قانونُ الخمرة وأصدائُه: تكالبٌ في ميدانِ ذرِ الرمادِ
قانونُ الخمرة وأصدائُه: تكالبٌ في ميدانِ ذرِ الرمادِ


بقلم: أ.د. عبدالحميد العباسي - 27-10-2016
قلت, *قانونُ الخمرةِ* لا *قانون مكافحةُ الخمرة*, لسببين اولهما, انه ذكَّرني بإسم جمعية كانت فاعلة في مدينة الزبير ايام عملت فيها عام 1956إذ كان اسمُها *جمعيةَ مُكافحة الرذيلة* وكان الناس يسمونها *جمعية الرذيلة* استسهالا للفظ. وثانيا لانه (القانون) , كما تفعل الخمرة, جاء توقيت تفعيله *ليُلهي* الناسَ عن همومهم وعما هو أهمُّ *الان* ولا يختلف معارضوه في الغرض. وبغض النظرعما ذكرته في اعلاه فقد كان في مشروع القرار درسا في السياسة, ان قد تلتقي تطلعاتُك مع تطلعات اعداءِك في بعض الامور, فها نحن (مجلس نوابنا) نلتقي مع داعش في امورتحريم الخمرإإ وكذا دول كثر في العالم تعادي داعش أذا اقتربت من اوطان تلك الدول وتناصُرها إن هي اضرَّت بالعراق او سوريا أو دول عربية أخر. وقد تلتقي بعضُ تطلاعاتِنا مع بعضٍ من اجندة اوردخان, من يدري؟ لنفكر قليلا. وفي كل الاحوال أصحابُ مشروع الخمرة ومعارضوه, كلاهما في مزايدات سياسية لا علاقة لمصلحة الشعب بها. ومتى كانت مصلحة الشعب من هموم المتسلطين علينا أوالمعارضين لهم؟, المتسلطون هَمُّهم البقاءُ في السلطة والمعارضون لا هَمَّ لهُمْ إلا إسقاط السلطة ماداموا
خارجها. وعليه فالصراخُ وأصدائهُ قد يكونا بُرقِعاً واحدا لما يُراد إمرارُه.

أيام الحكم العثماني كانت حانات الخمور والمباغي مجازة في كل محافظات العراق عدا المقدسة منها وظل الحال كما هو بعد قيام الدولة العراقية مع حصر بيع الخمور او إنتاجها بغير المسلمين وهذه حِرفة مُربحة. اما لماذا حُرِّمَ على المسلمين بيع الخمرة وسمح لهم شربها, فامرٌ جَديرٌ بالتأمل. والشيء بالشيء يذكر: أن احدَهم أقام, بين بساتين الكرادة الشرقية, معملا لانتاج الخمور من التمر على امل ان يشتري التمر من البساتين المحيطة فيوفر اجور نقل التمور من اماكن البيع البعيدة نسبيا ولكن اصحاب البساتين امتنعوا عن بيع تمرهم له, احدى الطرائق التي يمكن ال يلجأ اليها اعداء الخمرة, علما ان الخَمْرَ المستخرج من التمر. هو اشدُّ الخمورِ تاثيرا وعموما يعتبرهذا شراب الطبقات الدنيا في المجتمع بسبب تاثيره الملموس غلى سلوك شاربه. ولم يكن يتيسر هذا الصنف من المشروب في الاندية المهنية إلا في نادي الضباط ونادي الاطباءإإ. وكمثال على ربحية حرفة بيع الخمور, انني عندما كنت اذهب الى أحد فروع المصرف, لأحول ما يُسمخ تحويله للدارس في الخارج اواسط الثمانينات من القرن الماضي كنت اشاهد اصحاب الحانات بأتون صباحا يحملون اكياس القمامة السوداء مليئة بأوراق النقود الكبيرة, ليودعوها في المصرف وقد اخبرني مسؤولُ المصرف ان تلك كانت حالُهم كلَّ يوم إإ.

لقد بلغ استهلاك الخمور, في العهد السابق, أعلاه واتسعت شرائحُ المجتمع التي تُفرط في شُربه. كانت هناك, باعتقادي, اسبابٌ ثلاثة: اولها: محاولة البعض تناسي همومه ومن هولاء من كان يريد دفع الشك عن نفسه ففي شربه الخمر اشارة الى عدم تدينه وانصرافه الى اللهو والشرب. ثانيا: ظهرت طبقة اجتماعية محدودة الثقافة, صارت ميسورة بشكل لا تستطيع مداركهم استعابها اوالتكيُفَ لها, فتصوروا ان التردد على الملاهي والحانات وغيرها هو الإرتقاء في السُلَّم الاجتماعي وقد صاحب ذلك تَدنٍّ ملحوظ في موقع الطبقة الوسطى في الظروف المعيشية. ثالثا: ان السلطة وكوادرها كانوا من محتسي الخمرة في معظمهم ربما تناسيا لهموم لاشك انها كانت ثقيلة كما ان اثر الخمرة في إلهاء الناس كان امرا مُرحبا به وكان هناك أمرٌ آخر وأهّمْ وهو ان الخمرة تجعل الفردَ سلِساً, لدِنا, لذا قِيل عنها انها مَزلقٌ اجتماعيٌ Social Lubricant
وكلمة *مزلق* هي بيت القصيد, إذ سُرعان ما تَفكُ الخمرةُ عقدةَ اللسان. وهنا مَربِطُ الفرَس. أن المراقب للسوق, آنذاك يلاحظ ان كل شيء قد يشِحُ في السوق إلا المشروبات الروحية والسكائر. أذكر ذلك الشخص الذي جاءني يشكوا (فضلا عما كان يشكوا منه) قائلا * تصور (مستكي) ماكو بالسوك* واقتداءً به اقول كل الحاجات الغذائية التي تشح اغلب الاحيان لم تكن مهمة بالنسيبة لهذا الرجل, فقط *المستكي*. لا بد ان كُثرا من الناس قد أدمنوا على الكحول وهولاء هم مَن يُعولُ عليهم المحتجون على قانون الخمرة.

الديمقراطية, قميص عثمان, لم يهتم بامرعثمان الا الله فقد جعله من العشرة المبشرة في الجنة. هل عندنا ديمقراطية واية ديمقراطية هذه التي لا يوجد في برلمانها مُعارضة . كيف تقوم معارضة في ظل نظام الشراكة. الديمقراطية هي سيادة رأي الأكثرية. تقهقر هذا الثابت أمام بُدعة المقبولية. كيف تكفلُ ديمقرياتُنا حق الاقليات وقد عجزت عن ان تكفل حق الاكثرية؟
هل تعتقدون ان الدول الديمقراطية وهي عادة مسيحية لا تشكوا من المشاكل الاجتماعية, والاقتصادية والصحية, التي يسببه شرب الخمر؟ مرات ومرات يصف مسئولون كبار, حتى رؤساء وزارات, بان تعاطي الخمر, آفةٌ اجتماعية وما يمنعهم من تحريم (ليس بالمعنى الديني) تعاطيه إلا أمورٌ عدة (!) وجود فئات مُدمنه, ستفعل كل شيء بما في ذلك الجرائم, للحصول عليه. لقد حرَّمَتْ فرنسا الخمورَ في الماضي, فاستعمل المدمنون عليه اساليبَ عدة منها, ان باعة الخمور صنعوا زجاجاتِ خمرٍ على شكل كتبٍ دراسية, لتجاوز الموانع. وارتفعت اسعار الخمور المُهربة بشكلٍ فاحش. (2) ان الضرائب على المشروبات الروحية عالية وتشكل موردا للدولة ليس بوسعها الاستغناء عنه. (3) صوت الناخب, عِلةُ الديمقراطية, إذ يعلوا الصوت الإنتخابي على المبادئ والثوابت وليس بوسع اي حزب المجازفة وخسارة اصوات اصوات الذين لا غنى لهم عن الخمر. هل يعني هذا ان الحكومات الديمقراطية لا تفعل شيء حيال هذه الآفة؟ كلا, هم يفعلون كل شيء خلا ما ذكرت في اعلاه, يرفعون الضريبة على المشروبات الروحية مثلا, يكثرون من البرامج التثقيفية مُحذرة من مضارالخمو ويمنعون بيع الخمر لاي فرد عمره يقل عن 25 سنة. هل الفرد بهذا العمر غير راشد, او ليس مسيحيا ولا يجوز منعه من تناول الخمرة لان دينه لا يمنعه وهل ان دينه يمنعه من تناول المخدرات, لمادا لا يعلوا الزعيق عند منع ذي الاقل من 25 سنه من الحصول على الكحول او الذي يمنع من تناول المخدرات, فالمخدرات غير محرمة في دينهم. ليس في منع المشروبات الروحية اعتداء على حرية الديانة كما رأينا.

اما الاضرار الصحية, فاقول ليس هناك اي جزء من الجسم لا يُخرِّبه الكحول وهذا يعرفه الاطباء وليس هناك آفة اجتماعية
لايكون للكحول دور اساس اومساعد فيها وهذا يعرفه علماء الاجتماع. وتبقى مفارقة قد تكون في ذكرها إثارة, اني خلال ممارستي الطويلة للطب لم اصادف حالة مرض كحولي السبب, عند صاحب حانة او يعمل فيها وعند سؤال اصحاب الحانات او الذين يعملون فيها عما ادا يحتسي الخمروهو سؤال يُلزم الطبيب بتقصيه يكون, الجواب دائما *انه لا يشرب الخمر ة* واحيانا يكون الجواب *فقط في المناسبات*



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google