“على المحك”.. صورة “رمادية” للاقتصاد العراقي في توصيات خبراء صندوق النقد

دعا خبراء من صندوق النقد الدولي، اليوم الخميس، العراق إلى “اليقظة والحذر” من مواطن الضعف الاقتصادية التي يمكن أن تصيبه على المدى المتوسط، وفيما بينوا أن الاقتصاد العراقي “يتعافى تدريجياً”، حثوا المسؤولين العراقيين على تبني خطوات اقتصادية ضرورية أبرزها تنويع ايرادات الحكومة وتعزيز شبكة الرعاية الاجتماعية، وتصحيح مسار قطاع الكهرباء.

وقال صندوق النقد الدولي في “بيان ختامي” يتعلق باستنتاجات “مبدئية” توصل اليها الخبراء في ختام مهمة قاموا بها الى العراق، وصفها بأنها تمثل آرائهم وليس بالضرورة وجهات نظر المجلس التنفيذي للصندوق، إن “ارتفاع أسعار النفط وفر للاقتصاد العراقي متنفساً كان في أمسّ الحاجة إليه، بعد اقترابه من الدخول في أزَمة مالية في العام 2020”.

الا ان تقرير الخبراء اعتبر ان “اختلالات التوازن الأساسية استمرت، كما استمرّ الاعتماد على النفط في الازدياد”.

ودعا الخبراء في تقريرهم الى “ضرورة البدء بإجراء تحول اقتصادي هادف، مصحوبا بسياسة للمالية العامة تكون حصيفةً، متأنية ومنضبطة، وتهدف إلى بناء هوامش احتياطيات مالية وقائية، وخفض درجة الاعتماد على النفط، وإعادة توجيه مسار الإنفاق نحو الاستثمارات ذات الأولوية وتلبية الاحتياجات الاجتماعية.

كما يعتبر التقرير أن “توخّي الدّقة في ضبط ومواءمة موازنة 2023 مع هذا التحوُّل، يُعتبر خطوةً حاسمة في المحافظة على المكاسب التي تتحقق جراء الجهود التي بُذلت في الآونة الأخيرة على صعيد السياسات”، مضيفا ان الإصلاحات الهيكلية الحاسمة تمثل توجُّهًا بالغ الأهمية نحو تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وتعزِّز تطوير القطاع الخاص باعتباره المُحرّك الرئيسي للنمو والتشغيل من خلال توفير فرص العمل”.

آفاق ومخاطر اقتصادية

وبرغم ان تقرير الخبراء اعتبر ان “الاقتصاد العراقي يتعافى بصورة تدريجية في خضمِّ مواطن الضعف الأساسية الآخذة في الازدياد، حيث من المتوقع ان ينمو الناتد المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 8 % في العام 2022، بسبب زيادة الإنتاج النفطي بنسبة 12%، الا ان الخبراء رأوا ايضا ان الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي، سيزيد بوتيرة أكثر اعتدالًا، مقدارها 3 %، بعد انتعاشها بنسبة 21% في العام 2021”.

وتابع التقرير انه تم “احتواء التَّضخُّم نسبيًّا، ليبلغَ نسبة 5 % في المتوسط خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2022، بالنظر إلى أن الإعانات التي قُدِّمت للأغذية والوقود، قد عطّلت تمرير أسعار السِّلع العالمية المرتفعة ونقلها إلى السوق العراقية”.

وأضاف التقرير انه “بفضل ارتفاع أسعار النفط، يُتوقَّع لميزان أرصدة الحساب الجاري للمالية العامة ولميزان الأرصدة الخارجية (أي للفائض / للعجز فيهما) لهذا العام أن يُحقّقا فائضًا يبلغ نسبة (6 %) و(11%)، على التوالي، بينما من المحتمل أن يصل حجم احتياطيات البنك المركزي العراقي من العملات الأجنبية إلى ما يزيد عن 90 مليار دولار أمريكي بحلول نهاية العام”.

لكن تقرير الخبراء أشار إلى أن “هذه الفوائض تحجب الاتّساع في ميزان (فائض / عجز) المالية العامة غير النفطي، مع استمرار اعتماد العراق على النفط في الازدياد، والحاجة إلى استخدام سعر النفط في تحقيق التوازن في موازنة الحكومة (سعر برميل النفط المطلوب للوصول لعجز صفري)، ليبلغ 66 دولارا للبرميل في العام 2022، مرتفعًا من 52 دولارا للبرميل في العام 2019.”

وفي حين لفت التقرير الى ان “الآفاق الاقتصادية تعتبر إيجابية على المدى القريب”، الا ان “مواطن الضعف يمكن أن تتجلّى بشكل واضح على المدى المتوسط”.

وبينما من المتوقع للإنتاج النفطي أن “يرتفع بصورة تدريجية من 4,4 ملايين برميل إلى 5 ملايين برميل في اليوم بحلول العام 2027، فانه من المتوقع لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي أن يتسارع فيبلغ نسبة 4 % في العام 2023، بفضل الحافز الذي نشأ من قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية، قبل أن تأخذ تلك النسبة في الاعتدال لتبلغ 3,5 % على المدى المتوسط”.

ولفت التقرير الى انه “في ظل توقّعات خط الأساس لتراجع أسعار النفط العالمية، واستمرار الموقف التَّوسُّعي لسياسة المالية العامة، فانه من المتوقع لميزان رصيد المالية العامة ولميزان الرصيد الخارجي أن يتراجع، ويتحوَّل إلى حالات من العجز بحلول العام 2025”.

وتابع التقرير قائلا انه “من الممكن أن تبلغ الاحتياطيات من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي مستوى الذروة، بمقدار 100 مليار دولار تقريبا في العام 2024، ثم تتراجع سريعا على المدى المتوسط”.

ونبه التقرير الى ان “هذه الآفاق قد تتعرض لمخاطر سلبية محتملة كبيرة في خضم العديد من التحديات التي تلوح في الأُفق”، موضحا انه “من الممكن لتراجع أسعار النفط العالمية بوتيرة أسرع أن يُنشّط الضغوط المالية مبكّراً، كما ان الأموال الحكومية خاصة قد تتعرض لتراكم الخسائر بوتيرة أسرع في قطاع الكهرباء، وإلى نضوب موارد صندوق تقاعد موظفي الدولة، إضافةً إلى التكاليف الآخذة في الارتفاع، والمترتبة على التغيير المناخي”.

سياسة الأولويات

وذكر تقرير خبراء صندوق النقد ان “الإطار المالي السليم يمثل عنصرًا بالغ الأهمية في التَّغلُّب على التحدّيات الاقتصادية التي يواجهها العراق، حيث دعا راسمي السياسات الى توخّي الدّقة في إيجاد التوازن بين أهداف ادّخار الأرباح النفطية الاستثنائية غير المتوقعة، وذلك لتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة تقلُّب أسعار النفط مستقبلًا، وزيادة الإنفاق الاجتماعي البالغ الأهمية، والإنفاق على الاستثمارات العامة، مع تخفيض مستوى الاعتماد على النفط بصورة تدريجية”.

واوصى الخبراء العراق بـ “الالتزام بقاعدة مالية تستهدف تحقيق الخفض التدريجي للعجز المالي الرئيسي غير النفطي، لبناء هامش احتياطي وقائي لتحقيق الاستقرار في المالية العامة، بما يُحسّن قدرة الحكومة على تيسير الإنفاق استجابة الى تراجع أسعار النفط مستقبلًا”.

وبحسب الخبراء، فانه ينبغي “لتلك الاستراتيجية المالية، في الوقت ذاته، أن تسعى لتخصيص موارد كافية للاستثمارات العامة وشبكة الأمان الاجتماعي، بهدف دعم الاحتياجات التنموية البالغة الأهمية للعراق، ودعم الفئات السكانية الضعيفة”.

كما أوصى خبراء الصندوق بـ “ادّخار جزء كبير من الأرباح النفطية المحتملة غير المتوقعة عن طريق استهداف العجز المالي الرئيسي غير النفطي، وقدره 114 تريليون دينار عراقي (58% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي) في العام 2023، والأهم من ذلك، استهدافه عن طريق احتواء النمو في فاتورة الأُجور الحكومية، وزيادة الإيرادات غير النفطية”.

وفي ظل مخاطر التضخم المرتفعة، دعا تقرير الخبراء الى “توخّي اليقظة من جانب السياسة النقدية، لانه برغم أن التضخُّم ظلّ مستقرًا خلال الأشهر الأخيرة، فانه لا تزال هناك مخاطر كبيرة تتمثّل في تسارع وتيرة التضخُّم على المدى القريب، وذلك في ظلّ وجود موقف أكثر تساهلًا في ضبط المالية العامة، وظهور الآثار السعرية الثانوية غير المباشرة لارتفاع أسعار السلع العالمية”.

الى ذلك، اعتبر التقرير انه “يجب ان تكون هناك جهود مستدامة على صعيد السياسات في العديد من المجالات الرئيسية، وهي:

1-رفع كفاءة إدارة المالية العامة وخاصة عن طريق تأسيس حساب الخزينة الموحد وتنفيذ النظام المتكامل لمعلومات الإدارة المالية “إفميس” على نحوٍ عاجل، بالإضافة إلى تعزيز الرّقابة على الالتزامات والمطلوبات المحتملة الطارئة.

2-تنويع إيرادات الحكومة، بما في ذلك عن طريق جعل الضريبة المفروضة على الأجور تصاعدية الاتّجاه، بشكل أكبر، وإلغاء الإعفاءات التنازلية، وتعزيز الإدارة الضريبية والجمركية، وفرض الضرائب على مبيعات سلع وخدمات غير أساسية مختارة.

3-تخفيض فاتورة الأجور الحكومية التي تستهلك حوالي 40 % من الموازنة السنوية، ممّا يؤدّي إلى مزاحمة وإقصاء الأولويات الأُخرى. ولا يمكن استدامة تلك الفاتورة على المدى الطويل مما يُشجّع على إيلاء الأهمية لقيام القطاع الخاص بإيجاد فرص العمل.

كما دعا التقرير الى “ضرورة اعتماد نهج متشعّب الجوانب يركّز على تعزيز الرّقابة على فاتورة الأُجور، ووضع وتنفيذ استراتيجية لخفض التوظيف في القطاع العام على أساس التناقص الطبيعي لأعداد الموظفين، وعمل مواءمة وثيقة لما تدفعه الحكومة من أُجور وعلاوات مع ما يدفعه القطاع الخاص”.

وفي موازاة ذلك، يحث التقرير على “تطوير الإصلاحات المتعلقة بالخدمة المدنية (العاملين في القطاع العام)، ووضع وتنفيذ استراتيجية توظيف وطنية لتحسين مستوى مشاركة القوى العاملة، وإزالة العقبات التي تواجه التوظيف في القطاع الخاص، وخفض مستوى العمل في القطاع غير الرسمي”.

4-تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي حيث ان تحديد الأهلية للاستفادة من برنامج بطاقة الإعاشة التموينية غير المُوجَّهة لفئات مستهدفة، من شأنه أن يُعزّز بدرجة كبيرة الموازنة المُخصّصة للتحويلات النقدية الموجَّهة. كما انه من شأن ربط التحويلات النقدية بأرقام قياسية (بمجموعة مؤشرات)، بصورة تلقائية، أن يضمن الحماية الكافية للمنتفعين.

وبالاضافة الى ذلك، فإنّ إصلاح نظام المعاشات التقاعدية يعتبر مسألةً ملحَّةً بصورة متزايدة، لعدة أهداف أهمها استعادة الاستدامة المالية لصندوق تقاعد موظفي الدولة، ومن أجل المضي قُدُمًا على صعيد الإصلاح، فإن الحاجة تقتضي مواءمة الأنظمة التقاعدية مع بعضها بعضا، أو إدماجها للعاملين في القطاعين الخاص والعام، وذلك لتيسير إمكانية انتقال العاملين بين القطاعين، وتعزيز الحوافز اللازمة للتشغيل (للتوظيف) في القطاع الخاص.

5-تصحيح مسار قطاع الكهرباء الذي يتكبَّد خسائر سنوية تزيد عن 3 % من الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت الذي يعتبر فيه هذا القطاع غير قادر على تلبية الطلب المحلي. ولهذا فانه يجب أن تركّز استراتيجية الإصلاح الشامل لهذا القطاع على تعزيز مسألتي رصد وشفافية تكاليف هذا القطاع، ومراجعة هيكل تعريفة الكهرباء، وتنفيذ الاستثمارات في احتجاز وحصاد الغاز، وفي مصادر الطاقة المتجددة، واستمرار الجهود في تحسين جباية المستحقات وخفض الفاقد والخسائر لأسباب فنية.

6-تعزيز الاستقرار المالي حيث يظل تسريعُ عملية تنفيذ النُّظُم المصرفية الأساسية، والشروع في إعادة هيكلة المصارف الحكومية الكبرى أولويةً بالغة الأهمية.

وفي هذا الاطار، رحب فريق خبراء الصندوق بانتهاء العراق من إجراء أول تقييم قومي لمخاطر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي تتّفق مع خطط السلطات العراقية للمضي قدما في الإسراع بتنفيذ التوصيات الرئيسية التي وردت في التقييم. كما ان الخبراء “دعموا جهود البنك المركزي الرامية إلى تعزيز الرقابة على المعاملات من خلال مزاد العملات الأجنبية، وخططه التي تهدف إلى استكشاف الآليات البديلة لتمويل التجارة بُغية تسهيلها”.

كما أوصت بعثة الخبراء بـ”تطوير الأدوات اللازمة لإدارة السيولة النقدية لأجل دعم استقرار سعر الصرف على نحو أفضل”.

7-تحسين الحوكمة: رحّب خبراء الصندوق بجهود السلطات العراقية الرامية إلى تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد، للفترة 2021 – 2024، وقد شدَّدت البعثة على أهمية الاستمرار في تعزيز الحوكمة (سبل ووسائل الإدارة العامة)، بما في ذلك من خلال إنجاز ونشر تقارير مراجعة وتدقيق الحسابات الحكومية في الوقت المناسب، وتحسين الإطار القانوني، وتبسيط الهيكلية المؤسّسية لمكافحة الفساد، والارتقاء بعملية رقمنة (استخدام التكنولوجية الرقمية في) المؤسسات الحكومية.

ترجمة : شفق نيوز

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here