بقلم: سامان نوح -
27-10-2016 - المتقاعدون في اقليم كردستان الطافح على بحيرات النفط والغارق في
البطولات الثورية والشعارات القومية وطبعا الصراعات الحزبية والمصالح
الفردية، لم يتلقوا رواتبهم منذ أكثر من ثلاثة اشهر، وآخر راتب تلقوه كان
لشهر نيسان، وفق المتقاعد مام صابر "والله لم اعد أعرف .. لكن صديقي قال
لي انه حين تسلم راتبه الأخير في بداية شهر رمضان ذكروا له انه راتب شهر
نيسان... منذ ذلك الحين لم نستلم شيئا ..... هو لن يكفي ثمن أدوية القلب
والسكري التي اضطر لتناولها.... لو لا مساعدات البعض لكنت الآن في عداد
الموتى وخففت الحمل عن الحكومة وأرحتها من ثقل راتبي وبرمجته في مهرجانات
الاصلاح الحكومي ونكتة توزيعه بالبطاقة الالكترونية.
- موظف متقاعد قضى 20 عاما في خدمة دائرة خدمية، قبل ان يتحول الى سائق
تاكسي، بدا غارقا في همومه، يطبقه الصمت، قبل ان يقول بتهكم حين مر
بسيارته قرب مستشفى حكومي: كانت هناك ايام زمان مستشفيات للعامة ....
ابنتي تعاني منذ سنتين من التهابات حادة في اللوزتين وتتلقى علاجا شهريا
لكي تتجنب موجات آلام الحلق والحمى التي تلاحقها.... قبل عام رفص الطبيب
اجراء عملية ازالة (استئصال) اللوزتين لها بسبب صغر عمرها.. لكن بعد ان
تجاوز عمرها الثلاث سنوات قررنا اجراء العملية لانهاء معاناتها
المتكررة... قال لنا الطبيب بعد ان فحصها واطلع على تقاريرها "نعم حالتها
طارئة وتتطلب عملية باسرع وقت ممكن" ثم قلب اوراقه وقال "اقرب موعد ممكن
هو تشرين الثاني 2017.. انصحك أن تجري العملية في اي مستشفى اهلي وتتدبر
التكاليف".
- متقاعد قارب الثمانين من عمره، تعرض طقم أسنانه للكسر، وراجع المستشفى
الحكومي الوحيد في بلدته، قالوا له: حجي راجعنا في كانون الثاني 2018،
لكي نقوم بالواجب. رد الحجي على الطبيب "وهل تتوقع انني ساعيش عامين
آخرين لكي اقضيها في انتظار موعدكم لكي اتمتع بعدها باسنان اصطناعية".
ضحك الطبيب واعطاه موعدا بعد خمسة أشهر. فالطقم في اي عيادة اهلية يتطلب
اكثر من الف دولار وأحيانا الفين وهو ما يعادل راتبه لعامين كاملين.
- مدرس متقاعد في الستين من عمره قضى 30 منها في خدمة دولة احزاب
المحاصصات الديمقراطية التعددية، يواجه آلاما حادة في اسفل البطن، راجع
المستشفى وطلب منه الطبيب اجراء عدة تحليلات مخبرية دقيقة مع فحص الرنين
المغناطيسي ... الطبيب المعني بـالرنين المغناطيسي اعطاه 85 يوما
للمراجعة من اجل اجراء الفحص. قال وهو يتلوى ألما "لم اراجع منذ سنوات
مستشفى حكومي، كان الأولاد يعطونني اكثر من راتب الى جانب تقاعدي
الحكومي، لكن لم يعد احد يعطيني شيئا، لم يعد يستطيعون تدبر امورهم... لا
أعرف ان كان دوري سيأتي للفحص ام سيسبقه موتي".
- متقاعد كهل حين ناديته بالحجي، قال "لن اصبح حجي ابدا انتظرت عدة سنوات
ظهور اسمي في قوائم الحج، وكنت قد ادخرت بضعة ملايين لسفرتي الأثيرة تلك،
لكني انفقتها في عام العوز الأخير على العائلة، لتدبر مصاريف طارئة..
داعش الارهابي وداعشو الادارة والسياسة حرموني من الحج!!".
اضاءة: القطاع الصحي الحكومي يتجه تدريجيا للتحول الى الخصصة الكاملة حيث
يتم رفع قيمة الرسومات المستحصلة من المراجعين والمرضى واضافة رسومات
جديدة، في ظل غياب معظم الأدوية، بينما يعلن قادة بقايا حكومة كردستان
نيتهم خصصة قطاعات الكهرباء والبلديات بعد ان حولوا قطاعات اخرى فعليا
الى عالم الخصحصة المغري للشركات الحزبية التي تتحين الفرصة لتحتكرها
وبأبخس الأثمان، طبعا كل ذلك خدمة للمواطن، وتطبيقا لنظام السوق الحر في
اقليم يعاني من غياب القانون وانعدام المنافسة وفقدان الشفافية.. اقليم
بلا برلمان ولا اجهزة رقابة ولا مؤسسات حقيقية للادارة وبهياكل حزبية
عشائرية تحتكر القرار في الأرض والسماء
