبب بالهلوسة، وهي تحديات أفردت لها إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة تحذيرات خاصة نبهت إلى خطورة هذه التحديات وتأثيراتها واضرارها، مشددة على ضرورة إشراف الأهل وتنبيه الأطفال والمراهقين إلى مخاطر الاستخدام العشوائي للأدوية وإبعادها عن متناولهم.
متناولهم.

ووصل البعض إلى مراحل سكب مواد قابلة للإشتعال على الجسد وإشعالها، أو سكب دلو ماء مغلي بدلاً من الماء المثلج على الجسم، ووضع قطع معدنية في مقابس الكهرباء للتعرض إلى صعقات كهربائية، وحقن الوجه بمواد كيميائية تجميلية لا يجب أن تتم إلا من قبل مختصين، كل ذلك سعياً في مواكبة “الترند” وتحقيق انتشار وشهرة ووصول أوسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

ما سر انتشارها؟
بحسب أستاذة علم النفس الاجتماعي منى فياض، قد تعود هذه السلوكيات لعدة أسباب، من بينها الحيز الكبير الذي بات يأخذه الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في حياة الأطفال والمراهقين، وتشرح في حديثها لموقع “الحرة” أنه “دائما ما يبرّز الإعلام هذه السلوكيات ويستعرض أبطالاً عالميين في مختلف المجالات إن كان الرياضية أو الاجتماعية أو في السينما والنجومية غيره، في المقابل فإن شخصية المراهقين الذين يتابعونهم لم تتطور تماماً، ويريدون البرهنة عن وجودهم وعن قيمتهم وحضورهم في المجتمع وقدرتهم على التأثير والإنجاز.”

وتلفت إلى أن التقليد سلوك مشهور عن المراهقين والأطفال، “وبالتالي هذه السلوكيات تصبح مثل العدوى، خاصة في ظل وجود خصوصيات لكل طفل تدفعه لذلك، عادة هذه الظواهر تنتشر من ناحية بفضل من يدفع نحوها ويروجها ويجذبهم إليها، وفي الوقت نفسه من ينجذب إليها هم أطفال ومراهقين لديهم خصوصيات، كمشاكل أسرية أو تعليمية أو سبب في وجوده يدفعه نحو المخاطرة والمغامرة.

تضرب فياض أمثلة تاريخية لهذا النوع من السلوكيات في صفوف المراهقين من بينها، الاتجاه نحو المخاطرة بقيادة السيارات والانضمام لمجموعات قيادة الدراجات النارية والسرعة والمناورات في الشوارع ولبس الأزياء الجلدية الخاصة، سبق ذلك أيضاً اتجاه نحو نمط الحياة الهيبي، أو حتى الانخراط في العنف والعصابات المتطرفة، “كلهم يريدون الإثبات في ميدان ما بأن لهم قيمة وحاضرون وبإمكانهم إحداث فرق كأبطال، خاصة مع وجود نماذج ماثلة أمامهم طيلة الوقت يريدون تقليدها.”

وتزداد هذه الظواهر بحسب فياض في المجتمعات المهمشة والفقيرة، بكونها تفتقد إلى ميادين متاحة أمام الأطفال لإبراز أنفسهم وإثبات قدراتهم، فتكون المخاطرة من هذا النوع على مواقع التواصل الاجتماعي ميداناً لهم لإظهار تميزهم، خاصة أن قوتهم الجسدية لم تنضج بعد وعلاقتهم العاطفية كذلك، فيسعون من خلال المخاطرة للاقتران بالبالغين.

تذكر فياض أن فترة الحجر الصحي أثرت بشكل كبير على سلوك المراهقين والأطفال وتسببت لبعضهم بحالات اكتئاب وانطواء خاصة في الدول التي انتهجت حجراً صحياً قاسياً، “كان مؤذ جدا نفسيا على هذه الفئات العمرية التي لم تجد إلا مواقع التواصل الاجتماعي ليفرغوا عبرها كل تلك الطاقة التي كانوا يضعونها في حياتهم اليومية والاجتماعية.”

مشاركة المشاهير في هذه التحديات تعطيها أيضاً زخما أكبر لدى المراهقين، وتجعلها أكثر خطورة، وفق فياض، “لكونهم يمثلون نموذج ناجح بالنسبة للآخرين قابل للتقليد، كما هو الحال مع الأزياء، وقصات الشعر، وعمليات التجميل، وغيرها، وحين تتحول الممارسة الخطرة إلى بطولة يتضاعف الخطر كما هو الحال مثلا مع نموذج سوبرمان والأبطال الخارقين، وكم قلدهم أطفال ومراهقين أذوا أنفسهم، الفرق اليوم أن قدرة الأهل على مراقبة الأولاد اختلفت، وإن كان باستطاعتهم منعهم من محاولة الطيران والقفز والمخاطرة أمام اعينهم، انتقلت المخاطرة إلى داخل غرفهم وأمام شاشات هواتفهم، وبات الإشراف عليهم أصعب.”

من جهته المتخصص بالأنثروبولوجيا الاجتماعية سعيد عيسى ففي عمر المراهقة لا يفكر الفرد بهذه التحديات على أنها أذية للنفس، بعكس البالغين والناضجين، “كل جيل ينظر لهذه السلوكيات من منظار، وهو نوع من صراع الأجيال، ويتعلق بالقيم الموجودة لدى الكبار والتي يرفضها الصغار ويضربونها عرض الحائط، وبالتالي كل ذلك تعبيرات عن الصراع الموجود داخل عقل المراهق.”

عيسى يلفت إلى أن المجتمع يهيئ الفرد فيه لاعتبار أذية النفس عملاً بطولياً، “والأمثلة بارزة على صعيد النماذج الشبابية التي تلاحق الموت بدلاً من تفاديه، لأنهم لا يرون في الخطر موتاً كما المجتمع، وإنما يرون فيه الحياة التي ينطلقون بها، هذه البطولة بالنسبة لهم التي قد تصل بهم للموت من أجل فكرة أو تعبير أو أيديولوجيا.”

تعبير عن النفس وتمرد لن ينتهي
ويرى عيسى أن هذا النوع من السلوكيات لدى المراهقين يمثل نوعاً من أنواع التعبير عن النفس، “هم في مرحلة أول إطلالتهم على الحياة، حيث يبدأ المراهق بالنظر إلى نفسه كمؤهل ليكون بالغاً، ويريد إثبات وجوده، ويحصل ذلك بأكثر من شكل وأكثر من طريقة، هذه التحديات الخطرة هي واحدة منها.

يضرب عيسى مثلاً قديماً كان يضرب في القرى وبات ذلك أشبه بحالة اجتماعية، يقال فيه “كاسر مزراب العين” وهو الذي يلحق ضرراً بنبع الماء الذي يسقي القرية لكي يعلم الجميع بما فعل ويصبح حديث القرية. “على هذا المثل يمكن قياس ما يقوم به المراهقون اليوم من أجل لفت الانتباه إليهم.”

الأمر نفسه، وفق عيسى، بالنسبة لمن كانوا يتباهون بالقفز من أماكن عالية إلى الماء، ويواجهون بذلك احتمالات مرتفعة للموت أو بالحد الأدنى التعرض للأذى، “ولكن حتى ولو الحق بهم الأمر الأذى سيصبح لديهم قصة بطولية يروونها طيلة حياتهم، ويفتخرون بها.”

الطبيب والمحلل النفسي شوقي عازوري، ينفي بدوره أن تكون هذه السلوكيات جديدة لدى المراهقين ويعتبر أنها “موجودة منذ الأزل وليس من الممكن التخلص منها مستقبلا، وبالأخص الاتجاه نحو التمرد على الأهل والمجتمع.”

ويشرح أن هذا التمرد وعدم الاستقرار، مصدره الأساسي انعدام الهوية لدى المراهقين، الذين ما عادوا يرون انفسهم أطفال صغار، وفي الوقت نفسه لم يبلغوا الرشد بعد ليروا أنفسهم كبالغين، وبالتالي انعدام الهوية يدفعهم إلى هذه السلوكيات التي تستفز محيطهم طيلة الوقت، من أجل دفع الأهل أو المحيط للرد عليهم بعنف.”

عازوري يلفت إلى أنه بات أمام المراهقين وسيلة تعبير تشمل نطاق أوسع بكثير من محيطهم التقليدي، “وبالتالي هذه التحديات التي يقومون بها يسعون من خلالها للتعبير عن تمردهم إلى أوسع شريحة ممكنة من الناس، وهذا الخيار لم يكن متوفرا أمام المراهقين في السابق قبل وجود مواقع التواصل حيث كان التمرد يقتصر على الأهل أو المعلمين في المدارس أو المحيط القريب.

وعن المردود الذي يحققون من وسائل التواصل لا يعتقد عازوري، أن المطلوب بالنسبة إلى المراهقين هو الشهرة او الانتشار بحد ذاته، فعادة ما تكون مطالبهم موجهة إلى أهلهم ومحيطهم المباشر، “ولكن سعيهم للانتشار هو سعي لنشر تمردهم والتعبير عنه بقدر ما يستطيعون.”

بحث عن الهوية والقبول
من ناحيتها المعالجة النفسية في مؤسسة “braintation” للصحة النفسية، نور عيد، تشرح أن المراهقين عادة لا يكون لديهم هوية ثابتة، “ولكي يشعروا بأنهم جيدين بما فيه الكفاية يقومون بتصرفات معينة لإثارة إعجاب غيرهم ونيل قبولهم لهم، لاسيما وانه في هذا العمر المراهقين يبتعدون عن أهلهم، ويتقربون أكثر من رفاقهم وبالتالي يتأثرون بهم.”

وتضرب عيد مثلاً في حديثها لموقع “الحرة” بالمراهقين المدخنين الذين يشجعون رفيقاً غير مدخن على مشاركتهم، وحين سيفعل ذلك ويجاريهم سينال تشجيعاً كبيراً وقبول كبير سيزيد من ثقته بنفسه، وهذا ما يطلبه المراهق.”

وتلفت عيد إلى وجود عامل آخر في هذه الظواهر يتعلق بما يتعرض له المراهق في محيطه ومنزله من عنف لفظي ونقد سلبي، يصل به إلى حد اعتبار نفسه مستحقاً الأذى ويعيش تأنيباً للضمير.”

تذكر المعالجة النفسية بأن المراهقين يحبون جداً تحدي الأعراف السائدة والتقاليد، وتحذر من أن هذه السلوكيات يمكن أن تتطور لدى هؤلاء الأشخاص، وان تأخذ اتجاهات اخطر أو يطول وقتها أكثر، “ويمكن أن تصبح شخصيتهم مضادة للمجتمع وهذه الشخصية لديها غضب ونقمة كبيرة على المجتمع وترفض الالتزام بالقوانين وتعارضها.”

أما التأثير الثاني الذي تنبه منه عيد، يمكن أن يحصل إذا ما تعرض المراهق او الطفل مقابل سلوكياته للرفض، بالتالي يمكن أن يعاني من تقدير منخفض للذات، وإن لم يحصل على الشهرة والانتشار التي يطلبها أو ما يهدف إليه من خلال خوضه لتحديات أن يهدد ذلك حياته لأن عقله لم يتطور بعد لاستيعاب المخاطر، ومن هنا يمكن أن يصل إلى مراحل اكتئاب وقلق.

تأثيرات نفسية
وتنتشر العديد من الدراسات التي تربط ما بين الاستخدام المطول والانخراط في مواقع التواصل الاجتماعي وظهور أعراض الاكتئاب أو القلق لدى المراهقين، وانعكست تلك الدراسات على تحليل تأثيرات التحديات الخطرة على الأطفال.

وفي هذا السياق، ترى فياض من جهتها أن هذه التحديات تتسبب بخطر وضرر نفسي ناجم بالأساس عن مشكلة نفسية وليست جسدية، فحين يؤذي الشخص نفسه، فإن دماغه يأمره بذلك، وبالتالي الأمر ليس ميكانيكياً وانما ناجم عن مراحل يمر بها الشخص قبل أن يؤدي هذا السلوك الذي يتأثر بالدرجة الأولى بحاجات المراهق والطفل النفسية التي تقود تصرفاته إضافة إلى سوء تكيفه مع محيطه التي تدفعه نحو الانحراف عن المألوف والعادي من حوله.

وتضيف “لكي نتمكن من الحسم فعلياً إذا ما كانت هذه التحديات والانخراط فيها يعود على المراهقين بالاكتئاب، علينا أن ندرس حالات عدة بشكل خاص ليتم منها تنميط حالة عامة وإلا لا يمكن الحسم بذلك، ولكن الاكتئاب عادة لا يحصل بسبب تصرف معين او حادثة، الاكتئاب مرتبط بوجود الشخص ومحيطه وكل ظروفه.

المراهق أو الطفل حينما يقوم بمخاطرة أو تحد معين، ولا يحقق منه مثلاً المردود الذي كان ينتظره من انتشار او شهرة أو وصول، بحسب فياض، سيكون قد قام بتوظيف نفسي لهذه التصرفات وانتهى بالفشل، مثل أي توظيف نفسي آخر، “وبالتالي قد يؤدي إلى عوارض اكتئاب.

الأخطر من ذلك بالنسبة إلى أستاذة علم النفس الاجتماعي أن المردود الذي يسعون جميعاً إليه، وهو الشهرة، لا يمكن لهم تحقيقه جميعاً “وإلا لن يكون له أي معنى إن أصبحوا كلهم مشاهير، الشهرة تطال أشخاصاً محددين.”

وترى أن الذين يقومون بهذا النوع من التحديات الخطرة “بالتأكيد لديهم نوع من الفراغ في حياتهم الشخصية، وليس أي مراهق ينخرط في هذه التحديات والدليل ان ليس كل المراهقين اليوم يقومون بهذه الأمور، هناك نسبة كبيرة أخرى مشغولة بتحقيق إنجازات على صعيد دراستهم وعلى صعيد رياضي وفني والمساعدة الاجتماعية، ولكن المشكلة أنه ما من تأطير لجهود الشباب كما يجب.”

من ناحيته يلفت عازوري إلى أنه “حتى ولو عانى المراهق من عوارض اكتئاب او قلق أو ازدواجية القطب مثلاً، لا يمكن التعامل معه كما يتم التعامل مع المريض البالغ، فهو يمر بمرحلة مؤقتة ستتغير مع انتقاله إلى مرحلة البلوغ، ولكن إذا ما تم تشخيصه ووصف أدوية له مثلاً حينها سيعلق المراهق بهذه الهوية كمريض ويصبح التشخيص النفسي جزء من شخصيته وهويته المستقبلية وبالتالي ينعكس عليهم بطريقة سلبية جداً.”

وعما إذا كان هذا النوع من التحديات التي تنطوي على أذى للنفس من شأنها تنمية النزعة المازوشية لدى الأطفال والمراهقين، تقول فياض “لولا وجود استعداد لدى الذين ينخرطون في هذا النوع من التحديات، لسلوك مازوشي، لما كانوا انخرطوا من الأصل في أذية أنفسهم بهذه الطريقة، إضافة إلى أن أذى النفس هو من الظواهر السيكولوجية الموجودة لدى الأطفال بأشكال متفاوتة بأخف أشكالها أكل الأظافر وتصل إلى مراحل متقدمة ينزع فيها الأطفال جلدهم أو يشطبون أنفسهم، وعادة ما يكون ذلك عوارض تدل على مشكلة نفسية كالشعور بالذنب.”

من المسؤول؟
تحمل فياض جزءا أساسياً من المسؤولية للأهل “الذين لا يقومون بالجهد الكافي لمواكبة مواقع التواصل الاجتماعي والتدخل عند اللزوم لضبط سلوكيات الأبناء، خاصة بعدما تحول الانترنت ووسائل التواصل إلى أداة شخصية، يختلف التعامل معها عن التعامل على أرض الواقع ولها أساليبها ومتطلباتها، ولا يعني ذلك قمعهم أو منعهم ولكن الإشراف على أدائهم على مواقع التواصل وشرح محاذيرها والمبالغات الموجودة عليها وحدود المقبول وغير المقبول خلال استخدامها.”

وتتابع “الخطير أن النماذج المقدمة للمراهقين اليوم في الإعلام وعلى وسائل التواصل هي فعلياً وعلمياً نماذج مريضة وتعكس أمراضاً، أحيانا نصادف اعمالاً سينمائية مثلاً تدفع للتعاطف مع مجرمين ومرتكبين وخارجين عن القانون، وبالتالي يجب أن يتدخل الأهل مع المراهق والطفل، ودعمه بالمعلومات اللازمة والتوضيحات المطلوبة ليستوعب حقيقة الأمور دون أن ينجرف بالتقليد والترند.

وترى فياض أن هناك دور كبير على المدرسة ايضاً في هذا الجانب للحد من هذه الظواهر عبر توعية الطلاب لديها وفتح نقاشات حولها في الصفوف وأن يلعب الأساتذة دوراً ارشادياً، كما أن هناك دور للمجتمع بصورة أعم في نبذ هذه السلوكيات بدل تمجيدها والتعاطي معها كبطولة والمساهمة في انتشارها وتعميمها.”

وفي هذا السياق تؤكد عيد أن دور الأهل في هذا الجانب هو الأساسي والأهم للمساعدة، “يجب أن يتعلموا جيداً كيفية التعامل مع المراهق، خاصة في مرحلة نفوره من المنزل حيث يجب على الأهل تفهمه جداً وأن يستمعوا إليه حتى النهاية دون الحكم عليه وتوجيه الانتقادات السلبية، وأن لا يجعلوا الولد أو المراهق يخاف منهم ومن ردود أفعالهم، وإنما عليهم أن يشعروا الطفل بأنهم هم مصدر الأمان لكي يلجأ إليهم حين يشعر أنه مهدد بخطر بدلاً من اللجوء إلى رفاقه من عمره غير المؤهلين لتقديم المشورة وقد يفكروا بطرق غير منطقية تؤدي إلى الأذية.

أما على صعيد المدرسة، تضيف المعالجة النفسية، فدورها هو ضبط تصرفات التلاميذ قدر الإمكان، ويمكن أيضاً للمجتمع أن يلعب دوراً مهماً جداً، للتوعية على أهمية الصحة النفسية وضرورة اللجوء إلى العلاج النفسي وتوضيح الاضطرابات النفسية التي تصيب المراهقين ودفع بهم للسلوكيات المرفوضة في المجتمع والمضرة بهم وبسلامتهم.”

وإلى جانب هذه الجهات تضع فياض مسؤولية كبيرة على عاتق مواقع التواصل الاجتماعي “التي أظهرت قدرة على التصرف والتحكم بالمحتوى عليها وتهميشه أو نشره ومراقبة المضمون وبالتالي عليهم من جهة تحمل مسؤوليتهم ولعب دورهم، ومن جهة أخرى في حين انهم يحققون أرباحاً هائلة عبر المستخدمين أن يخصصوا موازنات تتعلق بالتوعية ومواجهة هذه الظواهر على منصاتهم، ويجب على الحكومات الضغط عليهم.”

في المقابل لا يرى عيسى أن المسؤولية المباشرة تقع على عاتق مواقع التواصل الاجتماعي في هذه السلوكيات، التي يراها سابقة أصلا لزمن السوشال ميديا، ويضيف “لدى المجتمع عادة لوم الوسيلة بدلاً من البحث عن السبب، وسائل التواصل الاجتماعي هي الوسيلة أما السبب فهي المشاكل الموجودة في المجتمع نفسه، والتي ساهمت مواقع التواصل في تظهيرها وإبرازها وكسر الصورة المثالية التي يحاول المجتمع تقديمها عن نفسه.

ضياء عودة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here