مساعي لعسكرة الانتفاضة في إيران ومسؤوليتنا لإفشالها

سمير عادل

ليس امام المسؤولين في إيران لمواجهة الانتفاضة الجماهيرية التي تعم معظم المدن الإيرانية، والحيلولة دون تحولها الى ثورة تقلع النظام الإسلامي من الجذور، سوى سيناريو واحد، الا وهو عسكرة الانتفاضة، بعد فشل كل اليات القمع التي تستخدمها بكل وحشية سافرة.

ومن هذه الزاوية يجب النظر الى القصف المتواصل من قبل القوات الإيرانية على قرى ومدن كردستان العراق، بحجة وجود جماعات مسلحة ومدعومة من إسرائيل وامريكا، اضافة الى محاولات النظام الإسلامي في ايران لتقديم شكوى الى مجلس الأمن قبل أيام يطالب فيها بإدانة الجماعات المسلحة القومية الكردية والوقوف بوجهها، بذريعة تورطها بالقيام بعمليات ارهابية في ايران، وانها تقف خلف الاحتجاجات، وما هذه المحاولات سوى جزء من استراتيجية قمع الانتفاضة، عبر خلط الأوراق، والعمل دون اتساع حجم التضامن العالمي مع نضالات جماهير ايران من اجل الحرية والمساواة، وبموازاة ذلك وفي نفس السياق أيضا، ان الإعلان عن رفع تخصيب اليورانيوم الى ٦٠٪ وبغض النظر عن صدقيته (حيث شكك به البيت الأبيض) ورفع التصعيد مع الوكالة الطاقة الذرية، هو عملية أخرى لتحريف الأنظار وخاصة الاعلام العالمي عن ما يدور في ايران، للانفراد بممارسة القمع دون وصول اصدائها الى العالم.

بمعنى اخر ان النظام الإسلامي في إيران يحاول إعادة إنتاج سيناريو سورية، لخلق الذرائع والارضية المناسبة لعسكرة المجتمع وبالتالي كي تسنح الفرصة لها لقمع الانتفاضة، ولا يهمه حجم الخسائر البشرية وعدد القتلى في صفوف جماهير إيران، لكن المهمة الاصلية هو الاحتفاظ بالسلطة.

بوصلة السياسة الغربية والانتفاضة:

ان بوصلة السياسة الغربية، لا تشير لحد الان الى دعم اسقاط النظام الإسلامي في ايران، حيث ان كل العقوبات التي صدرت سواء من الإدارة الأمريكية او من الاتحاد الأوربي، او اصدار قرار تشكيل لجنة تقصي الحقائق من قبل مجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، تصب في اتجاهين متعاكسين، الأول محاولة ابتزاز النظام الإسلامي وجره للتوقيع على الاتفاقية النووية وتقليم أظافره في المنطقة وتقويض نفوذه، أما الاتجاه الآخر هو رسم خط رجعة له، في حال تحولت الانتفاضة في إيران إلى ثورة تنهي وجود النظام الاسلامي، ويسمح له بالتدخل في رسم سيناريو لتشكيل سلطة موالية لها تحت عنوان الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وفي كلا الحالتين لا تتجاوز السياسة الغربية دائرة الانتهازية، ولا تهمها مصالح جماهير إيران بنيلها الحرية والمساواة والكرامة والتخلص من كابوس الجمهورية الإسلامية ووحوشها الكاسرة، وتبين التجارب التاريخية وخاصة مع السياسة الامريكية واقعية ما نشير اليه، وأقرب مثال لنا هو تسليم أفغانستان الى طالبان على طبق من ذهب، او تعويم الأحزاب الإسلامية في العراق بعد احتلاله ووضعها على دفة السلطة السياسية.

بشكل آخر نقول، أن السياسة الغربية وتدخلها بأشكال مختلفة، لا تخدم الانتفاضة في إيران ولا تدعم نضال الجماهير، بل ان تلك السياسة من شأنها أن تطلق ايادي وحوش الجمهورية الإسلامية للتنكيل المطلق، وتحت يافطتها المهترئة مثل تدخلات الكيان الصهيوني والامبريالية الامريكية والشيطان الأكبر.. الخ من تلك الترهات، مثلما بينتها أبواق المأجورين فيما يسمى بـ “المقاومة والممانعة”، تتحدث بأن الغرب يحاول منذ الثورة الإيرانية وسقوط نظام الشاه بأسقاط الجمهورية الإسلامية، متناسين بكل صلافة ووقاحة، هو ان الغرب نفسه الذي أوصل الخميني الى السلطة وعلى متن الخطوط الجوية الفرنسية ليحط في طهران، وحوله الى نجم في سماء الثورة لمواجهة مد اليسار العمالي والاشتراكي في ثورة ١٩٧٩.

إذا أراد الغرب المتمثل بالإدارة الامريكية والاتحاد الأوربي تقديم أي شكل للعون لجماهير إيران ونضالاتها الجسورة، عليه بالكف عن التدخل في شؤون إيران، فالجماهير لم تنتظر صافرة الانطلاق من الغرب لبدء الانتفاضة، ونساء إيران لم تنتظر ايعازا من الغرب لترفع شعار (المرأة-الحياة-الحرية) وتجر كل المجتمع إليها.

وفي هذا المضمار أن التدخل الغربي في شؤون الانتفاضة، من الممكن ان يشارك أيضا في اعادة انتاج سيناريو سورية في إيران، والذي كان طرفا فعالا ونشطاً على الصعيد السياسي والدعائي والدعم العسكري لكل العصابات الإسلامية وغيرها في سورية. أي ليس ببعيد عندما يحين النظام الإسلامي في إيران الى السقوط وتهرع حلفاء إيران مثل روسيا والصين بالتدخل لإنقاذ النظام، يلجا الغرب أيضا بنفس السياسة التي قامت فيها في سورية، أي أن كل الاحتمالات قائمة وحاضرة في ذهن صناع السياسة الغربية في المنطقة.

على الصعيد الاخر حاولت الأحزاب القومية الكردية الإيرانية، ومنذ الأيام الأولى للانتفاضة بٌعيْدَ قتل مهسا اميني، إضفاء الطابع القومي على الانتفاضة، وتأطير الانتفاضة بأطار قومي، وتعريف (مهسا اميني) بأنها مناضلة كردية من مدينة (سقز) الواقعة في كردستان إيران، إلا ان الانتفاضة وروحها كانت أكبر من مخططات وامنيات واحلام الأحزاب القومية، لتصل الى جميع المحافظات والمدن الإيرانية، ويرفع الشعار المذكور (المرأة-الحياة-الحرية) لتلتف حوله كل جماهير إيران .

ان هذه الأحزاب القومية، لن تتورع هي الأخرى التي فشلت لحد الآن بإيجاد موطأ قدم لها في الانتفاضة، كما هو حال القوميين الاخرين الفرس او الموالين لشاه، هذه الجماعات القومية الكردية لن تتردد هي الأخرى عن عسكرة الانتفاضة، وان أي سيناريو اسود للوضع السياسي في إيران من صالحها وتستمد وجودها من تلك الأوضاع.

ان كل أعمال هذه الجماعات واستراتيجيتها السياسية تصب بالفصل بين نضال جماهير كردستان ونضال جماهير إيران، فهي تجد سهم لها في مستقبل التحولات السياسية في إيران ومعادلة السلطة في الصراعات القومية، وليس من صالحها أي نضال موحد لجماهير إيران، كما هو الحال في العراق وعمليته السياسية المقيتة.

إن إحدى الخصائص المميزة والبارزة في الاحتجاجات الإيرانية، هي الجسارة الثورية، الى جانب نزعتها التحررية والتقدمية وتجاوزها لكل النزعات القومية والمحلية والمناطقية، وفضلا على ذلك سيادة روح التضامن بين جماهير ايران والشرائح الاجتماعية المختلفة، فلقد تضامنت الجماهير في عشرات المناطق والمحلات في طهران علاوة على المدن الأخرى مع جماهير مهاباد التي طوقها الباسدران ورجال الأمن ونكلوا بها، وان التفاف جماهير ايران حول الشعار (المرأة-الحياة-الحرية) مع شعار الموت لخامنئي، الموت للديكتاتور، هو تأكيد على عدم قدرة القوى القومية في دك اسفين او فصل نضال جماهير احواز عن كردستان عن بلوشستان عن طهران واصفهان عن مشهد حتى عن قم قلعة الملالي وعمائهم العفنة.

هذه الخصائص ترعب القوى القومية المحلية في إيران، وتنال من السياسة الغربية التي تحاول ان تكون محافظة وحتى رجعية، وتبطل فتيلها، وهي أي تلك الخصائص، بقدر ما هي نقطة قوة لصالح افشال كل مخططات عسكرة الانتفاضة، بنفس القدر ترعب كل القوى سواء النظام الإسلامي او القومية او السياسة الغربية لوأد الثورة في إيران.

ان انتصار الانتفاضة في إيران عبر تحولها الى ثورة تحررية بالمعنى المطلق، تقلع كل جذور الجمهورية الإسلامية، مرهون ليس بوعي جماهير إيران للأخطار المحدقة بها، مثل عسكرتها وفصل افاقها عن سياسات تلك القوى المذكورة فحسب، بل أيضا مرهون بنا، بتقوية التضامن معها، وفضح السياسة الغربية ومكائدها، وممارسة الضغط السياسي والدعائي على القوى القومية في إيران، وجر جماهير العراق والمنطقة العربية الى تقديم كل اشكال الدعم لها.

للأسف الى حد هذه اللحظة، لم يرتق دعم الانتفاضة الى ايران في منطقتنا الى مستوى يمكن يشكل ضغط إعلاميا وسياسيا حتى على ذيول النظام الإسلامي في العراق والمنطقة، والتي تشير تقارير، بأن مليشيات عراقية مثل عصائب اهل الحق وحزب الله اللبناني وغيرها، بدأت بأرسال عناصرها لقمع الانتفاضة في ايران.

ان الغالبية العظمى من المنظمات والاتحادات العمالية والأحزاب والقوى السياسية في العراق والمنطقة العربية تقف الى الان موقف المتفرج مما يدور في ايران، وكأن الذين يذبحون في ايران لا يمتون بصلة إنسانية او طبقية بهم.

ان النظام الإسلامي في ايران لديه حلفاء بدأوا ينزلون الى الساحة لنجدته، فسقوط النظام الإسلامي سيقلب المعادلة السياسية لا على صعيد ايران والمنطقة بل على صعيد العالم، وسيعود الإسلام السياسي وجلاوزته ووحوشه صاغرين الى الكهوف خلف التاريخ، وهذا ما تتخشاه ذيول ايران في المنطقة، بيد ان جماهير ايران ليس لديها حلفاء، للانتصار على اكبر قوة وحشية جاءت عبر التاريخ، سوى الجماهير التي فجرت انتفاضة أكتوبر في العراق والثورتين المصرية والتونسية والسودانية، والسترات الصفر والقوى التحررية والإنسانية في العالم.

ان التخلص من كابوس الإسلام السياسي هو نقطة على طريق الأمان والحرية والمساواة، ليس لجماهير ايران فحسب بل لجماهير المنطقة وحتى العالم برمته، فعلينا ان نعي معنى التضامن مع الانتفاضة في ايران وانتصارها النهائي، وهو احدى الوسائل للوقوف بوجه تلك الذيول التي تسعى لعسكرة الانتفاضة مع القوى الامنية وقمعها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here