لماذا يتم السكوت عن سرقة القرن في مصرف الوركاء ؟!

باسل عباس خضير

الكشف عن السرقات ومرتكبيها أمر مفرح ومفيد لعموم المواطنين ، فالسرقة في ديننا الإسلامي ( حرام ) وفي التقاليد الاجتماعية ( عيب ) وفي القوانين الوضعية ( ممنوع ) ويفترض أن تتم المحاسبة عنها بحزم ، ورغم إن بلدنا يصنف من الدول ( المتقدمة ) ضمن الفساد ، إلا إن كشفه بالدليل والبرهان وبأسماء الجناة ومعالجته من خلال إرجاع الأموال والقصاص من الفاسدين لم يرقى للمستوى الذي يثلج صدور العراقيين الذين يعلمون علم اليقين بان العديد من أموالهم تهدر بالسرقات منذ عقود وسنين ، ولان الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل فقد انكشفت قبل أسابيع البعض من فضائح الفساد منها ما يتعلق بسرقة القرن في أمانات الضريبة ومنها ما يتعلق بأرصدة السراق في مصارف لبنان او ما يتعلق بتهريب المشتقات النفطية ونهب النفط الخام ، واغلب الآراء بخصوص هذه الجرائم متوحدة وتتجه نحو دعم الحكومة وسلطة القضاء لمعالجة هذه الآفة التي استنزفت الكثير من أموال العراقيين وصادرت جزءا من حقهم في الحياة ، والسرقة لا معنى لها غير الفساد والخروج عن الشرعية والمألوف ، بمعنى إنها لا تختلف إن كانت سرقة من أفراد او جماعات او منظمات ، لان غايتها الاستيلاء على أموال وحقوق الآخرين بطرق غير شرعية وغير أخلاقية وتدخل ضمن الأعمال الدنيئة والمنبوذة لكل من يعرف معنى الشرف والحق ، وقد اوجد الدستور والتشريعات نصوصا واضحة ومعلنة تدين الهدر بحقوق الآخرين والاستيلاء عليها بغير وجها للحق وترتب عن ذلك فرض واجبات أوكلت للدولة في المحافظة على العدل والنظام ، ودستور 2005 منح الحماية والحصانة للملكيات العامة والفردية لأنها جزء من الحقوق والحريات ، والقصد من هذه السطور هو التذكير بان حماية أموال الناس واجبا ملقى على السلطات وحسب اختصاصها ومسؤولياتها وهذه الواجبات يجب أن لا تكون مؤجلة او تطبق بالتقسيط فالحق لا يتقادم وإعادته واجبا على السلطات ، لذا فان هناك من يتعجب عن الأسباب التي تدعوا أجهزة الدولة لاستنفار طاقاتها في الكشف عن ما يطفو على السطح من حالات للفساد لأموالها في حين إنها تتأنى او تتساهل أحيانا عندما يكون الحق للأفراد رغم مضي عدد كبير من السنوات ، ونخص بالذكر هنا ما تعرض له آلاف العراقيين من ظلم بالاستيلاء على أموالهم المودعة في مصرف ( الوركاء ) فالقضية عمرها 12 سنة إذ بدأت منذ 2010 ولا تزال مستمرة لحد اليوم وهي ترقى لان تكون سرقة القرن للمصارف الأهلية في البلاد .
ومصرف الوركاء هو من المصارف الأهلية الذي أجاز تأسيسه البنك المركزي العراقي ومنحه كامل الصلاحية في ممارسة الأعمال والفعاليات المصرفية بما فيها قبول الإيداعات الجارية او التوفير وفتح عشرات الفروع داخل وخارج العراق ، وبعد أن توسع هذا المصرف في ممارسة أعماله بفروعه المنتشرة في كل المحافظات انقلب فجأة ( سنة 2010 ) على عملائه المودعين بعدم السماح لهم بسحب إيداعاتهم بالدينار والدولار وبالحسابات الجارية والتوفير ، وادعت إدارة المصرف في حينها إن هذا التوقف مؤقت وان كامل أموالهم ستعاد فيما بعد ولكن ما قالته كذب وكذب وما اثبت ذلك هي السنوات التي مضت منذ 12 عام ، وأمام الوعود وسياسة التحايل لم يطرق المودعون بابا إلا وطرقوه فراجعوا البنك المركزي العراقي لمرات ومرات باعتباره الجهة القطاعية المسؤولة عن عمل المصارف الأهلية وقالوا إنهم وضعوا المصرف تحت الوصاية ثم قالوا انه يخضع لتقويم قدرته على الاستمرار ثم قالوا إنه يسعى للاندماج ، وفي آخر المرات قالوا انه يسعى للحصول على قرض مقابل ضمانات ، وخلال هذه السنوات سمحوا له بممارسة بعض نشاطاته والدخول بمزاد العملة ليوفي بحقوق الناس ولكنه لم يوفي أبدا ، ولجأ بعض المودعين لطرق أبواب القضاء الذي اصدر قرارات ملزمة للوركاء بإعادة الأموال ولكنها لم تنفذ تحت مختلف الأعذار ، ومن باب الاضطرار نظم المودعون العديد من الاعتصامات ووجهوا عشرات المناشدات عبر وسائل الإعلام وجميعها لم تجدي نفعا لان ( جلد ) الوركاء قويا وربما محميا بدليل عدم اكتراثه بإعادة حقوق المودعين أفرادا وشركات ، مما يجعل الجميع يتساءل هل من المعقول أن تقف أجهزة الدولة المعنية متفرجة ومكتوفة الأيدي بإلزام المصرف لإعادة حقوق الناس ؟، وإذا كان الجواب إن المصرف معسرا فلماذا لا يبحثوا أين ذهبت المليارات من أموال الإيداعات بالدينار والدولار وحساباته تخضع للرقابة والتدقيق؟ ، وإذا كانت بعض ( الجهات ) حريصة على حماية وبقاء الوركاء فليبقوه ولكن ليس على حساب حقوق الناس المسلوبة منذ 12 سنة ، فالعدل يقتضي إحالة الفاسدين والفاشلين والمقصرين في الوركاء للقضاء لينالوا جزائهم العادل بشان تأخير دفع مستحقات المودعين او هدر ألأموال ولا يكفي لما روجوا له من أطنان المبررات و الأسباب .
ومن حق أي إنسان أن يسال ، لو كان المودع مدينا للوركاء او لأي من أجهزة الدولة بأي مبلغ فهل لكانت سكتت عن حقوقهم في التسديد ؟، وإذا كان الأمر بالنفي فكيف تسمح أجهزة الدولة سواء البنك المركزي العراقي او الرقابة المالية او القضاء او مجلسي النواب والوزراء ببقاء أموال المواطنين المودعين غير قابلة للسحب في مصرف عراقي وتحت سلطة القانون طيلة هذه السنوات ؟، وهذه الأموال لم تؤشر عليها شائبة حول شرعية مودعيها وهي من الملكيات الخاصة ( الحلال ) ولكنها تتعرض للانتهاك والتناقص بقيمتها عاما بعد عام ، فالأموال المودعة منذ 2010 والتي لم يتم السماح بسحبها تعرضت للنقص الكبير بقدراتها الشرائية بسبب التضخم المالي الذي يزداد سنويا في البلاد ، فالوحدة السكنية التي كان ينوي المودع بشرائها سنة 2010 كانت ب100 مليون دينار ( مثلا ) واليوم يعادل سعرها 600 مليون دينار ، كما إن المودعين يخسرون سنويا الفوائد عن أموالهم فبعد أن كانت الفائدة تحسب على أساس 7% تحولت منذ سنوات في الوركاء بحدود 1% لان تصنيفه الائتماني انخفض إلى مستوى ( C او D) ، والمشكلة انه لا حل يظهر في الأفق لهذا المصرف في إعادة أموال الناس كلا او بالتقسيط فقد أغلق جميع فروعه ولم يتبقى له غير مقره الرئيسي الذي نقله لمرات ليكون مكانه اليوم في المنصور الذي يتعالى فيه العاملون على المودعين ولا يعطوهم أية إجابات سوى وعود وأكاذيب ، وما يشهده المودعون اليوم هو الفساد بعينه عندما يحرمون من أموالهم وتتناقص قدراتها الشرائية خلال كل هذه الأعوام ، لذا فهم يناشدون رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني والسيد محافظ البنك المركزي والسيد رئيس مجلس القضاء الأعلى والسيد رئيس الادعاء العام لمعالجة هذا الموضوع ، كما يناشدون ممثليهم في مجلس النواب رئاسة ولجان وأعضاء لولوج هذا الموضوع وإعطائه الأهمية لإعادة الحقوق إلى أهلها من الأموال المودعة منذ 2010 .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here