ثقافة الشعب الكوردي

بقلم ( كامل سلمان )

لكل شعب ثقافة خاصة به ، وكلمة ثقافة واسعة المعنى بالنسبة للشعوب ، فالثقافة تمثل شخصية ذلك الشعب والصورة التي تختزن في ذاكرة الاخرين عن هذا الشعب ، هناك بعض الامور بالامكان ان تخلق ثقافة خاصة للشعوب تختلف في جوهرها عن اي ثقافة أخرى ، فمثلا الشعب الكوردي بسبب الظروف العصيبة التي مر بها هذا الشعب والظلم الذي تعرض له على مدى عقود فأن ثقافته تحولت بشكل لا إرادي الى ثقافة المقاومة والتحدي ، فحديث الشارع حديث المقاومة التي تتناقل القصص البطولية لرجال ونساء الكورد في مواجهة الاعداء ومعها تشتهر الاغاني التي تحث على المقاومة والشجاعة والعناد ، ولكن الان وبعد حصول تغيرات كبيرة في اوضاع الشرق الاوسط فقد تغيرت ثقافة الشعب الكوردي تلقائيا الى ثقافة الطموح في بناء الدولة الكوردية . ففي هذه المرحلة تذهب أدبيات المثقف الكوردي بهذا الاتجاه ويصبح الشغل الشاغل لأفكار المثقفين والنخب العلمية والادبية والسياسية والمجتمعية كلها تصب في هذا الجانب ، مرحلة بناء الدولة يعني مرحلة تأسيس حضارة جديدة للشعب الكوردي التي سترفد المجتمع الإنساني لاحقاً بسبل الأمان والخير ، وكل جديد يبدأ قوي وفعال ، وقد يكون هذا هو اللغز وراء كثرة النتاجات الثقافية والادبية والفنية والاعلامية الكوردية في السنين الأخيرة . دول العالم بالتأكيد ستتفاعل مع ولادة الدولة الكوردية وخاصة في مرحلة المخاض لأن الدول عموما تنظر الى مصالحها المستقبلية أكثر من مصالحها الآنية ، وهذا ما يفسر لجوء الكثير من الدول المهمة الى فتح قنوات إتصال مع كوردستان من خلال القنصليات والمكاتب الرسمية …. الكورد بحاجة الى دعم واسناد هذا التوجه الثقافي وبذل الجهود لأجل تركيزه في أذهان الناس ، ، لو عدنا قليلا الى الوراء عدد سنين ونقرأ المشهد في سوريا والعراق سنلاحظ ان الهاربين من جحيم الحروب كانت وجهتهم كوردستان ، رغم ان كوردستان حتى اللحظة ليست دولة ولكنها تصرفت في استقبال النازحين تصرف دولة ، واستطاعت ان توجه انظار دول العالم الى الموقف الإنساني والاخلاقي في التعامل مع النازحين والهاربين من جحيم الحروب ، وكذلك برزت قدرة القيادات الكوردية على استيعاب هذا الزخم الاستثنائي ، ولو شاءت الأقدار مثل هذه الاحداث والظروف التي مرت على العراق وسوريا نفسها تتكرر في تركيا وايران سنجد وجهة الهاربين من جحيم الموت هي كوردستان ايضا ، هذا يفسر ان الشعوب المحيطة بكوردستان تثق بالكورد أكثر من ثقتها بالاطراف الاخرى ، بمعنى ان الثقافة الكوردية أثبتت مصداقيتها وواقعيتها ونزاهتها ، فثقافة شعب ما بالنهاية هي صورة مرسومة في أذهان الأعداء والأصدقاء ، ثقافة الشعب الكوردي نابعة من السجايا الطيبة للفرد الكوردي و أنعكاس لصور الظلم الذي عانى منه هذا الشعب على مر الأزمنة ، فالظلم عند بعض الشعوب يولد الكراهية والانتقام لكن عند الشعب الكوردي ولد التسامح والمحبة ، ليس بمفاجأة ان تسمع مثل هذا الكلام لمن لا يعرف الشعب الكوردي عن قرب . . . فثقافة التسامح هي موجودة في تركيبة الإنسان الكوردي بشكل فطري ولكن متغيراتها الظرفية هو لب حديثنا ، فالصورة النمطية أنك تجد الإنسان الكوردي يتصرف في داخل وخارج كوردستان وكأنه أبن كوردستان الدولة وليس أبن كوردستان الاقليم ، لا يمكن ان تسمي ذلك مجرد شعور وإحساس بل قناعة كاملة وهذا ما نسميه بثقافة الشعب الكوردي في مرحلة ما قبل الدولة .
ان المسؤولية حجمها تكون بحجم المهمة المطلوبة ، عندما تخطط لبناء اساس حضاري في بقعة أرض تحيطها الوحوش الضارية وأعداء الإنسانية وتخطو الخطوات الاولى نحو هذا الهدف فهذا دليل على نبالة هذا الشعب واصراره على اثبات نفسه ، نعم أنه حمل ثقيل على كاهل المثقف الكوردي وقبلها على كاهل السياسي الكوردي وحتى على المرأة الكوردية ، ذلك يعني لابد من وجود ثقافة ونخب مثقفة موازية لهذا الحجم الكبير لبناء العقلية الكوردية الجاهزة لبناء الصرح الكوردي ، وهنا تبرز الحاجة الى جهود استثنائية تتناسب والظروف المحيطة ، الحقيقة ان الثقافة الكوردية دخلت هذا المعترك مع وجود الممانعات الكثيرة ، انا لا أتحدث الا بما يتحدث به الواقع ، وسيكون التوفيق حليف هذا الشعب الذي يستحق كل الامتنان بناء على ما قدمه ويقدمه من عطاء فياض للجميع ، مهما زادت المصاعب والتحديات … لا توجد أمة على وجه الارض تعرضت ومازالت تتعرض للمصائب والعدوان والآلام مثلما تعرضت له الامة الكوردية ، لكننا واثقون من ان دوران عجلة الحياة لابد وان تنصف الكورد وتعطيهم ما يستحقون استجابة لما قدموه ويقدمونه خلال مسيرتهم التأريخية .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here