دروس اجتماعية في تفسير القرآن الكريم
دروس اجتماعية في تفسير القرآن الكريم


بقلم: يلقيها الدكتور علي رمضان الأوسي - 25-10-2016
دروس اجتماعية في تفسير القرآن الكريم

في المركز الاسلامي في انجلترا

يلقيها الدكتور علي رمضان الأوسي

[email protected]

المنافقون: أساليب ماكرة ونهايات مرعبة

وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُواْ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ، إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ، أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ، يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ، وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ، الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، وَعَدَ اللَّه الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ، كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)([1]).



تتحدث هذه الآيات عن طائفتين من المنافقين كاشفة أساليبهم كيف يتوسلون بها لتحقيق أغراضهم المريضة، وعن جانب من العلاقات فيما بينهم والعواقب المرعبة التي بانتظارهم.



الطائفة الثانية من المنافقين:

بعد ذكر الطائفة الاولى: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني).

جاء ذكر الطائفة الثانية: (الذين لمزوا رسول الله في توزيع الصدقات).

اللمز: هو العيب فقد عاب (ذو الخويصرة) –وهو من المنافقين- وطعن برسول الله (صلى الله عليه وآله) في تقسيم الصدقات والغنائم بعد معركة حنين فقال لرسول الله: اعدلْ يا محمد. فردّ عليه الرسول (صلى الله عليه وآله): (ويلك إنْ لم أعدلْ فمن يعدل)([2]) وذلك في قوله تعالى: (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ).

تراهم يعيبون على تقسيم الصدقات –وهي العطية للفقير على وجه البر والصلة-([3]).

حين لم يعطَوا ما طلبوه وأرادوه لا يرضون بتقسيم رسول الله (صلى الله عليه وآله) للصدقات لأنها لم تأت على هوى طلبهم، لذا هم يسخطون ويغضبون وتصدر منهم هذه الافتراءات.

ولا تتوقف هذه الظاهرة على زمان او مكان محددين فقد تتكرر بتكرار دواعيها وظروفها.



قانون الهي:

(وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُواْ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ)، المنافقون الذين عابوا على تقسيم الصدقات لو أنهم اقتنعوا وقبلوا هذه القسمة باعتبارها من الله ورسوله وقالوا كفانا الله بعطائه (حسبنا الله) منتظرين عطاء اكثر مثل الغنائم والصدقات وغيرها من خلال رسوله (صلى الله عليه وآله) وإنا الى لطف الله واحسانه وفضله راغبون، وقد حذف جواب الشرط وتقديره (لكان ذلك خيراً لهم) اذا ما رضوا بما قسم لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لكنهم ركنوا الى ذواتهم المريضة فغلبوا الأنا ولم يحلظوا المصلحة العامة وحق الآخرين.



مصرف الصدقات وتشريع الزكاة:

الزكاة هي الطهارة والنماء ومن اركان الاسلام، ومن شأنها تقضي على الشح لدى الاغنياء او تخفف من غلوائه، وقد فرضت الزكاة في مكة، والآية 60 من سورة التوبة المدنية حدّدت أصناف مستحقي الزكاة اي من توزع عليهم هذه الصدقات.

وقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في السنة الثانية للهجرة بتنظيم بيت المال: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)([4]).

الاصناف الثمانية:

1-الفقراء: المحتاجون، فكأنما كسرت فقار ظهورهم لكن بقيت لهم فرصة في العيش.

2-المساكين: الذين لا شيء لهم، فكأن الحاجة سكنته عن حال أهل السعة والثروة.

3-العاملين عليها: الذين يجمعون الزكوات وهم سعاة الزكاة وجباتها.

4-المؤلفة قلوبهم: الذين يعطون من الزكاة كسباً لودّهم واستمالة قلوبهم من خلال هذا الإحسان.

5-في الرقاب: الذين يعطون من الزكاة لفك رقابهم من العبودية.

6-الغارمين: الذين أثقلهم الدَّين فيعطون من الزكاة لتسديده.

7-في سبيل الله: في مقدمتهم المجاهدون والمرابطون وكذلك يدخل فيه جميع مصالح المسلمين.

8-ابن السبيل: المنقطع به الطريق في السفر.

لذلك فأن الزكاة تعطى لهذه الاصناف الثمانية لسد نقص يواجهونه او من أجل عزة الاسلام.

(فريضة من الله): وقد فرض الله الزكاة وأوجبها فهو سبحانه عليم حكيم بمصالحكم ومصالح الاصناف الثمانية التي ذكرتها الآية المباركة.

الفئة الثالثة:

القائلون ان رسول الله (أذن).

(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ) كانوا يطعنون بقولهم على رسول الله (هو أذن): انه يسمع ما يقال اليه. وبهذا ارادوا ايذاء النبي (صلى الله عليه وآله) لكن القرآن الكريم دفع ذلك بتوضيح (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ) اي ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو يسمع الخير فيعمل به ولا يصغي للشر ولا يعمل به اذا سمعه فالنبي (يُؤْمِنُ بِاللَّهِ) اي يصدقه فيما يقول: (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) اي يصدقهم ولا يصدق غيرهم لعلمه سبحانه بنواياهم المخلصة المصدقة به. (ورحمة) فالنبي رحمة كما وصف نفسه الشريفة: (انما انا رحمة مهداة) اليكم ايها الناس (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)([5])، فكل ذلك مجتمع، برسول الله فهل يصدق أحد انه أذن شر، أبداً بل هو اذن خير وهذا الخير لكم لانه رحمة الله المرسلة اليكم وعلى يديه هدايتكم، والرسول انما يسمع ويصغي لحاجات الناس لانه القائد لهذه الامة والانسانية جمعاء فلابد ان يقف على حاجات الناس واسئلتهم وشكواهم، فالقائد الذي لا يسمع لرعيته فذلك بعيد عن الوظيفة الاساسية لهذه الزعامة والقيادة.



الأيمان الكاذبة لكسب رضا المؤمنين

(يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ)

وهذا أسلوب نفاقي ماكر فلو كانوا صادقين في أيمانهم لأطاعوا الله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله) فهذا أحق من إرضائكم لكنهم لا يريدون ارضاءكم او إرضاء الله ورسوله على وجه الحقيقة، وانما ذلك كله يدخل في محاولات نفاقية لمزيد من التضليل والاختفاء وراء هذه الايمان الكاذبة.

تهديد مباشر:

(أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ).

استفهام توبيخي وجّهه القرآن الكريم الى المنافقين الذين يخالفون الله ورسوله ويظهرون هذا العداء بقوة وحماسة فهؤلاء مصيرهم جهنم خالدين فيها: (ذلك الخزي العظيم) ذلة وفضائح أمام الاشهاد يوم القيامة نعم انه مصير مؤلم.



خوف المنافقين من الفضيحة:

كانوا يراقبون القرآن الكريم ان تنزل سورة تفضحهم وتخبرهم عما يضمرونه في قلوبهم ويخططون له:

(يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم).

ما الذي أقدم عليه المنافقون؟

واجه القرآن الكريم استهزاء المنافقين برسول الله (صلى الله عليه وآله) بتحذيرهم وتهديدهم (قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ)، وقد أخبر الله نبيّه بما بيّتوه في طريق عودته من (تبوك) وكانوا قد اتفقوا على مضايقة البعير الذي ارتحله النبي (صلى الله عليه وآله) لينفّروه فيسبب له السقوط في الوادي ليقضوا عليه (صلى الله عليه وآله)، فتدبر النبي (صلى الله عليه وآله) الأمر وأمر بمهاجمة المنافقين الذين قصدوه. وتفيد بعض الروايات ان المنافقين استهزؤا برسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالوا: كيف يتمكن من الروم ذوي القوة الكبيرة فيفتح حصونهم لكنه (صلى الله عليه وآله) فضحهم وأخبرهم بما تداولوه مع بعضهم.

جواب المنافقين:

(وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ).

وهذا إخبار آخر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ليكون على حذر منهم حيث يبررون استهزاءهم برسول الله (صلى الله عليه وآله) على عدم قدرته على فتح قصور الروم وحصونهم وكان التبرير: (كنا نخوض ونلعب) اي انهم كانوا يمزحون ويضحكون وليسوا جادين في ذلك الطعن.

الرد القرآني عليهم:

(قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ)، كيف تكون محاولة قتل النبي (صلى الله عليه وآله) ولمز الانتصارات، وتثبيط العزائم كلها من اجل الاستهزاء، وهذا جواب قرآني صريح ومباشر للرد على دعواهم، وهل يقبل استهزاء بالله وآياته ورسوله، وهنا يقطع القرآن عليهم اعتذارهم.

(لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) نهي وتهديد لهؤلاء المنافقين وهو الايمان الظاهري برسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي يظهره المنافق لكنه يفتضح أمره اذا ما أظهر الكفر كهؤلاء الذين تآمروا على حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) واستهزؤا بالنصر وثبطوا العزائم، ورغم ذلك كله تبقى التوبة مفتوحة لمن تاب حقاً: (إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ) اي فريق من المنافقين حين يتوبون توبة صحيحة، ويبقى العذاب يلاحق الذين لا يتوبون الى الله عن ذنوبهم ومعاصيهم (نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ)، بسبب إصرارهم على الجريمة.

النفاق تكتل وانتماء:

(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ) متشابهون من صنف واحد يسند بعضهم بعضاً وينتمي بعضهم لبعض، ذكوراً كانوا أو إناثاً.

لا يفشون اسرارهم إلا الى بعضهم، يدعون الى الكفر والمعاصي وينهون عن الايمان الصادق والطاعة المخلصة بخلاء يمسكون ايديهم عن العطاء لا ينفقون (ويقبضون ايديهم).

عقاب المنافقين:

1-(نسوا الله فنسيهم ان المنافقين هم الفاسقون) انهم تركوا طاعة الله وعصوه فحرمهم رحمته بسبب فسقهم وتمردهم وخروجهم عن الطاعة.

2-الخلود في نار جهنم وهذا وعد الهي للمنافقين والكفار (هي حسبهم) تكفيهم بأيلامها وايذائها وعذابها.

3-اللعن والطرد (ولعنهم الله) فالملعون من يُحرم ويطرد من (رحمة الله) سبحانه وهذه اللعنة مباشرة من الله سبحانه فما أشد هولها وتأثيرها عليهم يستتبعها عذاب مقيم دائم.

النفاق ظاهرة تتكرر:

يا معشر المنافقين لقد مضى قبلكم من هم أقوى منكم واكثر أموالاً واولاداً وكانوا على طريقتكم في الكفر والنفاق وتمتعوا بنصيبهم الدنيوي وانتم كذلك استمتعتم بنصيبكم الدنيوي وقد سلكتم الطريق الذي سلكوه في المعصية والنفاق والكفر.

(كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ).

4- حبط الاعمال والخسران:

وهنا تحذر الآية المباركة: (أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) فالذي تبطل أعماله ولا يبقى لها تأثير فتكون بمثابة العدم يكون قد خسر تمام الخسران وهذه عاقبة مؤلمة في الدنيا والآخرة.

اضاءة اجتماعية:

المنافق سلاحه الافتراءات وتقديم المبررات والأيمان الكاذبة ليغطي على حقيقة أخفاها عن الآخرين.

وقد يبلغ بهم الحال ان يلمزوا اكبر رمز وأقدس وجود كالقرآن الكريم او رسول الله (صلى الله عليه وآله). فمن يعقل ان يكون هناك شخص اكثر عدالة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يندفع (ذو الخويصرة) ويقول: يا محمد أعدل.

وحتى لا توزع الزكوات وغيرها من موارد الانفاق طبق الهوى والرغبات جاء القرآن الكريم بذكر الاصناف الثمانية المستحقة لها وللحاكم الشرعي النظر في حجم العطاء لكل صنف، وفي الأولوية في ضوء المقتضيات القائمة حال التوزيع والعطاء ومن هنا انطلقت فكرة بيت المال الذي تمركزت فيه الهبات والعطايا وموارد الانفاق الواجب والمستحب فأصبحت الدولة مسنودة بهذا العصب الاقتصادي المنظم بعد ان فرض الله سبحانه العطاء والانفاق.

ان صنف (المؤلفة قلوبهم) الذين يعطون من الزكوات لكسب ودّهم بالحق وتحجيم خطرهم وتحييد موقفهم، تتوسع مصاديقه او تتضيق أحياناً في ضوء المرحلة التي يمر بها المسلمون وتدخل في هذا السياق الاحلاف والتوافقات الاستراتيجية أحياناً.

وقد يبلغ بهم الإيذاء برسول الله القائد لهذه الانسانية فيصفونه بالأذن اي انه يسمع من الجميع بحق وبغير حق، وهذا افتراء آخر صارخ على مقام النبوة فالنبي الرحمة للناس لا يقبل بظلم أحد، انه يسعى لاحقاق الحق وانصاف المظلومين من خلال الاستماع للجميع اذ ان الحق يقضي بالاستماع لطرفي المشكلة او التنازع.

وقد يتمادون أحياناً أخرى حين يسيئون ويتآمرون تحت غطاء انهم انما يمزحون ويضحكون وليسوا جادين في ايذاء النبي والرسالة تخلصاً من العقوبة وتهرباً من المحاسبة.

فهذه وغيرها اساليب نفاقية ماكرة لكنها سرعان ما تفتضح لكنهم بمجموعهم يشكلون كتلة كلها ايذاء واحباطات وتعويق (المنافقون بعضهم من بعض) متشابهون في مخططاتهم التدميرية وهم ظاهرة تتكرر وليسوا مرحلة من المراحل، والظاهرة النفاقية اليوم اكثر تعقيداً فهي تستفيد من قدرات وتقنيات معقدة على مستوى دول وتحالفات وقوى عالمية الى جانب التحركات النفاقية من داخل المجتمع وهؤلاء ليسوا اقل خطراً من غيرهم. فالقرآن الكريم يتوعدهم باللعن والطرد من الرحمة الالهية وبالنسيان فهم طائفة غير مرحومة، وبحبط الاعمال في الدنيا والآخرة وبالخسران.



دروس اجتماعية مستفادة:

1-ما أبرز أدوار المنافقين وماذا يهدفون؟

2-ما ابرز ادوات المنافقين مثل الايمان الكاذبة وغيرها؟

3-هناك دوافع مريضة جرّأت (ذو الخويصرة) كيف تفهم تلك الدوافع؟

4-لو استطاع بيت المال تأمين احتياجات الاصناف الثمانية هل يعد ذلك صورة متقدمة من الضمان الاجتماعي للفرد والخدمة الاجتماعية؟

5-لماذا يعيش المنافقون خائفين دائماً؟

6-كيف يتشكل النفاق في المجتمع ككتلة ومكوّن؟

7-ما هي آثار الحبط الدنيوي على المنافقين كما توعدهم القرآن الكريم بذلك؟


([1]) سورة التوبة: 58-69.


([2]) روح المعاني للالوسي 10/119.


([3]) التبيان للطوسي 5/242.


([4]) سورة التوبة: 103.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google