الأخضر السعودي فريق واعد يمضي نحو النجومية

كان فوز المنتخب السعودي المستحق بجدارة، على المنتخب الأرجنتيني، أحد أقوى منتخبات بطولة كأس العالم والمرشح الأبرز للفوز بها، بهدفين مقابل هدف واحد في المباراة التي جمعت بينها ضمن تصفيات المجموعة الثالثة C، مفاجأة غير متوقعة للوهلة الأولى. لكن المتتبع لما يحدث في السعودية منذ سنوات في جميع المجالات، ومنها الرياضة، سيجد أن ما حدث كان منطقياً. لم يكن الفوز وليد صدفة وضربة حظ،، بل حصاد جهد وتعب بذله لاعبو المنتخب السعودي خلال الفترة السابقة، وقطفوا ثماره بهذه المباراة. فوز السعودية أسعدنا لأنها شقيقتنا التي طالما وقفنا الى جانبها بوجه من كانوا يهاجمونها وينبحون عليها، ويهاجموننا وينبحون علينا لحبنا لها، ولأنها باتت نموذجاً للنجاح يحتذى به. لذا فهذا الفوز هو حق للسعوديين فقط، ولا يحق لغيرهم التطفل عليه والتباهي به، بحجة الدين والقومية، ليعوضوا عن عُقد فشلهم المستمر.

لا نزال نذكر كيف كان هؤلاء المتطفلين، من بعض العراقيين مثلاً، يصفون السعوديين حتى الأمس القريب، والكثير مما كتبوه مؤرشف لدينا في الحفظ والصون. فقد كانوا يسمون السعودية بمملكة الشر، وكأن جمهورية أسيادهم الإسلامية في إيران محراب للخير والفضيلة! وكانوا يصفون السعوديين تهكماً بالبدو العربان، وكأنهم أحفاد أكد وسومر وبابل! وحينما فازوا عليها مرة بإحدى البطولات، وصفوا الفوز في صحفهم بالإنتصار! وكانوا ولا يزالون يقتنصون الفرص ويبتدعون بعضها بخبث للتظاهر وإطلاق الشتائم أمام سفارتها! وحين عَرَضت عليهم بناء مدينة رياضية كهدية، رفضوا، وخرج أحد مفكريهم المُخَرفين على إحدى الفضائيات العراقية قائلاً “إذا بَنَت السعودية مدينة رياضية فسيحبها أبناء طائفتي أكثر من إيران، وهذا الأمر سيَحز في نفسي!”. الشزوفرينيا التي يعيشها هؤلاء وصلت مدياتها القصوى. من جهة يدعون أن فوز السعودية فوز لكل المسلمين، ومن جهة يعتبرون إرهابي كأبو مهدي المهندس شهيد، وهو الذي يظهر في تسجيلين مصورين متوعداً بضرب وإجتياح السعودية. ويدعمون الإرهاب الحوثي ضدها، ويرسلون أبنائهم من مرتزقة مليشيات الحشد ليحاربوا ضدها مع الحوثيين. من جهة يدعون أن فوز السعودية هو فوز لكل العرب، ومن جهة يستَعِّرون من العرب ويتباهون بالعجم من فرس وترك، ويسبون الملك سلمان ويألهون بخامنئي واردوغان، وأنا على يقين أنه إذا لعبت السعودية مع إيران أو تركيا غداً فسيشجعون الأخيرتين.

نوع آخر من التطفل، هو الذي شاهدناه لدى بعض من يدعون بأنهم محللين رياضيين، فقد دخل بعض المحللون العرب حالة هستيريا، كاللاعب المصري السابق المدعو أبو تريكة، الذي وقف يهلل، ثم رفع علم السعودية قائلاً “المهم إن راية لا إله إلا الله محمد رسول الله تفضل خفاقة عالية”! ولا ندري ما الذي قاله بعدها عن خروج المنتخب السعودي؟ هل هو تنكيس لهذه الراية؟ وما دخل خفقان أي راية وتنكيسها بالفوز والخسارة في الرياضة؟ بالمقابل أرجع أغلب المحللين السعوديين الفوز الى الإعداد والتدريب الذي إعتمده فريقهم. والفارق بين هاتين العقليتين هو الذي أوصل السعودية الى كأس العالم، فيما بقية الفرق العربية، بإستثناء المغاربية التي تتسم بالقوة من زمان، في تراجع! اللعب الجميل الذي قدمه المنتخب السعودي، والفوز الذي حققه بمباراته مع الأرجنتين، هو من ثمار الرؤية الحكيمة الواعدة التي تبنتها قيادته الحكيمة مُمثلة بالأمير محمد ودعم والده الملك سلمان، التي تسير بالمملكة في طريق التقدم والنهوض بخطى واثقة حثيثة! فالفوز وتقديم لعب جميل لا يتحقق بالمال فقط، وهناك مثال حي على ذلك شاهدناه أيضاً في البطولة، بل يتحقق بوضوح الرؤية وواقعيتها، وهو ما يحدث للمملكة خلال السنوات الأخيرة بشكل عابر للزمان والمكان والتوقعات. لقد فاز السعوديون في المباراة الأولى على الأرجنتين، ونجحوا في تقديم لعب جميل، رغم خسارتهم في مباراتهم الثانية مع بولندا، والأخيرة مع المكسيك، لأنهم سعوديون، لا لأنهم عرب أو مسلمين، لذا من يرغب بالنجاح والفوز، عليه أن يفكر ويخطط ويجتهد ليحققه بنفسه، كما تنجح وتفوز السعودية كل يوم في مجال جديد، لا أن يتطفل على نجاحها وفوزها وينسبه لنفسه، وهو فاشل وكسول ومنهمك في ملأ الكرش وشبَق الفَرش.

جائت مغادرة الفريق السعودي للمونديال لأسباب عديدة، ربما أهمها أن فوزه الثمين على الأرجنتين قد إستهلك الكثير من طاقته، وإنعكس تأثير ذلك على المباراتين التاليتين. فقد بدأ مباراته مع بولندا بزخم جعله الأبرز خلال الشوط الأول، لم يستطع إدامته في الشوط الثاني، فحدث إرباك واضح في الدفاع إستغله البولنديون للفوز بتسجيل هدفين، رغم أن الجميع رأى كيف أنهم دخلوا المبارة متوجسين من السعودية، بدليل عدد الكارتات الصفراء التي حصلوا عليها. وبدا منهكاً من البداية في مباراته مع المكسيك، التي خاضها بدون سلمان الفرج والشهراني والبريك والمالكي ثم البليهي، مما أضعف قدراته وسمح بتفوق المكسيك التي سجلت هدفين، لكنه لم يستسلم وتمكن من تسجيل هدف بمرماها في الوقت الضائع، ليثبت أنه فريق محترف يقدم لعب جميل حتى آخر لحظة. بالتالي يبدو أن اللاعبين لم يستطيعوا التحرر من التأثير النفسي والجسدي الذي تركه عليهم إنجازهم المتميز بالفوز على أقوى فرق البطولة، مما أثر سلباً على أدائهم ومغادرتهم مبكراً.

رغم ذلك، أثبت الأخضر السعودي في هذه البطولة بأنه فريق إستثنائي بمواصفات عالمية، في التنظيم والسرعة والدِقة والتكتيك وتمرير الكرة، أو قطعها من الخصم، أو التهديف، والفضل في هذا طبعاً، بالإضافة لدعم الدولة وهِمّة اللاعبين، يعود الى دور المدرب الفرنسي هيرفي رينارد في النهوض بالفريق بهذا الشكل، والذي لم تفته حتى لفتة إدخال اللاعبين الإحتياط الى الملعب خلال الدقائق الاضافية للشوط الثاني في مباراته مع بولندا، رغم الخسارة، لمجرد مَنحِهم فرصة وفخر القول بأنهم شاركوا باللعب في المونديال، ولو لدقائق، وهي لفتة لا تصدر سوى من مدرب واعي وذكي وحكيم، يهتم بالجانب الإنساني من لاعبية كما الجانب الجسدي والتكتيكي. لهذا، ولكل ذلك، الفريق بإدارته ومدربه ولاعبيه يستحق الإشادة والتقدير رغم توديعه للبطولة، لأنهم جميعاً ساهموا في وصوله الى هذه المرحلة المشرفة، والتي غالبا لن يتوقف عندها، بل سيمضي في طريقه حتى يصبح نجماً ساطعاً في سماء الساحرة المدورة.

مصطفى القرة داغي
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here