الزعامات العراقية وعقدة الاعتراف بالخطأ
الزعامات العراقية وعقدة الاعتراف بالخطأ


بقلم: مازن الحسوني - 25-10-2016
يوصف الرجل العراقي بأنه من الصعب أن يطلب منه الاعتذار عن خطأ ارتكبه وأن يتقبل فكرة أنه لا يعرف عند سؤاله بموضوع ما. هذه الحالة متأتيه حسب وصف علماء الاجتماع من خلفية الرجل العراقي البدوية والتي تسيطر على عقليته رغم معيشته بالمدينة منذ عقود كثيرة.
ما يزيد الطين بله عندما يكون هذا الرجل مسؤولا سواء في الدولة أو في حزب سياسي، تجد من يسارع لتبرير أخطاء هذا المسؤول ليعيش بالتالي في وهم أنه لم يفعل شيئا خاطئا.
* خذوا مثلا صدام حسين جر العراق لحرب مع إيران لمدة ثمانية أعوام خسرنا بها أكثر من نصف مليون مواطن وأكثر من هذا الرقم معوقين عدا عن الخسائر المادية التي من الصعب تحديد رقم معين لها ولكنها بلغت عدة مليارات وكذلك فقدان أراضٍ عراقية وجزء من مياه شط العرب ولم تحقق أي هدف اتخذه صدام ذريعة لبدء الحرب وبالنتيجة بعد توقفها أعتبر نفسه والعراق منتصرا بهذه الحرب المجنونة.
دخل الكويت وأشعل حربا جديدة دفع العراقيون ما تبقى لديهم للعيش بعد كارثة الحرب مع إيران وخسر البلد مرة ثانية كل مقومات الحياة الطبيعية نتيجة لها بعد كارثة الحصار الاقتصادي.
ومرة أخرى اعتبر صدام نفسه منتصرا بهذه المعركة لأنها لم تنهِ حكمه.
لماذا تصور صدام أنه رابح بكل هذه الهزائم؟ الجواب هو جوقة المقربين منه والذين يعرفون ما يسعده سماعه من تحليل وتقييم رغم زيف هذه الحقائق ولكنهم لابد من فعل هذا للحفاظ على أنفسهم وعلى الحكم ومن يتجرأ على قول الحقيقة المرة يعرف أن عقابه شديد وبالتالي من الأفضل أما البقاء واللعب مع الجميع بنفس الطريقة أو الهروب و تحمل تبعات هكذا قرار.
* هل اعتذر صدام عن الكوارث التي سببها للعراق؟
ماذا بعد السقوط ومجيء أحزاب علنا رفضت أسلوب صدام وتقييمه عند حدوث خطأ ما إبان وجودها بالمعارضة.
* خذوا المالكي مثلا عمل رئيسا للحكومة لمدة ثمانية أعوام، سقطت أربع محافظات بيد الإرهابيين أثناء حكمه، عم الفساد دوائر الدولة بشكل غريب، ازدادت الفرقة الطائفية بين مكونات الشعب، خلافات مع الإقليم أججت الشعور القومي المتشنج لدى القوميتين الكبيرتين (العربية والكردية) وغيرها من السلبيات التي جعلت المواطن يترحم على حكم صدام رغم كل مساؤه.
نفس الفلم جوقة من المطبلين حوله يصورون له بأنه على حق بكل ما يفعل وهو يريد سماع هكذا كلام فقط ومن يعترض لا مكان له مع المالكي حتى وصل الأمر بعباس البياتي بالقول بعد المناداة بضرورة تغييره وعدم منحه دورة ثالثة للحكم (ليس لدينا إلا المالكي ومن لا يريده سنستنسخ مالكي جديد) والنتيجة أن المالكي بعد فشله بعدم ترأس الحكومة من جديد لم يعترف بفشله (في مقابلة تلفزيونية قال نحن فشلنا جميعا) وليس هو.
هل اعتذر عن كل الكوارث التي حدثت بسبب سياسته الرعناء؟
* خذوا جلال الطالباني وطيلة قيادته لحزبه وما يحدث الآن هل يعترف بفشله في إدارة الحزب ويعتذر عن فوضى حياة الحزب الحالية ويترك المجال لغيره؟
* خذوا مسعود البرزاني وما يحدث بالإقليم من مشاكل لا حصر لها سواء بوضع الناس اقتصاديا أو الفساد المستشري وعدم دفع رواتب الموظفين لأشهر والحياة السياسية المعطلة بالإقليم......الخ.
لا يمكن لمسعود أن يتقبل فكرة كون سياسته هي السبب بهذه الكوارث مع أسباب أخرى طالما حوله جوقة تبرر له كل الأعمال وتضع المسؤولية فقط على الآخرين وهذا ما يريد أن يسمعه وبالتالي يبقى ومن حوله بسدة الحكم بالإقليم.
هل سيقدم يوما ما مسعود اعتذاره للشعب الكردي والعراقي عن نتائج سياسته الفاشلة ويبتعد عن سدة الحكم؟

* أما الحديث عن الأحزاب الإسلامية فلا أعتقد بانه مفيد بهذا الموضوع لأن هذه الأحزاب تستمد جل قوانينها من قيم دينية خاصة حتى وإن تزينت بقيم الديمقراطية والانتخابات والتي هي صور مزيفة عن هذه القيم ويكفي الحديث عن المؤتمر الأخير للمجلس الإسلامي وكيف انتخب عمار الحكيم بالإجماع بعد أن كان هو المرشح الوحيد (مثل انتخابات صدام). وبالنتيجة لن يجد نفسه عمار أو غيره من هؤلاء الزعماء الإسلاميين بحاجة للاعتذار عن أي خطأ، وإنما التبريرات جاهزة وخاصة هنا ستكون إرادة الله وأهل البيت هي حاضرة بكل موقعة.
* ماذا عن الحزب الشيوعي؟
في كل تقييماته التي طرحها بعد أكثر من حدث كبير لم نجد غير التبريرات وعدم الاعتراف بأي خطأ ارتكبه السكرتير أو القيادة وإسقاط اللوم على العوامل الخارجية بشكل كبير أما الداخلية فهنالك إشارة خجولة لها. والحصيلة هي عدم اعتذار السكرتير باعتباره هو من يقود دفة الحزب ويتولى الاشراف على كل مفاصل حياته ومسؤول عن الأخطاء التي تحصل للحزب مثلما أوقعنا اللوم على المالكي باعتباره يقود البلد والقوات المسلحة وبالتالي هو المسؤول الأول عن سقوط الموصل والمحافظات الأخرى بيد الإرهابيين.
هل سيعتذر السكرتير عن خسارة الحزب في جميع الانتخابات الماضية؟
هل سيعتذر السكرتير عن خطأ دخول الحزب مجلس الحكم من بوابة التقسيم الطائفي؟
هل سيعتذر السكرتير عن خطأ القبول بالدستور الأعرج والاتفاقية العراقية الأمريكية؟
وغيرها من الأحداث التي لم تدفع الحزب للأمام بعد سقوط الصنم بل جعلته رقما بسيطا لا يعتد به كثيرا في الحياة السياسية الحالية في العراق؟
هل سيترك السكرتير قيادة الحزب ويفسح المجال لغيره لقيادة الحزب بروحية جديدة، ام سيقول المؤتمر هو من يقرر ذلك؟
بهذا لا يختلف الحزب كثيرا عن غيره من الأحزاب طالما بقيت القيادة تصم أذانها لكل الأصوات الخيرة التي تريد تحسين وضع الحزب رغم أن هذه الأصوات تخدش الأذان التي اعتادت على سماع نغمات محددة فقط.
* إذن نصل إلى نتيجة هي أن أيا من هذه الزعامات التي لم تتربى بحضن أجواء ديمقراطية وعدم القناعة الحقة بها لاحقا لا يمكن لها القبول بمبدأ ارتكابها لخطأ ما وعدم قدرتها على القيام بدورها القيادي بكل الأوقات.
* ربما أحدهم يسأل هل نستورد قياديين ديمقراطيين من الخارج؟ بالقطع كلا.
وإنما هذه عملية تراكم لتجارب ينتج عنها بكل مرة نموذج أفضل من سابقه إذا وفرنا له فرص النجاح وأولها قوانين دستورية سواء للبلد او بداخل كل حزب. ومن هذه الأسس:
- تحديد فترة زمنية لقيادة الدولة والحكومة مثلا دورتين. وكذلك بالحزب دورتين للسكرتير.
- الشفافية وعدم التستر على الأخطاء.
- قوانين تحاسب المخطئ مهما كان مركزه.
-مشاركة الشعب بصنع القرار عبر مؤسساته الديمقراطية (البرلمان، مؤسسات مجتمع مدني، أحزاب تؤمن بالديمقراطية ......الخ).
-قواعد حزبية تساهم بصنع القرار داخل أحزابها مع قيادتها.
عند تطبيق هكذا قوانين وغيرها تصب بنفس الهدف سنجد أنفسنا بعد حقبة من الزمن قد أنتجنا أناسا يؤمنون بالديمقراطية وحريصون على تطبيقها وليس من المعيب لديهم الاعتذار أو الإقرار بأنهم ليس بالضرورة يعرفون كل شيء ونتخلص من حالة البداوة التي تلازم البنية الاجتماعية للمواطن العراقي.

مازن الحسوني 22/10/2016



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google