في عامها العشرين قناة "الجزيرة" بلا رأي آخر!
في عامها العشرين قناة "الجزيرة" بلا رأي آخر!


بقلم: جمال الخرسان - 24-10-2016

منذ انطلاق بثها في يوم الجمعة الاول من تشرين الثاني عام 1996 كقناة اخبارية جادة مختلفة عن الاخريات فانها قفزت بالاعلام العربي الى مرحلة جديدة من حيث حجم التغطية ومساحة الحرية ونوعية الكوادر التي تتواجد في الجزيرة، هذه الاخيرة تمثل مرحلة زمنية فاصلة في مسيرة الاعلام العربي. لكن ذلك التميز الذي حظيت به الجزيرة لايمنع على الاطلاق من ان تكون ذراعا اعلاميا موجّها بشكل فاضح احيانا، في اطار تصفية الحسابات مع هذا الطرف او ذاك، وهذا الموقف تارة يكون بتوجيهات عليا من القيادات القطرية وتارة اخرى من قبل اطراف خارج قطر انطلاقا من نفوذها في قناة الجزيرة من خلال بعض الكوادر الاعلامية المهمة في القناة، وهنا يتذكر كثيرون ما كانت تفعله قناة الجزيرة بالنسبة لنظام صدام حسين حينما كانت تحابيه على حساب الاخرين تحت ذرائع مختلفة.. لدرجة ان مدير القناة السابق محمد جاسم العلي جاء الى بغداد، والتقى عدي صدام حسين في 13 آذار عام 2000، وقد جاء في ذلك اللقاء الموثق بالصوت والصورة على لسان العلي: (أنا موجود هنا لكي أسمع وجهات نظرك ولكي نأخذ منك الملاحظات.. ولولا تعاونك ودعمك لنا لما نجحت مهمتي). ويرد عليه عدي: (لقد مرت سنة كاملة من دون أن نراك..أنا أتكلم معكم بحكم العلاقة التي تمتد إلى ثلاث سنوات، ولكنك تعرف البشر من شكله ومشيته وهذا الكلام في الحقيقة غير موجه لك بقدر ما هو موجه لأصحاب القرار الآخرين في مجلس الإدارة). هذه الفضيحة التي سربتها الولايات المتحدة الامريكية والتي عثر عليها في ارشيف عدي صدام حسين اجبرت الجزيرة على استبدال العلي بوضاح خنفر! من جهته فان نائب رئيس تحرير قناة الجزيرة سعيد الشولي وخلال مؤتمر الفضائيات والمجتمع العربي الذي نظمه مركز حماية وحرية الصحفيين في الأردن قبل عدة سنوات اعترف امام الجميع بعلاقة الجزيرة بمخابرات نظام صدام حسين حيث قال: (من النادر وجود اعلاميين وصحفيين عرب لم يتعاملوا مع مخابرات صدام) وبرر ذلك (كانت علاقتنا مع مخابرات صدام من اجل الحصول على تغطية جيدة للخبر العراقي)! ولا اعلم كيف تكون المخابرات عموما والمخابرات العراقية خصوصا مصدرا موثوقا ودقيقا للمعلومة؟! فيما الاعلام العربي والجزيرة بالذات كانت قد شنت هجوما كاسحا على الرئيس بوش الابن ووزير خارجيته كولن باول لانهم استندوا على معلومات مصدرها وكالة المخابرات المركزية الامريكية من اجل شن حرب الخليج الثالثة.
القناة كانت تحابي صدام علنا فمثلا في احدى حلقات برنامج (اكثر من رأي) الذي يقدمه سامي حداد والذي يعتمد بطريقته على استضافة ثلاثة او اربعة ضيوف فانه خصص حلقة لطارق عزيز ليكون عزيز بمثابة الرأي والرأي الاخر! وهكذا العديد من البرامج والمواقف الاخرى المشابهة، كما ان الحال بقي على ماهو عليه بعد سقوط صدام حيث كانت الجزيرة تفتح الابواب على مصراعيها لجميع الجماعات المسلحة في العراق بما في ذلك تنظيم القاعدة وتسوق عملياتهم ضد الابرياء على انها (مقاومة).
في السنوات الاخيرة الجزيرة ارادت الانحياز لبعض الثورات العربية ودخلت على الخط بدوافع التحريض وليس فقط تغطية الحدث، ذلك الانحياز الواضح كان يبرره بعضهم بانه انحياز للشعوب على حساب الانظمة المستبدة وهذا حسن لو تعاملت القناة بنفس السياسة مع الثورات الاخرى! لكنها للاسف الشديد كشرت عن مزيد من انيابها المنحازة فاغلقت ملف البحرين تماما وفقا لسياسة مجلس التعاون الخليجي حول الموضوع.

الجزيرة تناقض نفسها الى ابعد الحدود في معايير تغطيتها للأحداث الحاصلة في العالم العربي، تناقض سمحت من خلاله قناة الجزيرة توصيف "داعش" في نشراتها وبرامجها الاخبارية بـ"تنظيم الدولة الاسلامية" وتدعي قناة الجزيرة انها بذلك تذكر الاسم من باب الامانة الصحفية رغم ان التنظيم مجرم دوليا تحت لافتة الارهاب. لكنها في نفس الوقت تصف في نشراتها الاخبارية وبرامجها الخبرية الحشد الشعبي في العراق بـ"المليشيات المسلحة" وتسقط توجهها السياسي الصارخ على التوصيف متناسية تبريرها الاول.


الامور اختلفت بالنسبة لتغطية الجزيرة الى حد الانقلاب على دعمها لما يسمى بخط الممانعة، اذ كانت القناة تدّعي انها تنحاز اليه في كثير من الاحيان وهو انحياز لم يكن ناتج عن مبادىء واخلاق المهنة، وانما من سياسة اعلامية موجهة، او حتى نتيجة لتلبية رغبة أحد الخطوط الثلاثة التي تسيطر على القناة، فبالاضافة الى الخط القومي المسيطر على القناة، هناك خطان آخران لهما رأي في سياسة القناة الاعلامية، وهما الاخوان المسلمون وكذلك تنظيمات حزب البعث في العراق!
لقد جاءت اللحظة التاريخية التي تكشف فيها الجزيرة عن بعض اقنعتها بشكل فاضح ولاتتهاون في فرض امر واقع على كوادر القناة، وهذا ما اجبر غسان بن جدو الذي عرف بانحيازه لمحور الممانعة على الاستقالة رغم انه يقدم واحدا من اشهر برامج الجزيرة (حوار مفتوح) كما انه يدير مكتب قناة الجزيرة في بيروت! لقد خرج من الجزيرة احتجاجا على انقلاب الاخيرة على خط (المقاومة) وتعامل بمثالية مفرطة في هذا الجانب.

لقد زرعت اطراف مختلفة لها وجودا في قناة الجزيرة وحان وقت الحصاد او ربما تضارب المصالح الذي لا يسمح لهم بالاستمرار اكثر من ذلك، متخفّين وراء الشعارات المندفعة التي قد تبرر لهم امام الجمهور ما يظهرون من انحياز فاضح لهذا الطرف او ذاك.. هكذا وصلت الامور الى نقطة فاصلة معها تكون الخلافات كفيلة باظهار الحقائق. ومن هنا جاءت استقالة الاعلامية السورية لونا الشبل التي فتحت نيرانها على قناة الجزيرة واتهمتها بخيانة الأمانة الاعلامية بسبب تلفيق الأخبار التي تبثها حول الأحداث في سورية وتتحدث عن الغرفة السوداء في قناة الجزيرة حول ما تبثه من تقارير مصورة تدس فيها القناة الخبر المفبرك والمغلوط بالخبر الصحيح. كما انه سبقت ذلك جملة من الاستقالات لاسباب مختلفة مثل استقالة حافظ الميرازي، يسري فودة، عبد العزيز عبد الغني، يوسف الشريف مدير مكتب اسطنبول، أكرم خزام إضافة إلى عباس ناصر، جمانة نمور ولينا زهر الدين .

المتغيرات السياسية الحاصلة في الوطن العربي اسقطت زعماء كثر، واسقطت معهم ايضا مؤسسات اعلامية كبيرة، اضافة الى ذلك فان الثورات العربية اماطت اللثام أيضا عن بعض الانتهازيين ممن يتمترسون خلف واجهة الفكر والثقافة ويوسمون عند الجمهور بانهم (المفكرون) الذين وضعوا انفسهم في خدمة الجزيرة لدرجة تجعلهم يدارون باجهزة التحكم! من حسن الحظ ان هناك خيارات اعلامية متنوعة في عصر الفضاء المفتوح، وهذا ربما هو العزاء الوحيد في انهيار بعض المشاريع الاعلامية العربية التي كانت تبشر باعلام مختلف.

جمال الخرسان
[email protected]



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google