وَهْمُ الدولة (62) مثقفون يقتلون الفقراء
وَهْمُ الدولة (62) مثقفون يقتلون الفقراء


بقلم: سليم الحسني - 28-10-2016
ربما لاحظ المتابع لحلقات هذه السلسلة، ولحلقات (إسلاميو السلطة)، كثرة التعليقات التي يكتبها أشخاص متحمسون، يحاولون الخروج من مأزقهم في التبعية للقادة الفاسدين، بأن ينقلوا الحديث لجانب آخر، وهو إتهام كاتب المقالات، بانه (دعوجي). وكنت أعرف ان هذه الاتهامات محاولة لإغماض أعينهم عن الحقيقة الماثلة أمامهم، وهي عبوديتهم لقادتهم.

في الحلقة رقم (60) كتبت عن ظاهرة تبعية الإعلامي والمثقف للقائد والكتلة التي ينتمي اليها او يتعاطف معها، وبدأت بنفسي حين أعتبرتُ ان قيادة حزب الدعوة فاسدة ما لم تكشف الفاسدين داخلها. ودعوت الى عدم انتخاب قائمتها في الانتخابات المقبلة، اذا استمر صمتها على الفاسدين في حزب الدعوة. مع أني تركت العمل التنظيمي من الدعوة منذ سنين.

ثم طلبت من بقية المثقفين والإعلاميين أن يبرهنوا على حرصهم على العراق وعلى قوت المواطن الفقير، وعلى صدق ما يدّعون، بان يفعلوا الأمر نفسه، فيوجهوا كلامهم المباشر الى قادة الكتل التي ينتمون اليها او يتعاطفون معها، بكشف الفاسدين في كتلهم، وإلا فهم يندرجون تحت قائمة الفاسدين أو المتسترين على الفساد.
...
جاءت النتيجة بالنسبة للمقال مشجعة وايجابية الى حد كبير، فلقد صمت هؤلاء وانقطعت تعليقاتهم، ولم أرّ من خلال متابعاتي للمواقع الالكترونية أن رأياً قد صدر من أحدهم ضد قائده او كتلته.

أعتبر هذه النتيجة إيجابية من جهة البحث العلمي وتقصي الواقع الميداني لدور المثقف العراقي، خصوصاً وأن الحديث عن بناء المجتمع والدولة. لأنها تكشف عن حاجتنا الى مثقفين وإعلاميين يستطيعون مطابقة القناعة الشخصية مع ما يكتبون ويتحدثون به. فليس في العراق مثل هذه الفئة الكافية عددياً لأن تمارس عملية النقد والتصحيح والبناء. وأن الغالبية العظمى من الإعلاميين والمثقفين هي من المعتاشين على القيادات الفاسدة.

طبعا يجب استثناء المثقفين الذين تفرض عليهم ظروف الحياة القبول بالعمل في وسائل إعلامية منتمية لتوفير لقمة العيش لعوائلهم، وكذلك استثناء المثقفين الذين يتهددهم القتل والاختطاف والمضايقات فيما لو أجهروا برأيهم تجاه القائد.
...
قبول هذه الفئة المعتاشة من المثقفين بالفساد، هو جزء من عملية الفساد الكبرى التي تشمل الكتل السياسية، لكن فساد المثقف يكون أكثر ضرراً من القائد الفاسد، لأنه أداة تضليل اجتماعي وثقافي، إنه يسهم في تشويه الرأي العام، ويعمل على قتل الإرادة، ويسعى الى إبقاء الخراب على ما هو عليه، لكي يضمن ثبات استرازاقه من القائد والكتلة.

كما أن ضرره يكون أكبر من القائد الفاسد، لأن بعضهم وهم الذين يرتبطون بدائرة قائد الكتلة، يعملون على إيهامه بزيف الكلام والمعلومة والصورة، وهذه حالة منتشرة في الوسط السياسي، وهي جزء من ظاهرة اجتماعية عميقة الجذور في المجتمعات البشرية. لكنها في العراق ربما ظهرت بشكلها الفاقع أكثر من مجتمعات أخرى. لقد ظهرت في زمن الظلم الصدامي بدافع الخوف والمصلحة الشخصية، ثم ظهرت في زمن الديمقراطية والحرية الحالية بدافع الاعتياش ومشاركة الفاسدين فسادهم.
...
في كراسه الجرئ (عارنا في الجزائر) ـ مترجم الى العربية في أقل من ستين صفحة ـ توجه (جان بول سارتر) بنقد حاد ضد السياسة الفرنسية في احتلال الجزائر، واعتبر ان ما قامت به كان نوعاً مجسماً من الفساد، ودعا الى تحرير فرنسا من عقلية الاستعمار، لأنها ما لم تتحرر فلن تكون حرة.

تضامن من طرح (سارتر) المثقفون والمفكرون الفرنسيون، وأحدث ذلك موجة غضب انتقلت من الأوساط المثقفة الى الشارع الفرنسي، وحاول كبير المسؤولين الأمنيين إقناع الرئيس (ديغول) باعتقال سارتر، فرفض الرئيس ذلك بقوله: (إنك تطلب مني أن اعتقل فرنسا).

لقد كان الاتجاه الحكومي والرأي العام في فرنسا أيامذاك مع الفكرة الاستعمارية، لكن الفيلسوف الوجودي سارتر، أراد قول الحقيقة، من أجل مستقبل شعبه ووطنه. وكان بإمكان الكتّاب والمفكرين والمثقفين الفرنسيين أن يجنوا الثراء فيما لو تصدوا لنداء سارتر وعارضوه، لأن كبار رجال الأعمال كانوا مع بقاء الاستعمار الفرنسي في الجزائر، لكنها الوطنية التي جعلتهم يقولون الحقيقة، ويرفضون المال.
...
في العراق، يحتاج الأمر الى وقفة من أجل فقير يقتله جوعه ويميته مرضه، وكل ما يتطلب الأمر، وقفه صادقة من المثقف معه، في مواجهة القائد الذي يتبعه أو يتعاطف معه، لكن هذا المثقف، يرضى أن يموت الفقير لكي يعيش القائد في أعلى مراتب الثراء، فيحصل منه على صدقة مذلة.

أليس من حقنا ان نسمي هذا النموذج بالمثقف المعتاش؟

لها تتمة

مجموعة مقالاتي في صوت العراق على الرابط التالي:
http://www.sotaliraq.com/Salim-Alhasani.php



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google