السوريون في تركيا بين خطتين.قواسم مشتركة ونقطة اختلاف

.
جدل تركي بشأن إعادة اللاجئين السوريين
لم تعد الخطط الخاصة باللاجئين السوريين في تركيا مقتصرة على الحكومة التركية والحزب الحاكم (العدالة والتنمية)، بل انسحبت خلال الأيام الماضية إلى الضفة المقابلة، ليصبح مستقبل هؤلاء في البلاد مرهونا بخطتين، الأولى أعلن عنها قبل أشهر رجب طيب إردوغان، والثانية كشف عنها زعيم المعارضة، كمال كلشدار أوغلو.

وتتلخص خطة إردوغان، التي أعلن عنها في شهر مايو، بأن بلاده تعمل على مشروع يتيح “العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري إلى بلادهم”، وأن المشروع سيكون “شاملا بصورة كبيرة”، وسينفذ في 13 منطقة على طول الحدود الشمالية لسوريا.

أما الخطة التي كشف عنها كلشدار أوغلو زعيم “حزب الشعب الجمهوري” فتتألف من 4 مراحل، واستعرض تفاصيلها أثناء لقائه سوريين الأسبوع الماضي في ولاية كلس الحدودية، وأن تطبيقها سيكون في غضون عامين “في حال وصل إلى السلطة”.

ومنذ بداية العام الجاري بات وجود السوريين في تركيا من أكثر “الملفات الحساسة” التي يصدّر الحديث عنها بين الفترة والأخرى مسؤولون في أحزاب المعارضة، مما يدفع نظرائهم من الحكومة للرد، بتصريحات تتعلق بالخطوات التي يتم العمل عليها بشأنهم، وللتذكير بالخطة التي دخلت في طور التطبيق من جهة أخرى، فضلا عن استعراض أرقام من يقيمون داخل البلاد ومن خرجوا منها.

وكانت الحكومة قد أعلنت، خلال الأشهر الماضية، في أوقات متفرقة أنها شرعت بتطبيق خطة المليون، وأن أكثر من 500 ألف منهم عادوا “طوعا”، فيما يتم العمل على استكمال بناء “منازل الطوب” التي من المقرر أن يقطنوا فيها.

وبينما استمرت المعارضة التركية بالتذكير بالحديث المتعلق بمصيرهم وأنهم باتوا “عقبة” ومن الضروري إيجاد حل لها، جاءت خطة كلشدار أوغلو لتنقل التصريحات من المسار الإعلامي إلى منحى آخر، رغم أنه وضع كل شيء برسم “الوصول للسلطة”.

وما بين هذين الموقفين الداخليين في تركيا بشأن الوجود السوري سجلت الكثير من حوادث الاعتداء، التي راح ضحيتها مؤخرا شبان قتلوا بـ”دوافع عنصرية”.

وفي حين سادت الكثير من التحذيرات والمخاوف خفتت حدة هذه الأعمال خلال الشهرين الماضيين، مع عزوف الشخصيات السياسية عن مسار “التحريض”، الذي سارت عليه شيئا فشيئا مع بدء العد التنازلي لموعد الانتخابات الرئاسية في 2023.

“بين خطتين”
وفي إحاطة جديدة بشأن “مشروع العودة”، حصل عليها موقع “الحرة” من رئاسة الهجرة التركية، تستهدف الحكومة تحقيق “هدف وحيد” بعدة مسارات، أولها بناء 240 ألف منزل في شمال سوريا، لإجمالي 240 ألف أسرة.

وحتى الآن تمت الموافقة على 9 مناطق، منها 5 في “درع الفرات” و4 في “نبع السلام”، وفق الإحاطة.

في المقابل “سيتمكن السوريون، الذين عادوا طواعية واستقروا في هذه المنازل من أن يصبحوا أصحابها الحقيقيين، بشرط أن يقيموا فيها لمدة عشر سنوات”، وهي نقطة لم يسبق أن تم التطرق إليها في وقت سابق.

وبعد عام 2019 شرعت تركيا ببناء منازل من “الطوب” في مناطق متفرقة من محافظة إدلب السورية شمال غربي البلاد، عبر منظمات مجتمع مدني وأخرى خيرية، كـ”الهلال الأحمر التركي”، “مؤسسة الإغاثة الإنسانية IHH”، “وقف الديانة التركي”. وغيرها.

وسارت جمعيات أخرى في ذات المسار، فيما ذهبت كل واحدة منها لبناء منازلها الخاصة، والتي تتحدد في الغالب بمساحة 25 مترا مربعا.

وتصب هذه المشاريع ضمن خطوات “المنطقة الآمنة”، التي تنوي تركيا إنشاءها على طول الحدود الشمالية لسورية.، رغم أن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق إنسان دولية تؤكد حتى الآن أن سوريا لا تزال بلدا غير آمن.

في المقابل تحدث زعيم المعارضة كمال كلشدار أوغلو للسوريين الذين التقاهم في ولاية كليس، السبت، عن وعود حزبه “الآمنة” للسوريين، فيما نفى نيته إعادة أي لاجئ “قسرا”، وأنه “سنبني حياةً هناك بأموال الاتحاد الأوروبي”.

وأوضحت “جمهورييت”، أن كلشدار أوغلو فندَ الخطة التي ينوي تنفيذها في غضون عامين، والخاصة بملف اللاجئين السوريين. و”إذا فاز حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات، فإن الخطوة الأولى التي ينوي اتخاذها هي الاجتماع مع الحكومة الشرعية في سوريا، وفتح السفارات لبعضها البعض”.

بعد ذلك، جاء في الخطة: “سيتم بناء منازل ومدارس وطرق للاجئين الذين سيذهبون إلى سوريا، بفضل الأموال التي قدمها الاتحاد الأوروبي والاتفاقيات مع المقاولين الأتراك”.

كما “سيتم السماح لرجال الأعمال في تركيا بإعادة فتح مصانعهم في سوريا”، حسب ما تحدث به كلشدار أوغلو، ونشرته الصحيفة المقربة من حزبه.

ولا يعرف بالتحديد المدة الزمنية التي سيتم فيها تنفيذ “مشروع عودة المليون” حتى الآن، بينما حدد زعيم المعارضة مدة مشروعه بعامين فقط.

ويشي استعراض كل خطة على التوالي بأنهما يرتبطان بالشارع الداخلي على نحو أكبر، ولاسيما مع غياب أي موقف إقليمي ودولي بشأن ما سيتم العمل عليه بخصوص اللاجئين المتوزعين في دول الجوار، وليس في تركيا فحسب.

“تقاطع واختلاف”
في غضون ذلك، وبينما تشترك خطة إردوغان وكلشدار أوغلو بهدف يتعلق بضرورة “إعادة السوريين طوعا” وأن الأمر سيكون بتمويل منظمات دولية، يختلف مشروع هذين الزعيمين بنقطة تتعلق بالبقعة الجغرافية التي سيقطن فيها من يرغب بالعودة.

ويرى الناشط الحقوقي المهتم بشؤون اللاجئين السوريين، طه الغازي، أن “المشاريع المرفقة ببرنامج العودة الطوعية هي ذاتها سواء لدى الحكومة أو المعارضة. من إنشاء مراكز خدمية وحدائق ومشافي ووحدات سكنية”.

ويقول لموقع “الحرة”: “هي ذاتها لأن الجهة الممولة نفسها هي الاتحاد الأوروبي وبعض هيئات الأمم المتحدة”، بمعنى أن “التيارين متفقين فيما يتعلق بالتمويل”، وفق تعبير الغازي.

ويشير إلى أن الاختلاف بين مشروع الحكومة التركية وبرنامج كلشدار أوغلو هو بـ”المنطقة الجغرافية التي سيتم إرسال السوريين إليها”، موضحا: “مشروع الحكومة قائم على إعادة توطين اللاجئين في مناطق الريف الشمالي”.

أما حزب الشعب المعارضة فذكر في هذا الصدد أن “عودة السوريين ستكون إلى مدنهم وقراهم”، دون أن يحدد منطقة جغرافية بعينها.

ورغم تضارب رؤية وأفكار كل طرف سياسي في تركيا بشأن ملف السوريين، إلا أن ما يجمعهم هو حديثهم المتكرر عن “عودتهم”.

وقال إردوغان في تصريحين منفصلين أبريل الماضي: “عندما يتم إنشاء بيئة مريحة فإن اللاجئين سيعودوا إلى بلدهم طواعية”، وأنه “مع استكمال بناء المنازل المؤقتة المبنية من الطوب في سوريا سنضمن عودة اللاجئين”.

وكذلك الأمر بالنسبة لكلشدار أوغلو، الذي بات يعلن مؤخرا أن “العودة ستكون آمنة وليست قسرية”.

في المقابل خرجت أصوات معارضة لذلك، كرد فعل على الموقفين المذكورين، إذ سبق أن أعلن زعيم “حزب المستقبل”، أحمد داوود أوغلو القول إننا سنرسل لاجئين دون تهيئة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين قد يبدو كلاما جيدا، لكنه ليس واقعيا”.

وأضاف: “أولا وقبل كل شيء، نحتاج إلى بذل جهد لجلب السلام في سوريا. هذه المهمة يحددها قرار مجلس الأمن الدولي. وسيتحقق”.

“عودة ولكن”
ومنذ وقت ليس بالقصير تبحث الحكومة التركية عن “حل جذري” لأزمة اللاجئين السوريين في البلاد، وزاد الضغط عليها بعدما بدأت المعارضة “استخدام هذه الورقة لأهداف انتخابية”، وفق حديث الباحث التركي، مهند حافظ أوغلو.

يقول حافظ أوغلو لموقع “الحرة”: “كلاهما يخطط لإعادة من يريد العودة إلى سوريا وتهيئة الظروف التي تشجع على العودة.. ولكن!”.

ويضيف مستدركا أن “إعادة السوريين بالهدف الكبير تركيا يصعب تحقيقه، ولكن يمكن أن ينتقل من هم في المخيمات، وأعداد ليست بالكبيرة من عدة محافظات تركية ضمن هذا المشروع التركي المشجع على العودة الطوعية”.

وتتعلق صعوبة التحقيق بـ”تقاعس المجتمع الدولي، وعدم تفويض الجانب التركي في الملف السوري وبالشمال تحديدا، وفي ظل وجود انفصاليين وبقاء النظام السوري متربصا بكل من يعود”، وفق تعبير الباحث التركي.

ويرى أنه ووفقا للمتغيرات داخليا وإقليميا ودوليا فإنه وحتى تنتهى الانتخابات التركية “لن يكون هناك أفق واضح المعالم لعودة اللاجئين السوريين على وجه الخصوص أو مصير الشمال السوري على وجه العموم”.

ولم تقل الحكومة التركية إن مشروع العودة الذي تسير فيه يتم المضي فيه بالتنسيق مع النظام السوري، رغم أنها سلكت مسارا جديدا نحوه، منذ أغسطس الماضي.

لكن على الطرف المقابل حدد زعيم المعارضة كلشدار أوغلو أن مشروعه سيتم بعد التواصل مع النظام، وفي أعقاب الافتتاح المتبادل للسفارات.

مع ذلك اعتبر الناشط الحقوقي، طه الغازي، أن “الحكومة والمعارضة يقولان إنهما سينسقان مع النظام السوري”. وقال: “الطرفان لديهما توجه للتنسيق مع النظام بما يتعلق بأهم ملف شائك”.

علاوة على ذلك، يرى الغازي أن “الحكومة سبقت المعارضة بخطوات فيما يتعلق بإعادة اللاجئين والترحيل القسري والتنسيق والتصريحات من المستويات القيادية سواء إردوغان أو باهشتلي بشأن عودة العلاقات مع النظام”.

وكان حليف إردوغان زعيم “حزب الحركة القومية”، دولت باهشتلي قد اعتبر الثلاثاء أن اللقاء الذي أجري مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي في قطر “صحيح”، وأنه يجب فتح المجال للقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

وقال باهشتلي: “الاتصال الذي أقامه رئيسنا مع السيسي في قطر اتصال صحيح، وبرأينا يجب إعادته”، مضيفا: “ليس ذلك فحسب، بل يجب فتح لقاء مع رئيس الجمهورية العربية السورية، بشار الأسد، وتشكيل إرادة مشتركة ضد المنظمات الإرهابية”.

وجاء ذلك بعدما صرّح إردوغان الأسبوع الماضي ردا على سؤال حول إمكانية الأسد وعلاقات تركيا مع سوريا ومصر أنه “لا استياء ولا خلاف أبدي في السياسة”. وأضاف: “يمكننا أن نفعل ذلك من جديد خاصة بعد انتخابات يونيو”، و”بناء على ذلك، آمل أن نتمكن من الاستمرار في طريقنا”.

أما كلشدار أوغلو فقد أعلن ومن جهته أنه وإذا وصلوا إلى السلطة في انتخابات عام 2023، “فسوف يفتحون سفارات مشتركة مع سوريا”، مضيفا: “أول ما سنفعله عندما نصل إلى السلطة هو التفاوض مع الإدارة الشرعية لسوريا. إذا كنت ذاهبا لحل مشكلة ما، عليك التحدث إلى الشخص الذي يتعامل مع المشكلة”.

وكان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، قد قال، في فبراير الماضي، إن دراسة استقصائية أجريت على المهاجرين السوريين أظهرت أن 3.1 في المئة منهم لا يخططون للعودة إلى بلادهم، بينما قال 13.7 في المئة إنهم سيعودون إذا انتهت الحرب وبغض النظر عن النظام الذي يحكم البلاد.

وقال 28.2 في المئة إنهم سيفعلون ذلك فقط (العودة) إذا انتهت الحرب، وكان النظام الذي سيدعمونه في السلطة، فيما أشار 4.1 في المئة إلى أنهم سيعودون إلى سوريا حتى لو استمرت الحرب.

وتستضيف تركيا العدد الأكبر من اللاجئين الذين فروا بشكل تدريجي من سوريا، منذ بدايات العمليات العسكرية التي شهدتها البلاد عقب عام 2012، بواقع 3 ملايين و762 ألفا و686 شخصا، بحسب بيانات “رئاسة الهجرة التركية”.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد قالت في تقرير لها، في شهر أكتوبر، إن تركيا اعتقلت ورحلت مئات اللاجئين السوريين رجالا وصبية هذا العام، واحتجزتهم تعسفيا، وأجبرتهم على العودة إلى شمال سوريا.

لكن، وبعد ساعات من نشر التقرير، قالت رئاسة الهجرة التركية إن “مزاعم المنظمة عارية عن الصحة”، وإن “تركيا تتعامل مع اللاجئين بما يتماشى مع القانون الدولي والتشريعات الوطنية، وفي هذا في السياق يُنقَل الأجنبي فقط إلى بلده الأصلي أو بلد ثالث آمن”.

ضياء عودة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here