خامنئي واكسير الدين و السياسة والسلطوية وبلع وتهميش المرجعية (1)

د.كرار حيدر الموسوي
التغيير المعد مخابراتيا” الذي جاء بالخميني ١٩٧٩ لم يتوقف عند توظيف الدين والمذهب من أجل السلطة السياسية والإمساك بمقاليد القوة في المجتمع الإيراني بالتنسيق مع الإدارة الامريكية حيث وثق ذلك الكاتب شاهر زكريا من واشنطن وبالحرف الواحد {{ في ٢٧ يناير ١٩٧٩ بعث مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله الخميني برسالة سرية إلى واشنطن ، عرض من خلالها على إدارة الرئيس جيمي كارتر آنذاك صفقة تنص على – أن القادة العسكريين الإيرانيين يستمعون لأميركا والشعب الإيراني يتبع أوامري ، لذا بإمكان الرئيس كارتر استخدام نفوذه على الجيش كي يتغاضى عن دخولي إيران ويمهد الطريق لي للاستيلاء على طهران – ، مضيفاً أن بوسعه تهدئة الأمة في إيران ، ويمكنه استعادة الاستقرار ، وأن (( مصالح أميركا ورعاياها في إيران ستكون محمية )) ، اقتنع كارتر بأن حاكم إيران الشاه استبدادي وعليه أن يغادر مخلفا وراءه وزارة لا تحظى بشعبية وجيشا في حالة من الفوضى ، وأكد الخميني في رسالته – عدم الذعر من فكرة فقدان حليف استراتيجي ، وطمأن الأمريكان بأنه أيضا باستطاعته أن يكون صديقاً – ، موضحا في رسالته – سترون أننا لسنا في أي عداء معكم – كما وعد بأن (( الجمهورية الإسلامية ستكون إنسانية ، وستعود بالنفع على قضية السلام والهدوء للبشرية جمعاء )) }} ، والجلوس على عرش الطاووس الفارسي الصفوي الذي انهاه الساعد والسيف العربي في معركة القادسية الأولى ومعركة نهاوند – فتح الفتوح – بل تمادى الخميني ومن جاء بعده في عملية معقدة ومتواصلة من تزوير المرجعية والتلاعب بالمذهب والدين من أجل تمكين معتنقي منهج الخميني وتلاميذه وأتباعه والتخلص من كل المراجع العظام الذين سبقوه بالعلم وفارقوه بالتقوى والورع والبعد من عن حظوظ الدنيا وفي سبيل الإمساك بتلابيب السلطة السياسية لم تتوقف تلك العصابة عند حدود التزوير بل إنها تورطت في تصفيات للمنافسين بصورة مباشرة أو غير مباشرة والتصفيات هنا لم تكن للسياسيين من رجال الشاه السابقين الذين انضموا للحكم الطائفي الجديد بل للمراجع الدينية المنافسة من داخل الحوزة ذاتها وللمثقفين الذين مهدوا لثورة الشعوب الإيرانية مثل الدكتور علي شريعتي وهو من العلماء الشيعة التنويرين في ايران ألف وكتب عدة كتب ومقالات منها كتاب ( التشيع العلوي و التشيع الصفوي ) حيث فضح بشكل كبير ما أضافه الصفويون من فكر منحرف نسبوه زورا و بهتانا لأهل بيت النبي وأشار الى دور الكنيسة الصليبية التي استعان إسماعيل الصفوي بقساوستها في استنساخ و نشر الاعمال والعقائد المسيحية التي كان يمارسها المسيحيون في ايران من أمثال مواكب العزاء التي كان يقوم بها مسيحيو ايران حزنا على صلب المسيح عليه السلام حسب اعتقادهم والباسها اللباس الإسلامي الشيعي لتكون تلك العقائد الأسس التي استند اليها الصفويون في تحريف منهج أهل البيت وبسط نفوذهم من خلال سلب عقول البسطاء والعامة من اهل العراق والبلاد الإسلامية ، وكذلك له رؤية واضحة من نظرية ولاية الفقيه التي يعمل خميني على ترويجها والعمل بها باي متغير سياسي في ايران او أي بلد إسلامي ، وتقوم نظرية ولاية الفقيه التي يعمل الخميني على ترسيخها على أهم مبدأ أساس هو – نظرية الأعلمية – وهذه تعني أن الفقيه الذي ينوب عن الإمام الغائب لا بد أن يكون هو – أعلم – أهل زمانه ، وهناك اعتقاد لدى الكثير من الباحثين الإيرانيين او غيرهم ان اغتيال الدكتور علي شريعتي في لندن قبل عام من المتغير المخابراتية المعد غربيا في ايران والمجيء بخميني على راس النظام الراديكالي الذي أشار اليه مستشار الامن القومي الأمريكي الأسبق زبيغنيو بريجي نسكي أحد أهم مخططي السياسات الأميركية الاستراتيجية على الإطلاق {{ جاءت رسالة الخميني ، هي جزء من وثائق رفعت عنها واشنطن السرية أخيراً تدل على شراكة أميركية مع الخميني ، نتيجة لمحادثات مباشرة جرت لمدة أسبوعين بين رئيس أركان الخميني وممثل للحكومة الأميركية في فرنسا ، مما ساعد على تمهيد الطريق لعودة الخميني إلى إيران بشكل آمن ووصول سريع الى السلطة ، وتكشف الوثائق انه بعد مغادرة الشاه اخبرت واشنطن مبعوث الخميني أن (( الولايات المتحدة مع فكرة تغيير الدستور الإيراني ، وإلغاء النظام الملكي ، وأن القادة العسكريين الإيرانيين سيجدون مرونة بشأن مستقبلهم السياسي )) وكشفت الوثائق أن (( الخميني يعتقد أن وجود الأميركيين في إيران أمر مهم للغاية وذلك لمواجهة النفوذ السوفيتي الملحد والبريطاني )) وفي ٩ نوفمبر ١٩٧٨ بعث السفير الأميركي لدى طهران وليام سوليفان ببرقية بعنوان (( الفكرة التي لا يمكن تصورها )) ، محذرا من أن الشاه انتهى وان واشنطن يجب أن تطيح بالشاه وجنرالاته ومن ثم تعقد صفقة بين صغار القادة والخميني ، وفي ٩ يناير ١٩٧٩ كتب نائب مستشار الأمن القومي ديفيد آرون إلى زبيغنيو بريجنسكي (( أفضل ما يحدث من وجهة نظري في إيران هو انقلاب عسكري ضد رئيس الوزراء شابور بختيار ومن ثم التوصل الى اتفاق بين الجيش والخميني الذي أطاح بالشاه بقوة ، تصوري هو بإمكانية تنفيذ الصفقة من دون تدخل عسكري ضد بختيار أولاً )) وبعد ذلك بيومين قال الرئيس كارتر للشاه (( عليك ترك إيران على وجه السرعة )) كما تكشف الوثائق أنه في اجتماع مهم عقد في البيت الأبيض يوم ١١ يناير توقعت وكالة المخابرات المركزية أن الخميني سيسمح لأتباعه المعتدلين الذين تلقوا تعليمهم في الخارج ، والرجل الثاني في قيادته محمد بهشتي ، بان يديروا الحكومة ، وترى واشنطن ان بهشتي كرجل برغماتية وعملي ويتحدث الإنكليزية وحاصل على تعليم جامعي وكذلك لديه خبرة الحياة في الغرب ويمكن للأميركيين التحدث معه.وكان الجنرال في القوات الجوية الأميركية ويدعى روبرت هويزر اجرى محادثات في طهران مع كبار الجنرالات لإقناعهم بأن التغير حادث لا محالة وعليهم أن يتعاملوا مع بهشتي }}

؟؟؟وبهذا يكون اغتيال الدكتور شريعتي ضمن اطار التصفيات المسبقة وان كان السافاك الإيراني هو المتهم الأول في حينه ومن أجل إعطاء الشرعية والاحقية لفعال خميني نجده اكد على الاتي وهذا بحد ذاته تجاوز على الاعتقاد الفقهي وجوهر الاعتقاد وفق منهج وفكر الامام جعفر الصادق عليه السلام {{ أن ولاية الفقيه المطلقة مستمدة من سعة ولاية النبي وأهل بيته الأطهار عليهم السلام فكما يجوز للنبيِّ وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام أن يحللوا الحرام ويحرموا الحلال فكذا يجوز ذلك للفقيه في عصر الغيبة الكبرى ، لوحدة الملاك أو المناط وهي المصلحة التي يراها الفقيه تماماً كما يراها النبيُّ والوليُّ عليهما السلام ، لقد ظنَّ الخميني أن ولايته مطلقة من حيثية حاكميتها على عامة الأحكام الشرعية حيث يمكنه أن يعطلها إذا اقتضت المصلحة ، مع أنها مصلحة غير مشروعة أبداً ليست للنبي ولا لأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ، فكيف تكون له .. ؟!}} ومن جملة ما قاله في هذا الصدد ــ في صحيفة النور موجهاً الخطاب للخامنئي ــ هو التالي {{ إنّ ولاية الفقهاء المطلَقة هي نفس الولاية التي أعطاها الله إلى نبيّه الكريم والأئمّة عليهم السَّلام ، وهي من أهمّ الأحكام الإلهيّة ، ومقدَّمة على جميع الأحكام الإلهيّة ، ولا تتقيّد صلاحياتها في دائرة هذه الأحكام ، فالحكومة تعتبر من الأحكام الأوليّة ، وهي مقدَّمة على الأحكام الفرعيّة حتى الصّلاة والصّوم والحج ، وتستطيع الحكومة أنْ تلغي من جانب واحد الاتفاقات الشرعيّة التي تعقدها مع الأمّة ، إذا رأت أنها مخالفة لمصالح الإسلام أو الدّولة ، كما تستطيع أنْ تمنع أي أمر عبادي أو غير عبادي يخالف المصالح العامّة ، وللحكومات صلاحيات أوسع من ذلك }} المصدر صحيفة النور ج ٢٠ ص ٣٦٦ المؤرخة بتاريخ ١٦ شهر دي بالفارسي عام ١٣٦٦ ش.ق.جمادى الأولى عام ١٤٠٨ ه ، ق.ضمن موضوع صلاحيات الحكومة الإسلامية ، ويمكن مراجعة أيضاً كتاب – نظرية الحكم والدولة – للمؤلف محمد مصطفوي الطبعة الأولى نشر معهد الرسول الأكرم العالي عام ١٤٢٣ هجري وهو من علماء نظام الولاية وراجع كتاب ولاية الفقيه العامة في الميزان والإيراد عليها صفحة ٣٤٤ ـــ ٣٤٧ قال محمد المصطفوي في كتابه – نظريات الحكم والدولة ص ٢٣٤ – فهو ــ أي الخميني يرى أنّ دائرة صلاحيّات وسلطات الوليّ الفقيه أوسع بكثير مما يراه الفقهاء الآخرون – الإيراد على التصورين المتقدمين إن كلا التصورين باطلان بطلان التصور الأول بوجوه متعددة هي الآتية من حيث رجوعه إلى فساد الاستدلال بالأخبار التي ساقها هؤلاء ــ أي أصحاب نظرية الفقيه الوالي ــ لإثبات مدعاهم الأول ، حيث تصوروا أن مراد الإمام جعفر الصادق عليه السلام بقوله (( فإني قد جعلته عليكم حاكما هو السعة في الحاكمية ، مع أن سياق الفقرة المستدل بها في الرواية إنما هو في مورد القضاء وفصل الخصومة بين المتنازعين على الميراث ، فموردها خاص وهو القضاء في حكم شرعي في قضية خاصة ، وهو ما أطلق عليه في لسان الفقهاء بالقدر المتيقن )) فالتعدي عنه إلى ما هو أوسع منه بحيث يشمل الحاكمية في كل شيء حتى في الأموال والأعراض والدماء في غاية الإشكال ، بل هو عين الحرام وقد أسهبنا في ذكر الإيرادات على مدعاهم في هذه الرواية ما ورد في كتاب – ولاية الفقيه العامة في الميزان – حتى بلغ الرد عليه بعشرة إيرادات في الطائفة الثانية عشرة من الأخبار المدعاة على ولاية الفقيه ومما يؤيد كون رواية عمر بن حنظلة في مورد القضاء وأن للفقيه حق ولاية أو تولي القضاء بين المتخاصمين دون التوسعة في الولاية التي ادَّعاها الخميني ، ما ورد في عدة أخبار صحيحة تشير إلى ما أشرنا إليه منها {{ ما جاء في صحيحة أبي خديجة عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام (( إياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا – وفي نسخة الكليني هكذا شيئاً من قضائنا – فاجعلوه بينكم ، فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه سواء أكانت هذه الأعلمية في جميع علوم الدين ، أي أن يكون أعلم أهل الزمان في جميع فروع الدين ، أم أعلمهم فيما يتعلق بالحلال والحرام ؟ وقد اختلف مراجع الشيعة الأمامية في تحديد تعريف دقيق للأعلمية وفي كيفية قياسها ، وكيفية تحديدها ، ومن الذي يستطيع أن يحدد الأعلم في كل زمان ؟ وهل يكون ذلك الأعلم في كل الأقطار أم في قطر واحد ؟ وهل يتم تحديده بإجماع آراء أهل العلم ؟ أم باختيار مجموعة منهم ؟ ومن يحدد هذه المجموعة ؟ }}

؟؟؟هذه القاعدة ضرب بها الخميني عرض الحائط ، وتجاوزها تجاوزاً كاملاً ، وبذلك أفسد مسلمات المذهب ، وخالف الشرط الأساسي لشرعية الولي الفقيه ، وحول أسس شرعية الولي الفقيه من القواعد الدينية التي يحددها مبدأ – الأعلمية – إلى الغلبة السياسية والسطوة الحزبية والهيمنة الجماهرية التي تحددها الحزبية السياسية والغوغائية الشعبية ، وحين رجع الخميني على متن طائرة فرنسية إلى طهران كقائد ثوري جماهيري شعبي وكما رسم له وخططه من جاء به ، كانت المرجعية الدينية معقودة لعلماء كبار يفوقون الخميني من حيث – الأعلمية – هم المرجع الديني الكبير آية الله شريعتمداري الذي كانت في يده إدارة الحوزة العلمية في قم بصفته المرجع الأعلى في إيران وكان معه على نفس المستوى آية الله مرعشي نجفي ، وآية الله كلبايكاني ولكن حركة الخميني وما نتج عنها من سلطة سياسية دينية سارعت بفرض الإقامة الجبرية على آية آلله شريعتمداري وآية الله محمد الشيرازي ، ليخلو المجال للخميني ويتصدر المشهد ، ويكون هو المرجع الديني الأول بقوة السلطة السياسية وجبروتها وبتجاوز كامل لأهم أسس نظرية ولاية الفقيه وهو مبدأ – الأعلمية – ، وبذلك قامت ما يسمى بثورة الخميني بعملية تزوير ديني خطير واستمر هذا التزوير وصاحبته عمليات معقدة للتخلص من المنافسين بعد الخميني ، وحين مات الخميني تمت عملية تزوير أكثر شراسة وأشد وطأة فقد تم الزج بعلي خامنئي وهو في ذلك الوقت في رتبة علمية دنيا فقد كان يحمل لقب حجة الإسلام وليس لقب آية الله الذي يجعله مؤهلاً لأن يكون في صف من يتنافسون على مبدأ – الأعلمية – ليكون الولي الفقيه وقد تمت هذه العملية بترتيب وحنكة لا تخلو من التآمر من زميله حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني للحفاظ على مصالح معتنقي منهج الخميني وتلاميذه وأتباعه أو اللوبيات الدينية والسياسية والعسكرية التي تحكمت في إيران بعد حركة الخميني ، وقد وقع الاختيار على خامنئي لأنه من السهل التحكم فيه لتدني رتبته الدينية وللتخلص من آية الله منتظري ذلك الحبر العملاق الذي عزله الخميني قبل وفاته وظن أنه تخلص منه للأبد ، وتم تمرير مرجعية خامنئي من خلال تغيير الدستور الإيراني عام ١٩٨٩ ليكون شرط المرجعية منطبقاً عليه بعد حذف كل الاشتراطات الدينية والعلمية التي لا تنطبق على من يحمل رتبة حجة الإسلام الدنيا في سلم المرجعية الدينية واستطاع خامنئي الاستحواذ على المرجعيتين الدينية والسياسية معاً بعد أن تم التخلص من كل المراجع الكبار إما بانتظار موتهم أو باستبعادهم من الصورة ، وخلا الأمر لخامنئي ، الذي يعد من أهم تلاميذ سيد قطب فقد ترجم له إلى اللغة الفارسية كتابين هما المستقبل لهذا الدين والإسلام ومشكلات الحضارة ” بيان ضد الحضارة الغربية ” وفي ٨ يناير ٢٠١٧ مات حجة الله الإسلام هاشمي رفسنجاني في مسبح فرح المملوك لزوجة الشاه الراحل شاهبانو فرح بهلوي ، وبعد اندلاع المظاهرات في شوارع المدن الإيرانية في ٢٠١٨ خرج من رجال الحوزة في قم من يهدد الرئيس حسن روحاني بالقول ” المسبح في انتظارك ” ، في إشارة واضحة إلى أن وفاة رفسنجاني لم تكن عادية وأن الرئيس روحاني قد يلاقي نفس المصير إذا لم يكن في طوع المرجعية المزورة ومن المؤكد أنه سوف تستمر عملية التزوير في المرجعية للإمساك بالسلطة السياسية بعد علي خامنئي لضمان مصالح معتنقي منهج الخميني وتلاميذه وأتباعه الدينية والسياسية والعسكرية التي استولت على إيران بعد ١٩٧٩ ، وسيستمر توظيف الدين لخدمة السياسة ، وتوظيف المذهب لخدمة العنصر الفارسي وأحلام إعادة الإمبراطورية ، وستأتي هذه (( اللوبيات )) أو معتنقي منهج الخميني وتلاميذه وأتباعه بمن تصنعه كمرجع وولي فقيه حتى وإن كان أدنى رتبة من حجة الإسلام في سلم الرتب الدينية للحوزة العلمية المكرمة في بحثه الرائع – نظرية الأعلمية – في الفكر الشيعي وأزمة اختيار الولي الفقيه المنشور في – المعهد الدولي للدراسات الإيرانية – وأورد الباحث محمد السيد الصياد كلمة للمفكر الشيعي هاني فحص يقول فيها (( إن الإيراني استيلائي ، لا يُحبّ أن يكون له دور وإنما نفوذ الدور يعني الشراكة ، الدور يشترط الآخر ، والنفوذ استتباع واستلحاق ، زبائني ريعي يشتري الرقبة والقرار ، يهمّه الوصول إلى هدفه ، هو براغماتي جدًّا ومسكون بهاجس الإمبراطورية التي يريد استعادتها بمنطق القوة الفارسية أو الشيعية أو الإيرانية مقابل الكثرة العربية ))

بوجود الأبناء الاصلاء للامة العربية حماة الديار بعموم الوطن العربي سيبقى الإسلام المحمدي صامدا” بوجه كل هجمات التضليل والبدع والخرافة

لم تتوقف ثورة الخميني 1979 عند توظيف الدين والمذهب من أجل السلطة السياسية، والإمساك بمقاليد القوة في المجتمع الإيراني، والجلوس على عرش الطاووس الفارسي العتيق، بل تمادى الخميني ومن جاء بعده في عملية معقدة ومتواصلة من تزوير المرجعية، والتلاعب بالمذهب والدين من أجل تمكين “شلة” الخميني، وتلاميذه وأتباعه، والتخلص من كل المراجع العظام الذين سبقوه بالعلم، وفاقوه بالتقوى والورع والبعد من عن حظوظ الدنيا.

وفي سبيل الإمساك بتلابيب السلطة السياسية لم تتوقف تلك العصابة عند حدود التزوير بل إنها تورطت في تصفيات للمنافسين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والتصفيات هنا لم تكن للسياسيين من رجال الشاه السابقين الذين انضموا للحكم الطائفي الجديد، بل للمراجع الدينية المنافسة من داخل الحوزة ذاتها، وللمثقفين الذين مهدوا للثورة مثل الدكتور علي شريعتي.

تقوم نظرية ولاية الفقيه التي رسخها الخميني على مبدأ أساس هو “نظرية الأعلمية”، وهذه تعني أن الفقيه الذي ينوب عن الإمام الغائب لا بد أن يكون هو “أعلم” أهل زمانه، سواء أكانت هذه الأعلمية في جميع علوم الدين، أي أن يكون أعلم أهل الزمان في جميع فروع الدين، أم أعلمهم فيما يتعلق بالحلال والحرام؟ وقد اختلف مراجع الشيعة الإمامية في تحديد تعريف دقيق للأعلمية، وفي كيفية قياسها، وكيفية تحديدها، ومن الذي يستطيع أن يحدد الأعلم في كل زمان؟ وهل يكون ذلك الأعلم في كل الأقطار أم في قطر واحد؟ وهل يتم تحديده بإجماع آراء أهل العلم؟ أم باختيار مجموعة منهم؟ ومن يحدد هذه المجموعة؟ ..إلخ.

هذه القاعدة ضرب بها الخميني عرض الحائط، وتجاوزها تجاوزاً كاملاً، وبذلك أفسد مسلمات المذهب، وخالف الشرط الأساسي لشرعية الولي الفقيه، وحول أسس شرعية الولي الفقيه من القواعد الدينية التي يحددها مبدأ “الأعلمية” إلى الغلبة السياسية، والسطوة الحزبية، والهيمنة الجماهرية التي تحددها الحزبية السياسية، والغوغائية الشعبية.

وحين رجع الخميني على متن طائرة فرنسية إلى طهران كقائد ثوري جماهيري شعبي؛ كانت المرجعية الدينية معقودة لعلماء كبار يفوقون الخميني من حيث “الأعلمية” هم المرجع الديني الكبير آية الله شريعتمداري، الذي كانت في يده إدارة الحوزة العلمية في قم بصفته المرجع الأعلى في إيران، وكان معه على نفس المستوى آية الله مرعشي نجفي، وآية الله كلبايكاني، ولكن ثورة الخميني وما نتج عنها من سلطة سياسية دينية سارعت بفرض الإقامة الجبرية على آية آلله شريعتمداري وآية الله محمد الشيرازي، ليخلو المجال للخميني ويتصدر المشهد؛ ويكون هو المرجع الديني الأول بقوة السلطة السياسية، وجبروتها، وبتجاوز كامل لأهم أسس نظرية ولاية الفقيه، وهو مبدأ “الأعلمية”، وبذلك قامت ثورة الخميني بعملية تزوير ديني خطير، واستمر هذا التزوير وصاحبته عمليات معقدة للتخلص من المنافسين بعد الخميني.

وحين مات الخميني تمت عملية تزوير أكثر شراسة، وأشد وطأة، فقد تم الزج بالسيد علي خامنئي، وهو في ذلك الوقت في رتبة علمية دنيا، فقد كان يحمل لقب “حجة الإسلام”، وليس لقب “آية الله” الذي يجعله مؤهلاً لأن يكون في صف من يتنافسون على مبدأ “الأعلمية” ليكون “الولي الفقيه”، وقد تمت هذه العملية بترتيب وحنكة لا تخلو من التآمر من زميله حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني؛ للحفاظ على مصالح “الشلل” أو “اللوبيات” الدينية والسياسية والعسكرية التي تحكمت في إيران بعد ثورة الخميني. وقد وقع الاختيار على خامنئي لأنه من السهل التحكم فيه لتدني رتبته الدينية، وللتخلص من آية الله منتظري ذلك الحبر العملاق الذي عزله الخميني قبل وفاته وظن أنه تخلص منه للأبد.

وتم تمرير مرجعية السيد خامنئي من خلال تغيير الدستور الإيراني عام 1989 ليكون شرط المرجعية منطبقاً عليه بعد حذف كل الاشتراطات الدينية والعلمية التي لا تنطبق على من يحمل رتبة حجة الإسلام الدنيا في سلم المرجعية الدينية، واستطاع السيد خامنئي الاستحواذ على المرجعيتين الدينية والسياسية معاً بعد أن تم التخلص من كل المراجع الكبار إما بانتظار موتهم، أو باستبعادهم من الصورة، وخلا الأمر للسيد علي خامنئي، الذي يعد من أهم تلاميذ سيد قطب؛ فقد ترجم له إلى اللغة الفارسية كتابين هما: المستقبل لهذا الدين، والإسلام ومشكلات الحضارة “بيان ضد الحضارة الغربية”.

وفي 8 يناير 2017 مات حجة الله الإسلام هاشمي رفسنجاني في مسبح فرح المملوك لزوجة الشاه الراحل شاهبانو فرح بهلوي، وبعد اندلاع المظاهرات في شوارع المدن الإيرانية في 2018 خرج من رجال الحوزة في قم من يهدد الرئيس حسن روحاني بالقول “المسبح في انتظارك”، في إشارة واضحة إلى أن وفاة رفسنجاني لم تكن عادية، وأن الرئيس روحاني قد يلاقي نفس المصير إذا لم يكن في طوع المرجعية المزورة.

ومن المؤكد أنه سوف تستمر عملية التزوير في المرجعية للإمساك بالسلطة السياسية بعد السيد علي خامنئي لضمان مصالح نفس “الشلل” الدينية والسياسية والعسكرية التي استولت على إيران بعد 1979، وسيستمر توظيف الدين لخدمة السياسة، وتوظيف المذهب لخدمة العنصر الفارسي، وأحلام إعادة الإمبراطورية، وستأتي هذه “اللوبيات ” أو “الشلل” جمع “شلة” بمن تصنعه كمرجع وولي فقيه حتى وإن كان أدنى رتبة من حجة الإسلام في سلم الرتب الدينية للحوزة العلمية المكرمة.

في بحثه الرائع “نظرية الأعلمية في الفكر الشيعي وأرمة اختيار الولي الفقيه” المنشور في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية؛ أورد الأستاذ محمد السيد الصياد كلمة للمفكر الشيعي هاني فحص؛ يقول فيها “إن الإيراني استيلائي، لا يُحبّ أن يكون له دور وإنما نفوذ. الدور يعني الشراكة، الدور يشترط الآخر، والنفوذ استتباع واستلحاق، زبائني ريعي يشتري الرقبة والقرار، يهمّه الوصول إلى هدفه، هو براغماتي جدًّا ومسكون بهاجس الإمبراطورية التي يريد استعادتها بمنطق القوة الفارسية أو الشيعية أو الإيرانية مقابل الكثرة العربية”.

نظرية ولاية الفقيه وتداعياتها في الفكر السياسي الإيراني المعاصر

الدوافع التاريخية لتطور النظرية

ولاية الفقيه والتقية والانتظار

الاجتهاد وبذور ولاية الفقيه

السلطة وولاية الفقيه

ولاية في العصر القاجاري

ولاية الفقيه والخميني

أبرز المعارضين

أنصار ولاية الفقيه

ولاية الفقيه والحكم المدني

الدوافع التاريخية لتطور نظرية ولاية الفقيه

يغلب على الفقه الشيعي الاثنى عشري التقليدي الطابع الفردي، ولم تكن مسألة الحكم والدولة من المسائل الخاضعة للبحث إلا بقدر ارتباطها بالفرد، مما يتطلب ملاحقة عدد من الجزئيات المتناثرة في مسائل فقهية وعقائدية في عصور سياسية متعددة كلها تشير بوضوح تام إلى أن الفقه والفقيه الشيعي (بوظيفته الأصلية) لم يكن واردا أن يقوما بالتنظير أو التعاطي مع السلطة الزمنية إلا بوصفها موقعا مقابلا منفصلا تماما قد يمكن التعامل معه إيجاباً أو سلباً.

الشيعة الإمامية

الشيعة الإمامية يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم قد عين علياً للإمامة بالاسم والنص المباشر، وإن هذه الإمامة تستمر كذلك في ابنيه الحسن والحسين وتتسلسل بشكل وراثي عمودي في ذرية الحسين، وكل إمام يوصي لمن بعده إلى أن تبلغ الإمام الثاني عشر المهدي الغائب المنتظر.

الإمامة والمهدوية

لم تكن فكرة الإمامة من البداية محددة المعالم، كانت مفتوحة على التاريخ فقهاً واعتقاداً، ومن المفترض أن تمتد من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة يوصي بها كل إمام لمن بعده.

فجوهر النظرية الإمامية يعتمد على القول بعدم جواز خلو الأرض من قائم لله بالحجة (الإمام)، ويجب أن يكون معصوما، وتفوق أحيانا تلك التي يثبتها أهل السنة والجماعة للنبي، وهو مشرع ومبلغ عن الله يتصف بالعلم اللدني الإلهي ويوحى إليه من الله بالإلهام، حتى ذهب بعض المناوئين للشيعة إلى اعتبار أن الإمامة هي النبوة وتخالف ما تسمى بعقيدة ختم النبوة.

قال هشام بن الحكم أقدم المنظرين للإمامة وهو يحاور أحدهم: “ولا بد من أن يكون في كل زمان قائم بهذه الصفة (العصمة) إلى أن تقوم الساعة”. (الصدوق، علل الشرائع 1/240، الباب 155)

ولكن بعد وفاة الإمام الحادي عشر الإمام الحسن العسكري في سامراء سنة 260هـ دون إعلانه عن وجود خلف له، أحدث شكاً وحيرة بشأن مصير الإمامة. فافترق الشيعة إلى أربع عشرة فرقة كما يقول النوبختي في “فرق الشيعة”، واحدة منها فقط قالت بوجود خلف للإمام العسكري، وأن اسمه محمد، وقد أخفاه والده خوفاً من السلطة فستر أمره.

ويروي الطوسي في “الغيبة” (ص 141 وما بعدها) قصة ولادة المهدي وما فيها من خوارق، وينقل حديثاً للحسن العسكري يجيب به عمته عن مكان ولده: “هو يا عمة في كنف الله وحرزه وستره وغيبه حتى يأذن الله له، فإذا غيب الله شخصي وتوفاني ورأيت شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثقات منهم، وليكن عندك وعندهم مكتوبا، فإن ولي الله يغيبه الله عن خلقه ويحجبه عن عباده، فلا يراه أحد حتى يقدم له جبرائيل فرسه (ليقضي الله أمراً كان مفعولاً)”. فكانت هذه الغيبة الأولى وتتصل بإخفاء ولادته وسميت الغيبة الصغرى.

استقرار فكرة المهدوية

إن أهمية فكرة المهدي للمذهب الاثني عشري أنها أتمت صورة المذهب عقائدياً، وساعدته على التماسك في وجه التحدي الذي فرضه موت الحسن العسكري دون أن يترك وصياً ظاهراً، فالفترة التي أعقبت موت العسكري اتسمت بحيرة الشيعة وضياعهم، ويصفها محمد بن أبي زينب النعماني في كتابه “الغيبة” (طبعة الأعلمي ص 103): “لأن الجمهور منهم (أي الشيعة) يقول في الخلف (خلف الحسن العسكري) أين هو، ومن يكون هذا، وإلى متى يغيب، وكم يعيش هذا وله الآن نيف وثمانون سنة، فمنهم من يذهب إلى أنه ميت ومنهم من ينكر ولادته ويجحد وجوده ويستهزئ بالمصدق به، ومنهم من يستبعد المدة ويستطيل الأمد. (الغيبة للنعماني ص 103)

ومن رحم هذه الحيرة خرج القائلون بوجود محمد بن الحسن العسكري واعتمدوا في إثبات وجوده على الأدلة العقلية بالدرجة الأولى، ولكنها كانت موجهة للشيعة فقط، فالمسألة مسألة إنقاذ التشيع وليس نشره.

يقول الشيخ الصدوق في “إكمال الدين” (ص 36): “إن القول بغيبة صاحب الزمان مبني على القول بإمامة آبائه.. وإن هذا الباب شرعي وليس بعقلي محض”.

وساعد وجود عدد من الأحاديث السنية التي تحدد عدد الخلفاء والأئمة بأنهم اثنا عشر وعن المهدي وصفته أو عن ولادته وغيبته لدى فرق أخرى كالواقفية الذين قالوا بمهدوية الكاظم ومن شابههم.. فقد ساعد هذا كله على استقرار فكرة المهدوية عند الاثني عشرية، ولكن بالمقابل فإن فكرة غياب الإمام تتناقض مع فلسفة الإمامة التي تقول بعدم جواز خلو الأرض من قائم لله بالحجة ووجوب كونه معصوماً ووجوب التعيين له في كل مكان وزمان. (انظر تطور الفكر السياسي الشيعي لأحمد الكاتب ص 242 وص 131).

وهذا يقودنا إلى الحديث عن النيابة الخاصة عن الإمام المهدي في زمن الغيبة الصغرى.

النيابة الخاصة

استمرت الغيبة الصغرى للإمام المهدي من سنة 260هـ إلى سنة 329هـ وهي المدة التي كان يتصل فيها بالناس عبر نوابه(ويسمون السفراء والأبواب) ولم يوثق الاثنى عشرية إلا أربعة نواب مع أخذ ورد، واشترطوا لإثبات النيابة أن يأتي مدعي النيابة بدليل أو بمعجزة وكرامة تدل على اتصاله بالمهدي (وأورد الطوسي في كتاب الغيبة أخبارهم) وينقل منه الرسائل والتواقيع إلى المؤمنين به ويأخذ إليه الأموال.

وكان علي بن محمد السمري خاتم النواب، وتوفي سنة 329هـ، وكان آخر توقيع نقله عن المهدي فيه: “بسم الله الرحمن الرحيم.. فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توصي إلي فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله –تعالى ذكره– وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر”. ولما كان اليوم السادس قيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: “لله أمر هو بالغه” وقضى (أي مات) فهذا آخر كلام سمع منه (انظر الرواية في الغيبة للطوسي ص 242-243).

وبانقضاء الغيبة الصغرى وبدء الغيبة الكبرى دخل الاثني عشرية في غيبوبة التقية والانتظار………. يتبع لطفا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here