على منكبيهِ مكتبة!!

كأنه ولد ليرضع من كتاب , وما عرف الفطام وقد بلغ من العمر عتيا , وذخيرته عشرات الآلاف من الكتب , التي أنِسَتْ به وأنِسَ بها , وحافظ عليها كالأم الحنون.
ودارت السنون وتبدلت الأحوال والعصور , وأصبحنا في زمن التواصلات السريعة , وفقدان الإهتمام الجاد بالكتاب , والإلتصاق بالشاشة الصغيرة التي يمكنها أن تستحضر ما يريده الشخص من المعارف والكتب والمقالات , وتجيب فورا على أي سؤال , فالمعرفة صارت كالهواء!!
وفي هذا العالم الذي يمكن لقرص صغير أن يحوي ما في أكبر مكتبات الدنيا , تجده حائرا بمقتنياته من الكتب التي ملأت غرف منزله , وما تركت له إلا مكانا صغيرا للنوم بينها , وكأنه الجاحظ المعاصر.
– أريد أن أهديها للجامعة الفلانية!!
– الجامعة ترفض قبولها!!
– أريد أن أنشيئ بها مكتبة في مدينتي
– الإدارة المحلية لا توافق ولن تمنحك قطعة أرض لهذا الغرض
– أريد أن أهديها لمكتبة المدينة التي ترعرعت فيها
– المكتبة إندثرت منذ سنوات , وتحولت إلى موطن للنفايات!!
إحتار بكتبه , وهو يتدحرج على سفوح كهولته , لكنه عاد وتساءل: هل مَن يأخذها مجانا على أن يحفظها في مكان ما يحمل إسمي؟
ولا يوجد جواب ولا رغبة للحفاظ على هذا المكنون!!
طلبت من زميل لديه وسوسة في جمع الكتب , أن يعيرني كتابا , فتردد وكأنني أطلب منه أغلى ما عنده!!
قلت: حسنا , لا حاجة لي بالكتاب فهو متوفر مجانا في المكتبات الإليكترونية!!
حدق بوجهي مندهشا , وكأنني طعنته!!
والزميل تجاوز الثمانين ويعاني من أمراض صعبة , لكن مكتبته تمثل روحه!!
والمشكلة أن الكتب باللغة العربية , ولا أحد من أولاده يجيد العربية!!
إن علاقة الإنسان بالكتاب قد تبدو في أكثر الأحيان أشبه بالإدمان , أو الوسوسة , فالعديد من الأشخاص يجمعون الكتب وحسب , والبعض القليل يقرؤنها , ولهذا فأن مجتمعاتنا مكتبية وليست ثقافية , فقد تزدحم معارض الكتب بالزائرين والمقتنين , لكن النسبة العظمى منهم لا تقرأ ما تشتري , وتركنه على رفوف المكتبات في البيوت , لأنها أصبحت جزءً من الديكور المنزلي!!
ذات يوم كنت مدعوا في بيت أخ صديقي , ووجدت عنده خزانة كتب جميلة , وشد إنتباهي عدد الموسوعات والكتب المرتبة الأنيقة الأغلفة , وحاولت أن أتحدث معه عن بعض الكتب التي رأيتها أمامي وكنتُ قد قرأتها , فوجدته محرجا , فأدركت أنه لم يفتح كتابا منها , وأنها من مكملات ديكور البيت وحسب!!
قلت للحائر بكتبه , لن يستوعب كتبك إلا الديكورات المنزلية المكتبية , فهل يمكنك أن تعلن عرضها للإستعمال كديكور منزلي؟!!
حزن وتألم , وأدرك أن الكتاب الذي كان خزانة المعارف والعلوم , قد إنتصرت عليه السيدة غوغل وأخواتها وعماتها وخالاتها , وعلينا أن نستحصر ما نريده من مواقعها الإليكترونية , التي توفر لنا ما نريده من زاد المعرفة!!
إنها إرادة عصرنا المفروضة علينا وبها نعيش!!
فهل سيختفي دور المكتبات من حياتنا؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here