حكومي أم أهلي؟!

بقلم: عامر ممدوح
كاتب وأكاديمي

لا يحتاج الإنسان العراقي الكثير من الوقت حتى يدرك جلياً وبالدليل القاطع الفارق الكبير في الخدمات التي يقدمها القطاع الحكومي ونظيره الأهلي، ولا سيما في مجالات الصحة والتعليم وغيرهما.

ولم تكن عبارة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني قبل أيام حين زار احدى المستشفيات الحكومية بعيدة عن لسان كل عراقي بات يردد ان من يدخل أي مستشفى حكومي سيخرج منها مريضاً حتى لو كان سليماً معافى!، وليس أقلها إصابته بعدوى البؤس الذي تبدو عليه تلك المستشفيات!!، أما لو قدر لك دخول اي مستشفى أهلي فستجد الفارق كبيراً جداً جداً.

وليست المدارس بعيدة عن ذلك، على مستوى البنايات، والكوادر التدريسية، ومدى الاهتمام والعناية والحديث يطول وتفاصيله كثيرة.

فكيف الحال وآلاف العوائل المتعففة لا تجد ما يلبي ويسد التكاليف المطلوبة منها في تلك المدارس والمستشفيات؟!

وقبل الاستطراد في هذا الموضوع، لا بد من القول انه وللإنصاف ثمة مبادرات تحاولها بعض الكوادر والإدارات المدرسية وغيرها للحاق بركب القطاع الأهلي، وكذلك على المجال الصحي ولكن دون فائدة، لسببين، الأول: أن جميع تلك المحاولات لا تخرج عن نطاق الاجتهاد الفردي، والثاني: لضخامة رؤوس الأموال المستثمرة في القطاع الأهلي والتي لا يمكن اللحاق بها حكومياً، ناهيك عن العقلية التقليدية والإغراق في الروتين الحكومي واللذان يقيدان كل خطوة تطوير وإصلاح.

ولعل أخطر ما في الموضوع الاحساس بان المسألة ليست عفوية في جانب منها، وأنها ليست آنية ومرتبطة بوقت دون آخر، إذ يبدو للمتابع أن هناك ارادة ما تريد إفراغ القطاع الحكومي من كل صور الفاعلية، وتعمل على وأد وإجهاض أي جهود تعمل على تطويره وجعله يليق بالإنسان العراقي الذي لا يجد أمامه من حيلة لضمان حياته او مستقبل أبنائه إلا وأن يدفع بهم نحو المؤسسات الأهلية.

فمن المستفيد من كل ذلك؟

قطعاً هناك جهات مستفيدة، وأخرى توفر الغطاء، وثالثة تحمل دوماً ابتسامتها الصفراء وهي ترى تدهور الحال! لذلك، لا بد من دق ناقوس الخطر هنا لانتباه إلى محاولة تجريد الدولة من محتواها ونخرها بالفساد وتحويلها إلى هيكل خاوٍ لا قيمة له ولا اعتبار!

وعلينا الادراك جلياً أن هذا الموضوع يتضخم اليوم بشكل متسارع، وتزيد ظواهره المختلفة والتي تصب في النهاية بالنتيجة المؤسفة له، فمن تفرعات وإفرازات وتراكمات هذا الملف، الانتشار الكبير لمعاهد التقوية والتي تقدم فيها الدروس الخصوصية من فئة 5 نجوم!، مما غدا ظاهرة عامة مستفحلة بشكل مريب، وترهق وتستنزف ميزانية العوائل العراقية على نحو مخيف بعدما تحولت إلى باب كبير جداً للتجارة التي تقتات وتتغذى اليوم على سوء مستويات التعليم الحكومي ومؤسساته من جهة، وضعف مستوى الكوادر التدريسية من جهة أخرى.

وهي دورة متكاملة، يتحمل فيها الجميع المسؤولية، فالركون إلى المؤسسة الأهلية مرده في غالب الأحوال تردي المؤسسات الحكومية، وتردي الأخيرة سببه الاخفاق في ادارتها ونتاج منطقي لوباء الفساد اللعين الذي يضعفها باستمرار، وانتشار الفساد عملية مركبة ومعقدة، مرتبطة ببنية النظام السياسي الذي وجد بعد 2003، وهي ذاتها المنظومة التي تنتج لنا كوادر تدريسية بات الطلبة يصححون لهم ما يقولون، ولا غرابة في ذلك، فكيف لفاقد الشيء ان يعطيه؟!

ان الحديث في هذا المجال ذو شجون وشجون، وختامه ان العديد من القطاعات الخدمية تسير نحو الانحدار، واستدراكها على الرغم من صعوبته ما زال ممكناً وليس مستحيلاً، متى ما توفرت النوايا الصادقة والعمل الجاد والأفكار المتطورة، فعلى الرغم من كون هذا الانحدار مفهوماً لمن يقرأ الأحوال بدقة، ولكن من غير المبرر التسليم له والسكوت عليه بأي حال من الأحوال.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here